مقار.. يجسد تجربة الحجر الصحي برؤية فنية

  • 7/7/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

للتعبير عن المستحيل يُقال "البحث عن إبرة في كومة قش"، وعلى الرغم من العجز الواضح في هذه العبارة إلا أنه من جانب آخر يوجد إيحاء بالممكن البعيد وكأنما هناك تناظر مع الأمل من خلال "الضوء في نهاية النفق"، ولأنه طالما كانت "الحاجة أم الاختراع" والتي تتماهى مع جملة "الإبداع يولد من رحم المعاناة"، فإن الأوبئة والأيام العصيبة تجسد كل ما سبق باعتبار أن منحنى الربكة يبتدئ من نقطة صغيرة ويتصاعد حتى الذروة، وبعدها تكون لحظة الانهيار الإيجابي للإعلان عن المقاومة والتجاوز، وهذا ما يحاول الفن التعبير عنه وإثباته، ويبرهن على ذلك ويصوره معرض "مقار" ضمن جناح المملكة المشارك للمرة الثانية بجناحٍ وطني في النسخة الـ17 من بينالي البندقية للعمارة، وبمشاركة ثلاثة معمارين لتمثيل المملكة في البينالي وهم "بسمة كعكي، وحسام دقاق، وحصة البدر"، ليعملوا جنبًا إلى جنب مع القيّمين العالميين "عظمة ريزفي، ومرتضى فالي"، وذلك تحت عنوان "كيف سنعيش معًا؟" خلال الفترة من 22 مايو وحتى 21 نوفمبر 2021. خروج عن المألوف ودخول إلى الدهشة، توظيف التكيف وطريقة معايشة الإنسان وتعاطيه مع الأوبئة مثلما حدث مع جائحة "كورونا" من خلال معرض فني تجريبي اقتبس أعماله من تجربة الحجْر الصحي، وصنع مقاربة إبداعية تمزج بين الشاعرية والرغبة في تحويل التحديات إلى أيقونات إلهام، ابتكار ينشغل بتقليص الهواجس وتمثيلها في منتجات فنية تجعل المتخيل مؤثرًا وفاعلًا في الواقع، تعيد النظر في الحياة والحكاية من خلال رؤية توثيقية ومتفائلة عبر رسائل غير مباشرة كعادة الفن في منح المشاهد إشارات وتلميحات ومفاتيح تساعده على اختيار تكوين مفهومه الخاص، ولأنه حتى إن كانت تجربة العزل متشابهة في أسبابها فإنها مختلفة في كيفية التعامل معها، وبوصف الفن إحدى أدوات المساهمة في أرشفة العمر والتجارب خاصة أن العالم طالما يتغير فإنه بحاجة أن يتذكر ماضيه، وليكون المعرض الوطني "مقار" دلالة على شكل التفاعل بين الفرد وما يتأثر به وما يؤثر عليه في كل ما يحيط به. جائحة "كورونا" وتجربة الحجْر الصحي، الطارئة والغريبة بكل ما أنتجته من سلوكيات تكفلت بمهمة إيقاف الزمن والركض مؤقتًا، أعادت شكل العلاقة بين الإنسان والمسافات والجمادات، حرضت على العثور واكتشاف مفاهيم جديدة في ثلاث محطات مختلفة فرضتها الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية بحسب تقسيمات الجناح الوطني السعودي "مقار"، وذلك من خلال التركيز على العناصر التي تحولت إلى مناطق عزل وهي "الفنادق، والمنازل، والجُزر"، بحيث استعرضت في تراكيب على شكل هياكل ولوحات ورسم كروكي لمخططات الغرف والممرات نموذج مصغر افتراضي للمباني، لتعيد النظر إلى المكان من خلال استعراض الصور للمنازل والأبواب المغلقة والشوارع الخالية من الحركة، وبكل ما تضمنه المعرض من ملصقات تخص الإرشادات والتعليمات الخاصة بالتعامل مع الوباء ووسائل السلامة والوقاية، وكذلك المعقمات والمطهرات، ولتكون مجتمعة مشهداً يحاكي انعدام مظاهر الحياة خارج الأسوار والوحشة التي يصنعها الهدوء عندما يكون الوحيد الذي بوسعه الحضور خارج المنزل والجلوس طيلة الوقت على الأرصفة وفي الفضاء الخارجي. الإنسان المحظوظ بقدرته على التأثير في العالم من حوله وتوظيف الأشياء بحسب حاجته، فإنه في الوقت نفسه يمتلك مهارة التكيف مثل بقية الكائنات الحية، لتصبح الأعمال الفنية والإبداعية القائمة على البناء في استقامة الأسوار والزوايا في الغرف والأشكال الهندسية في البناء تتماس وتقدم اقتباسات لرحلة الإنسان والتحديات التي تواجهه والمنعطفات في طريقه، فيما يكشف المكان البالغ الحساسية بالنسبة للزمن من خلال استجابته الفورية عن رغبة مستعرة في ملاحقة الساكن للمتحرك، تمامًا مثلما يحدث بين الكاميرا الساكنة والمشهد المتحرك من خلال مطاردة العدسة للخطوة والصورة والفكرة، ولأن المكان يتأثر بالزمن ويتفاعل معه ويجسد عبوره ويعكس حضوره، فإن المكان في الوقت نفسه بوسعه أن يكون ذاكرة وأداة توثيق ومستودع حفظ الأيام، هذه الدلالات عديدة الأوجه للمكان وطريقة عيش الإنسان جسدها الجناح السعودي "مقار" والمقام داخل منطقة "أرسنالي" وهو عبارة عن مجمع تاريخي لبناء السفن في شمال إيطاليا، وذلك في مقر البينالي الدائم في مدينة البندقية الإيطالية، والذي افتتحه وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان آل سعود، وتشرف على تنظيمه وإدارته هيئة فنون العمارة والتصميم. جانب آخر من المعرض معرض «مقار» ضمن جناح المملكة المشارك في بينالي البندقية للعمارة

مشاركة :