كشف فريق من الباحثين في جامعة نيويورك أبوظبي عن فك شيفرة جينية تتحكم في إحدى خصائص الكبد، وتحديداً قدرته على إعادة تنمية الأنسجة. وفي هذا السبق العلمي، ركّز الباحثون على تلك الجينات التي تحفّز إعادة النمو بعد استئصال جزء من الكبد، ما يساهم في استحداث أساليب متطورة في مجال الطب التجديدي لتحفيز إعادة نمو أعضاء لا تتمتع عادة بهذه الخاصية لدى الفئران والبشر. وبينما تتمتع بقية المخلوقات بالقدرة على إعادة تنمية معظم الأعضاء، فتستثنى من ذلك الفئران والبشر، وعدد من فصائل الثدييات التي لا يمكنها إعادة تنمية أي عضو سوى الكبد بعد تعرضه للإصابة أو الاستئصال الجزئي. وبناء على ذلك، استند الباحثون إلى فرضية أن الجينات المسؤولة عن إعادة النمو محكومة بشيفرة معينة تنشطها في حالات معينة، كالتعرض لإصابة أو استئصال بعض الأنسجة، وركزوا على المكوّن اللاجيني من الحمض النووي الذي هو عبارة عن بعض التعديلات التي تطرأ على الحمض لتنتج اختلافاً في نتائج الجينات بدلاً من تعديل الجينوم ذاته. أجرى فريق العمل بقيادة أستاذة الأحياء كيرستن سادلر أدبلي أبحاثه على نماذج كبد الفئران، فركّزوا على تلك الخلايا غير النشطة التي تتمتع بالقدرة على تجديد النمو بعد تفعيل جينات محددة، ونجحوا في تحديد تلك العناصر من الشيفرة اللاجينية الموجودة فيها، كما أنهم وجدوا أن الأعضاء التي لا تشهد عملية تجديد تحتوي على جينات غير مفعّلة ولكنها مسؤولة عن إعادة نمو أنسجة الكبد، مع وجودها في منطقة من الجينوم تتميّز بنشاط الجينات بشكل عام. وقد رصد الباحثون أن جينات إعادة النمو تحمل تعديلاً محدداً وهو H3K27me 3، ولدى فصل هذا التعديل تفعّل جينات إعادة النمو، مما يمكّنها من العمل ومباشرة تكاثر الخلايا لتجديد الأنسجة. وفي البحث بعنوان «تأثير الشيفرة اللاجينية على وضعية الكروماتين وتحفيز قابلية إعادة تنمية خلايا الكبد في الفئران» الذي نشرته المجلة الدورية العلمية «نيتشر كوميونيكيشنز»، تصف سادلر وزميلها الباحث تشي زانغ السبق العلمي الذي توصل إليه فريق العمل، وهو اكتشاف عناصر من الشيفرة اللاجينية ضمن كبد الفئران تسمح بتفعيل الجينات المسؤولة عن قابلية إعادة النمو في تلك الأنسجة. ومع أن الشفرات اللاجينية تعتبر من العناصر ذات الدور الموثق في تنسيق نتائج الجينات، فلم تكن تفاصيل عملها ودورها في الكبد وإعادة نموه تحديداً معروفة سابقاً. وقد نجح البحث في تحديد ست وضعيات للكروماتين في كبد الفئران تعكس مؤشرات لاجينية محددة، ما يشكل أول مخطط للكروماتين في هذا العضو الحيوي، ويثبت أهمية عناصر المخطط لعملية إعادة نمو الكبد. وتوفر نتيجة عمل الفريق وصف دقيق لآلية إبقاء خلايا الكبد في وضعية التأهب لتسلم إشارة البدء بإعادة النمو. السرّ قالت سادلر:«يكمن سر إعادة النمو داخل الشيفرة اللاجينية لخلايا الكبد، ونعمل الآن على دراسة مسببات هيئة هذه الشيفرة وهي الأنزيمات التي تنتج الإشارات، لتحديد العلاقة بين الشيفرة اللاجينية والشيخوخة، حيث إن قدرة الكبد على إعادة النمو تتضاءل مع تقدّم العمر في الحيوانات والبشر كذلك. وسنواصل دراسة ما يتميّز به الكبد من قابلية لإعادة النمو، لما لذلك من أهمية بالنسبة لتطوير الطب التجديدي، فقد نتمكن يوماً ما من تعديل الشفرة الجينية بما يسمح بتطبيق آلية تجديد خلايا الكبد في الحيوانات الأكبر سناً، ولكن بكامل فعاليتها، أو حتى تطبيقها في أعضاء أخرى تفتقر أصلاً إلى قابلية إعادة النمو، فنتفادى بذلك ضرورة زرع الأعضاء في عمليات جراحية بالغة الخطورة، لا تخلو من التعقيدات».
مشاركة :