يصدر تقرير مؤشر الأمن السيبراني العالمي سنويًا منذ عام 2015 من قبل «الاتحاد الدولي للاتصالات»، وهو وكالة متخصصة تأسست عام 1865، وأصبحت تتبع الأمم المتحدة، ومسؤولة عن الأمور المتعلقة بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. ويسعى تقرير مؤشر الأمن السيبراني العالمي إلى فحص ودراسة وإجراء مقارنة بين كفاءات الأمن السيبراني لدول العالم. في بداية تقرير عام 2020، أشارت «دورين مارتن»، مديرة مكتب تنمية الاتحاد الدولي للاتصالات، إلى أهمية الأمن السيبراني، بقولها: إن «الحاجة إلى فضاء إلكتروني سليم وآمن أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى»، في ظل زيادة اعتماد العالم على «الخطوط الرقمية» للبنى التحتية الرئيسية. وفي ضوء ذلك، أضافت أن هذا الإصدار للتقرير «سيساعد في تعزيز المزيد من الإجراءات نحو تأمين النظم البيئية الرقمية اللازمة للتعافي والنمو، من خلال قياس أنواع التزامات الأمن السيبراني التي تعهدت بها البلدان ومدى انتشارها». يقيس التقرير نقاط القوة والضعف في الأمن السيبراني في البلدان عن طريق تقييمها من خلال الفئات الخمس التالية: (التدابير القانونية - التدابير التقنية - التدابير التنظيمية - تدابير تنمية القدرات- تدابير التعاون). ويتم تصنيف كل دولة في كل فئة من أصل 20 درجة، لتصبح الدرجة الإجمالية من 100. ووفقًا للتقرير، تنطبق معايير فئة التدابير القانونية على «الأطر التنظيمية»، التي «تتضمن إنشاء تشريعات تحدد ما يشكل أنشطة غير مشروعة في الفضاء الإلكتروني»، بينما تنطبق معايير فئة التدابير التقنية بشكل أساسي على «الآليات الفعالة والهياكل المؤسسية على المستوى الوطني اللازمة للتعامل مع المخاطر والحوادث السيبرانية بشكل موثوق». تشمل هذه المعايير فرق الاستجابة لحوادث الكمبيوتر، وهي وكالات خاصة تسمح للحكومات بالرد على الهجمات الإلكترونية وبناء القدرة على الصمود في مواجهتها في المستقبل. وتشمل فئة «التدابير التنظيمية»، «آليات الحوكمة والتنسيق» في البلدان التي تضمن «استدامة الأمن السيبراني على أعلى مستوى للسلطة التنفيذية، حيث يؤدي عدم وجود تدابير تنظيمية مناسبة إلى الافتقار إلى المسؤولية والمساءلة الواضحة» تجاه استراتيجيات الأمن السيبراني الوطنية. وتشير فئة «تدابير تنمية القدرات» إلى «القدرة المستقبلية على الحفاظ على الحماية الإلكترونية الحالية والبناء عليها، والتي تعتبر مهمة؛ نظرًا إلى أن ملايين المواطنين والمقيمين في جميع أنحاء العالم أصبحوا يستخدمون الإنترنت بشكل أكثر انتظامًا في حياتهم اليومية». أما فئة «تدابير التعاون»، فتشير إلى «التعاون المباشر بين الدول بشأن المخاطر الإلكترونية، والتي تعد ذات أهمية متزايدة، بالنظر إلى أن التهديدات الأمنية الافتراضية «في ازدياد»، وأنه «لا يمكن ضمان أو إدارة أمن النظام البيئي السيبراني العالمي من قبل صاحب مصلحة واحد»، مما يتطلب «توسيع مدى وصول وتأثير» التعاون الدولي والإقليمي. وفي الواقع، تتباين قدرات البلدان على إظهار دفاعات قوية في مجال الأمن السيبراني في جميع أنحاء العالم. ففي حين أن العديد من البلدان ذات التصنيف الأعلى في العالم هي تلك التي تمتلك أعلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي الوطني، فإن العكس صحيح بالنسبة إلى تلك