كثيرًا ما نلمح غضبًا عربيًا من فنان قال كلمة أو إعلامي غير مدرك لظلال المعني أو نكتشف أن هناك من يستظرف، متصورًا أن من حقه أن يلقي نكتة، وهكذا وجدنا مثلا حسن حسني ويوسف شعبان يتجاوزان في حق شعب عربي شقيق وهم أهالينا في المملكة المغربية، وهو ما دفع بعدها نقيب الممثلين في مصر أشرف زكي أن يتقدم باعتذار من خلال بيان رسمي، سبق وأن أقدم أيضا أكثر من إعلامي وإعلامية على أفعال مشابهة، وبعدها عندما يُدرك حجم الخطأ يبدأ بعد فوات الأوان في الاعتذار، بينما «النت» في لحظات نجده وقد فاض بتلاسن شعبي على الجانبين. مع الأسف النجومية التي يعيشها البعض سواء أكان إعلاميا أو فنانًا قد يسئ استغلالها، فيتصور لبعضهم أن من حقه الإفتاء في حلة «المحشي»، مثلما يمنحه ذلك مشروعية تحليل حلف «الناتو» ومقياس «الفيمتو ثانية». ليس بعيدًا عن الأذهان هذا الغضب الذي ينتاب المصريين من بعض الأفلام التي تتناول مثلا راقصة، لو جاءت من خلال عين غير مصرية، أتذكر مثلا جوسلين صعب المخرجة اللبنانية قدمت فيلم «دُنيا» قبل عشر سنوات بطولة حنان ترك ومحمد منير ولمجرد أنها غير مصرية طالتها الاتهامات وكانت هدفا للمطالبة بمصادرة الفيلم، بل ومنعها من دخول البلاد، وهو ما سبق وأن تعرض له المخرج المغربي نبيل عيوش بعد أن قدم في مرحلة تالية فيلم «كل ما تريده لولا» فقالوا وقتها إنه يسئ إلى سمعة مصر، لأنه يقدم حياة راقصة وكأن مصر لم تُنجب تحية كاريوكا ونجوى فؤاد ودينا، أتذكر عند عرض الفيلم في إطار مهرجان «دبي» أن علا صوت النجم محمود ياسين وهو يهتف غاضبا لا ليست هذه هي مصر. وهل يسئ فيلم إلى سمعة بلد له حضارة وتاريخ، ثم ألم يلحظ الغاضبون أن الفراعنة كانوا يمارسون طقس الرقص، والجدران شاهدة على ذلك، ولو عمل فني شاهدنا بين أحداثه طبق فول أو قرص طعمية، فهذا لا يمكن أن يعني السخرية من مصر، بالمناسبة كاتب هذه السطور من عشاق الفول والطعمية وأبحث عنهما في أي بلد عربي أو أوروبي أزوره. المشكلة بالنسبة لي عندما أرى غضبًا شعبيًا يدفع أحيانا البعض إلى اتخاذ مواقف عنترية، وليس بعيدًا عن الأذهان ما حدث في واقعة «أم درمان» في اللقاء الكروي بين مصر والجزائر، الذي بلغ فيه التراشق الإعلامي والفني ذروته، الكل وقتها كان يعتقد أنه ينحاز لسلطة بلاده، حيث إن أول من فتح النيران هو علاء مبارك فتصور عدد من الفنانين والإعلاميين أن الدولة الرسمية ترحب بذلك وتمنحهم ضوءًا أخضر، حجتهم أن نجل الرئيس لا يمكن أن يفعلها دون موافقة بيت الرئيس. شاهدنا زخات من الانفلات اللفظي والحركي، بعض النجوم أعادوا الجوائز التي حصلوا عليها من الجزائر إلى السفارة الجزائرية في مصر؛ ولكن يبقى هناك دائما بعض الأصوات العاقلة، شاهدناها في القاهرة والجزائر، فلقد دشن عدد من الفنانين المصريين موقعًا لرفض تلك التصرفات المراهقة، وقدم المخرج الجزائري المعروف أحمد راشدي درسا عمليا عندما طالبوه في الجزائر برد الجائزة التي سبق وأن حصل عليها من مهرجان القاهرة السينمائي، وجاء الرد مفحمًا أن من منحني الجائزة هم المصريون لا يمكن أن أرد جائزة لمصر. تلك هي الرسالة قد نغضب من تصريح ما؛ ولكن الشعوب لا تغضب ولا تتصارع بسبب انفلات من إعلامي أو فنان هنا أو هناك.
مشاركة :