في خطاب لحظة السقوط حدد نتنياهو بوضوح تام أهم إنجاز له وهو منع قيام دولة فلسطينية، والحقيقة أنه نجح في تحقيق ذلك، حتى الآن بل جعل من إمكانية قيام دولة أمرا صعبا. نتنياهو منذ أن نجح هو واليمين المتطرف في تنظيم انقلاب في إسرائيل على عملية السلام باغتيال رابين عام 1995 كان له هدف استراتيجي وهو منع قيام دولة فلسطينية، وفي سياق تحقيق هذا الهدف قام هذا الصهيوني المتطرف بتدمير تركيبة سياسية كاملة في إسرائيل كان يفترض أنها قد توافق على قيام دولة فلسطينية. وبالفعل فقد غيَّر بشكل كبير الخارطة السياسية لتصبح أكثر ميلا لليمين بشكل كاسح. منع قيام دولة فلسطينية كان بالنسبة إلى نتنياهو هو خطوة حاسمة في سياق خطة أكبر لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها، وفي اعتقادي أنه كان يمكن أن ينجح لو فاز حليفه الأهم ترامب بفترة رئاسية ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن التذكير هنا أن نتنياهو قد استغل ترامب حتى آخر يوم في ولايته من أجل تهيئة منطقة الشرق الأوسط كلها، وخاصة الدول العربية، لتكون جاهزة لقبول خطته لتصفية القضية. تاريخ نتنياهو في الحكم بدأ بفرض مبدأ إعادة التفاوض على ما تم الاتفاق عليه في أوسلو وقد حقق هذا الأمر في «بروتوكول الخليل» مطلع عام 1997. كما نسف مبدأ التجميد الضمني للاستيطان، وهو المبدأ الذي كرسه رابين، وكذلك عندما قرر بناء مستوطنة «هارحوما» على جبل أبو غنيم على الطريق بين القدس وبيت لحم في ربيع عام 1997. وبعد ذلك أطلق العنان للمستوطنين، شركائه في تنظيم الانقلاب ليمنعوا على الأرض قيام دولة فلسطينية. من دون شك أن شعبنا الفلسطيني قد فرح بسقوط نتنياهو، والحقيقة ليس الفلسطينيون وحدهم من فرح، فالرئيس الأمريكي بايدن لم يخفِ فرحته عندما سارع بمد يده للحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهي اليد التي لم تمد لنتنياهو على امتداد الأشهر السابقة. وفي إسرائيل ذاتها كانت فرحة بقايا اليسار والعلمانيين لا تقل عن فرحة الفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين كانوا يتظاهرون أمام منزل نتنياهو في القدس كل مساء سبت على امتداد أكثر من عام. ولكن رحيل نتنياهو لا يعني أن وهم الصهيونية بإنكار وجود الشعب الفلسطيني وإنكار حقوقه الوطنية السياسية قد سقط، فالحكومة الجديدة تضم من هم يشاركون نتنياهو نفس الأهداف، بل أن بينيت رئيس الحكومة الجديد هو أكثر تطرفا وإيمانا بضرورة الاستمرار بشكل مكثف في الاستيطان وتهديد القدس. وهناك الصقر جدعون ساعر الذي انشق عن الليكود قبيل الانتخابات الأخيرة، فهو يصر أن يكون له دور في سياسة وزارة الإسكان بهدف مراقبة بناء الفلسطينيين في مناطق (ج) في الضفة الغربية تمهيدا لضمها في المستقبل. حتى وجود جسم سياسي عربي في الائتلاف الحكومي، ممثلا بالقائمة العربية الموحدة، بقيادة منصور عباس، لا يعني تغيرا في الوهم الصهيوني، بل على العكس هو يؤكد هذا الوهم. فلم يتم قبول منصور عباس في الائتلاف إلا بعد أن خلع تماما ثوب الوطنية الفلسطينية، فهو لم يطالب بحق واحد من الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، لا بما يتعلق بالقضية الفلسطينية ولا حتى بالحقوق لجماهير الشعب الفلسطيني داخل مناطق عام 1948. فالهوية التي تم قبول منصور عباس على أساسها في الائتلاف الحكومي هي هوية طائفية، وهذا هو بالضبط المناسب للصهيونية، فالحكومة الجديدة وإن كانت تضم قوى يسارية ومن وسط الخارطة السياسية في إسرائيل، إلا أنها مقيدة تماما بقيود اليمين، كما أن فرص استمرار هذه الحكومة فترة طويلة هي فرص ضعيفة نسبيا لأن ما بين أطرافها من تناقض هو أقوى بكثير مما يوحدها، وخصوصا بعد نجاحهم في تحقيق الهدف الوحيد المشترك ألا وهو إسقاط نتنياهو. { كاتب من فلسطين
مشاركة :