تونس - قرر البرلمان التونسي توقيع أقصى عقوبة على النائبين صحبي صمارة وسيف الدين مخلوف اللذين اعتديا على زميلتهما عبير موسي رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، بعد ضغوط أممية طالبت فيها السلطات باتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المعتدين. وفي بيانه أدان مكتب مجلس النواب التونسي الاثنين ما أقدم عليه النائبان صمارة ومخلوف تجاه النائبة موسي، مجددا رفضه المطلق اللجوء إلى العنف. وشدد على أن هذا التصرف فردي ومرفوض وغير مسؤول، ويتعارض مع ما سنته المؤسسة البرلمانية من تشريعات تجرم كافة أشكال العنف، وخاصة ضد المرأة التونسية. وقرر المكتب "إيقاع أقصى العقوبة التي يسمح بها النظام الداخلي على النائبين المعنيين، ويوصي الجميع بمقتضيات الاحترام المتبادل والتعاون بما فيه خير المؤسسة والبلاد". ويأتي قرار المجلس النيابي بعد ضغوط داخلية وخارجية، لاسيما من الأمم المتحدة، التي أعلنت الاثنين إدانتها العنف الذي مارسه برلماني تونسي بحق زميلته عبير موسي خلال جلسة برلمانية في 30 يونيو الماضي، داعية السلطات إلى "اتخاذ الإجراءات المناسبة" ضد المعتدين على ناشطات في مجال السياسة. وقال المكتب الأممي في تونس عبر بيان إن "فريق الأمم المتحدة يتابع بقلق ما يحصل في البرلمان التونسي، لاسيما وأن الحادث لم يكن مجرد حالة معزولة، بل حصل عقب تكرر حالات أخرى حديثة للعنف والكراهية ضد النساء البرلمانيات، وبشكل أوسع النساء الناشطات في مجال السياسة بتونس". وأضاف أن "الأمم المتحدة تعتبر أن أي عمل من أعمال العنف ضد النساء اللاتي يمارسن السياسة، سواء كان جسديا أو لفظيا، لا يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان فحسب، بل يشكل أيضا تهديدا خطيرا للديمقراطية ولمشاركة المرأة في الحياة العامة". وحث أعضاء مجلس "نواب الشعب" (البرلمان)، بصفتهم الممثلين المنتخبين للتونسيين، على التحلي في سلوكهم بأعلى المعايير الأخلاقية. ودخل البرلمان التونسي مرحلة خطيرة في تاريخه، بعد ارتفاع منسوب العنف المادّي واللفظي بين أعضائه، ما جعله مؤسسة مهتزة، لا تعكس صورة الديمقراطية التمثيلية، بسبب الاستقطاب الحاد والصراعات السياسية العنيفة، التي شغلت النواب عن المشاغل الحقيقية للتونسيين. ولم تعد مشاهد العنف غريبة على البرلمان، بعدما تابع التونسيون مشاهد الاعتداء المباشر من قبل النائب صمارة، على رئيسة كتلة الدستوري الحر وزميلها في الكتلة، النائب وسام الشعري، إذ وجّه إليهما لكمات مباشرة تحت قبة البرلمان، وأمام عدد من النواب، وبحضور وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن إيمان الزهواني هويمل. وتعرضت النائبة موسي في اليوم ذاته إلى اعتداء مادّي ثان من قبل رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف، ما استوجب تدخل طبيب المجلس، لتقديم الإسعافات اللازمة لها. وأثار هذا الاعتداء في حادثتين متتاليتين إدانات واسعة شملت رئاستي الجمهورية والحكومة واتحاد الشغل، فضلا عن أحزاب وجمعيات مدنية وحقوقية وشخصيات مستقلة أظهرت تعاطفها مع زعيمة الحزب الدستوري الحر، وطالبت بتدخل القضاء لمعاقبة المعتدي. وحصلت موسي على تعاطف واسع حتى لدى معارضين لأفكارها وأدائها في البرلمان، ومن بينهم أحزاب وشخصيات من الحزام البرلماني للحكومة. وندد هؤلاء بالعنف الذي بات يطول النساء في البرلمان بعد اعتداءات سابقة كان أبرزها اعتداء نواب ائتلاف الكرامة على سامية عبو عضو الكتلة الديمقراطية. ورغم قرار البرلمان إلا أن كتلة الإصلاح بالبرلمان أعلنت مساء الاثنين مقاطعتها اجتماعات مكتب المجلس واجتماعات رؤساء الكتل، "إلى حين اتخاذ قرار بمتابعة النواب الذين مارسوا العنف على زملائهم قضائيا". وبررت الكتلة، حسب بيان لها، هذا القرار بـ"ما لاحظه أعضاء الكتلة، أثناء اجتماع مكتب المجلس اليوم (الاثنين) للتداول في موضوع العنف الذي شهدته الجلسة العامة 30 يونيو المنقضي، من لا مبالاة وتعنت في تعويم المسألة وعدم إعطائها الأهمية التي تستحقها، وإصرار رئيس المجلس وحلفائه على عدم تقديم شكوى قضائية بالمعتدين، والاكتفاء بإصدار مجرد بيان يسوي بين الاحتجاج والعنف المادي المسلط على النواب". وسبق لموسي أن نبهت لتعرضها إلى التهديد والمضايقات "من أجل ثنيها عن أداء عملها النيابي في البرلمان التونسي". وتعد موسي من الأصوات التي تحرص باستمرار على انتقاد ممارسات حركة النهضة الإسلامية، وتقول إنها لن تدخر جهدا في كشف ما ينال من سيادة تونس. وحرصت موسي أيضا على ارتداء الخوذة، في أكثر من مرة، داخل مبنى البرلمان التونسي، نظرا إلى الأجواء المشحونة التي تمر بها الجلسات. وقالت موسي في تصريح صحافي إنها لا تستطيع دخول البرلمان والبقاء فيه دون بث مباشر عبر هاتفها، خشية تعرضها لاعتداءات بدنية من نواب معارضين لها.
مشاركة :