البلدان الواقعة في أدنى تصنيفات تقرير مؤشر الأمن السيبراني العالمي. وعلى الصعيد العالمي -ضمن الفئات الخمس المذكورة أعلاه- أشار التقرير إلى أن 167 دولة تمتلك «شكلا من أشكال تشريعات الأمن السيبراني»، مع وجود 97 دولة منها أيضًا لديها «لوائح البنية التحتية الحيوية»، في حين أن 131 دولة لديها فرق الاستجابة للأحداث السيبرانية (CIRTs)، و127 دولة لديها استراتيجيات الأمن السيبراني، و142 أجرت شكلاً من أشكال مبادرات الوعي السيبراني، ووقعت 90 دولة على اتفاقيات ثنائية تتعلق بالأمن السيبراني. وبشكل عام سجلت دول مجلس التعاون الخليجي مستويات عالية جدًا في المؤشر العالمي للأمن السيبراني لعام 2020. وحصلت مملكة البحرين على مجموع نقاط 77.86/100، مع درجات قوية في فئة التدابير القانونية (20.00)، والتدابير التنظيمية (15.11)، وتنمية القدرات (16.77). وعلى الجانب الآخر، حظيت بدرجات أقل في فئات التدابير التعاونية (13.86)، والتدابير الفنية (12.12)، حيث خص التقرير الفئة الأخيرة كمجال «للنمو المحتمل» في المستقبل. ووضعت هذه النتائج البحرين في المرتبة 60 عالميًا، مما وضعها في فئة نقاط مماثلة للأمن السيبراني لدول أيسلندا، وجنوب إفريقيا، والفلبين. وفي الوقت نفسه حققت المملكة العربية السعودية درجة عالية جدًا في المؤشر بلغت 99.54 /100، مع 20.00 درجة في أربع فئات: (التدابير القانونية، والتدابير التنظيمية، وتنمية القدرات، والتدابير التعاونية)، ودرجة 19.54 في فئة التدابير الفنية. وبهذا، جاءت مع المملكة المُتحدة في المركز الثاني بشكل عام في مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2020، وبعد الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة. كما سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة نسبة عالية جدًا 98.06/100، مع 20.00 درجة في ثلاث قطاعات: (التدابير القانونية، وتنمية القدرات، والتدابير التعاونية)، و19.09 و 18.98 في فئتي التدابير الفنية، والتدابير التنظيمية، على التوالي. وبذلك احتلت المرتبة الخامسة عالميا في مجال الأمن السيبراني. وبالمثل، حصلت سلطنة عُمان على درجة 96.04 /100، بحد أقصى 20.00 درجة في التدابير القانونية، والتدابير التنظيمية، وفئة تنمية القدرات، بينما حصلت قطر على إجمالي 94.50/100، مع 20.00 درجة في الإجراءات القانونية وتنمية القدرات، ودرجة منخفضة بلغت 16.64 في التدابير الفنية. وأخيراً، سجلت الكويت 75.05/100 نقطة في المؤشر، مع الدرجات التالية لكل فئة: الإجراءات القانونية، 17.74؛ التدابير الفنية، 14.25؛ التدابير التنظيمية، 11.13؛ تنمية القدرات، 16.05؛ والتدابير التعاونية، 15.90. ويتم التأكيد على الدرجات العالية المتسقة بين دول مجلس التعاون الخليجي من خلال مجموعة مختلطة من النتائج في منطقة الشرق الأوسط الأوسع, حيث احتلت مصر المرتبة 23 عالميا بنتيجة إجمالية 95.48/ 100 (بواقع 20.00 في فئتي التدابير القانونية، والتدابير التنظيمية، وأدنى فئة 17.45 في قسم التدابير الفنية). وحصلت الأردن على درجة إجمالية عالية بلغت 70.96/100، محققة بذلك أعلى درجة لها في معيار التدابير القانونية، وهي 18.53 من 20، وحصلت بدورها لبنان على 30.44/100 فقط، محققة درجة عالية نوعًا ما في معيار الإجراءات القانونية وهي 10.24 من 20، وحصلت دولة فلسطين على درجة إجمالية 25.18/100، بالإضافة إلى كونها لم تحرز أي درجة تذكر «0.00» في معيار التدابير التعاونية، واحتلت العراق المرتبة الأدنى في منطقة الشرق الأوسط في مؤشر الأمن السيبراني العالمي، في ظل تحقيقه درجة إجمالية قدرها 20.71/100 فقط، كذلك لم يحرز أدنى درجة «0.00» في معيار الإجراءات القانونية. وعلى هذا النحو، احتل العراق المرتبة 129 بين دول العالم. وبعيدًا عن الدول العربية، حصلت إسرائيل على درجة إجمالية قدرها 90.93/100، محرزة بذلك الدرجة النهائية 20.00 في الإجراءات التعاونية، و19.68 درجة في الإجراءات القانونية، و19.24 درجة في الإجراءات المعنية بتنمية القدرات، و16.99 درجة في التدابير والإجراءات التقنية، و15.02 درجة في التدابير والإجراءات التنظيمية. وفي الوقت نفسه، احتلت إيران المرتبة 54 عالميًا، بإجمالي درجات إجمالية مقدارها 81.07 /100. أما بالنسبة إلى بقية دول العالم، فقد احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالميًا بنتيجة 100/100، محققة بذلك الدرجة النهائية 20.00 في جميع المعايير والمقاييس. كما سجلت المملكة المتحدة، إجمالي درجات إجمالية مقدارها 99.54، كونها أحرزت درجات مثالية في جميع المعايير والمقاييس باستثناء التدابير التقنية التي سجلت فيها (19.54) درجة. وبالمثل، سجلت اليابان، درجة إجمالية مقدارها 97.82 /100، وسجلت فرنسا97.60/100، وسجلت ألمانيا 97.41/100، وحصلت هولندا، على الدرجة النهائية 97.05 /100. ورسميًا، يصنف «مؤشر الأمن السيبراني العالمي»، كلا من ميكرونيزيا، والفاتيكان، واليمن، على أنها أقل البلدان مرتبة في العالم، لكنه أقر بأن هذا هو الحال؛ لأنه لم يتم جمع أي بيانات من هذه البلدان. لذلك، فإنه نتيجة لقبولها عددا من الدول وردودها على استبيانات الدراسة وتقديمها بيانات للتقرير، احتلت كل من الدولتين الإفريقيتين؛ جيبوتي، وبوروندي، المرتبة الأخيرة في المؤشر، وكلاهما حصل على 1.73 درجة إجمالية فقط من أصل 100. على العموم، سلط مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2020 الضوء على فجوات هائلة في قدرات توفير وإتاحة الأمن السيبراني في العالم، حيث تمتلك الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة بنى تحتية مغايرة تمامًا من حيث القدرة والكفاءة عن تلك الموجودة في دول مثل العراق، وجيبوتي، وبوروندي. ومع ذلك، أظهرت دول مجلس التعاون الخليجي في هذا المؤشر أنها تفوقت بشكل جماعي على العديد من الدول الغربية الأخرى والدول الأكثر تقدمًا اقتصاديًا من حيث قدراتها الأمنية السيبرانية واستدامة البنى التحتية البشرية وغيرها بالإضافة إلى التدابير التعاونية لخلق بيئة تقنية آمنة. وعلى الرغم من ذلك، خلص المؤشر نفسه إلى تحذير مفاده أن «الأمن السيبراني يتطور باستمرار»، وستكون هناك حاجة إلى نُهج مستدامة ومطورة من قبل البلدان «لضمان أن تظل كافة البرامج والحلول الرقمية آمنة وموثوقة وجديرة بالثقة»، وأيضًا لعل «أحد الدروس المستفادة من أزمة وباء كوفيد-19 هو أن المشكلات الجماعية المرتبطة بتوفير الخدمات الصحية أو الأمن السيبراني «تحتاج إلى معالجتها من خلال نهج تقنية متعددة شاملة» تعمل على صياغتها تلك البلدان الماهرة في إتقان آليات ومتطلبات الأمن السيبراني.
مشاركة :