سدّ « النهضة » قضية أمن مائي قومي عربي

  • 7/8/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فشلت إلى حدّ الآن كلّ المفاوضات والمساعي لحلّ النزاع القائم بين إثيوبيا وكلّ من مصر والسودان حول سدّ “ النهضة “ الذي تشيّده إثيوبيا على مجرى النّيل الأزرق الرّافد الأساسي لنهر النّيل الذي يعتبر أهمّ أنهر إفريقيا وأطول أنهر العالم حيث يبلغ طوله 6700 كيلومترا، يمتدّ في تنزانيا ورواندا وبوروندي وكينيا والكونغو وأوغندا وإثيوبيا والسودان ومصر .. له منبعان رئيسيّان يلتقيان عند الخرطوم هما البحر الأبيض أو النّيل الأبيض، ينبع من الهضبة الاستوائية شمالي بحيرة تنغانيكا في بوروندي باسم كاجيرا، والبحر الأزرق أو النّيل الأزرق ينبع من بحيرة تانا بالهضبة الإثيوبيّة يجري في جنوب السّودان ويصبّ في المتوسّط شمالي القاهرة. وقد أثار بناء سدّ “ النهضة “ الذي يبلغ ارتفاعه 170مترا وعرضه 1800 مترا بتكلفة 4 مليارات دولار أمريكي والذي انطلقت أشغال بنائه في سنة 2011م مخاوف كبيرة وقلقا ملفتا للانتباه لدى مصر والسّودان وتوتّرات متصاعدة بين مصر والسودان وإثيوبيا التي تحدّت الجميع وأنجزت مشروعها الضّخم دون استشارة جيرانها أو الاتّفاق معهم بشأن إقامة هذا السّدّ لتحديد مخاطره على مصالحهم، وبلغ بتعنت إثيوبا أنّها قامت في العام الماضي بالملء الأوّل لخزّان السد بطاقة 4,9 مليار متر مكعّب وهو ما يسمح لإثيوبيا بتوليد الكهرباء من السد الذي يقدّر الخبراء بأن تكون قدرته بما يزيد على خمسة آلاف ميغاواط.. وقريبا جدّا سيقع إنجاز الملء الثّاني للسّدّ، وهو ما أجّج غضب مصر والسّودان اللذين سيكونان متضرّرين من هذا السّدّ من ذلك أنّ السدّ سيؤثّر سلبيّا على حصّتي مصر والسّودان من مياه النّيل المهدّدين بالجفاف لأنّ ملء الخزّان بالكامل سيستغرق مدّة طويلة من 5 إلى 15 سنة .. والذي تبلغ طاقة استيعابه 74 مليار متر مكعّب من المياه.. كما أنّ السد سيخفّض من كمّيتي مصر والسودان من ماء النّهر. وسبق أن تقدّمت مصر بشكوى رسميّة إلى مجلس الأمن الدّولي ضدّ إثيوبيا أعلنت فيها اعتراضها على اتّخاذ أديس أبابا قرارا بالملء الثّاني لسدّ النّهضة، محذّرة من أنّ مصر والسّودان “ ستواجهان سياسيّا وبكلّ حسم أيّ إجراء أحادي “ للحفاظ على مصالحهما المائيّة، قبل عقد اتّفاق ينظّم قواعد ملء وتشغيل السدّ، في حين تصرّ إثيوبيا على ملء ثان للسدّ بالمياه، وقرّرت أن يقع ذلك في شهر يوليو الحالي وأغسطس القادم خلال موسم الأمطار في الصّيف في القرن الأفريقي بعد حوالي عام على الملء الأوّل، حتّى لو لم يتمّ التّوصّل إلى اتّفاق، بينما تتمسّك مصر والسّودان بضرورة التّوصّل أوّلا إلى اتّفاق ثلاثي للحفاظ على منشآتهما المائيّة وضمان استمرار تدفّق حصّتهما السنوية من نهر النّيل وهي 55,5 مليار متر مكعّب لمصر و18,5 مليار متر مكعّب للسودان ... وقالت السّلطات السّودانيّة إنّ إثيوبيا بدأت فعليّا في الملء الثّاني للسدّ دون اتّفاق مع القاهرة والخرطوم، وقال مصطفى الزّبير كبير المفاوضين السّودانييّن في ملفّ سدّ “ النّهضة “ إنّ “ إثيوبيا بدأت في الملء الثاني وهو أوّل مخالفة . وإثيوبيا لن توقّع أيّ اتّفاق حول الملء الثاني نسبة لأوضاعها الدّاخلية المتعلّقة بالانتخابات والحرب في إقليم تيغراي.. ولا بدّ من وجود ضمانات دوليّة في التّفاوض بسبب التعنت الإثيوبي. وإنّ الملء الثّاني للسدّ سيكتمل نهائيّا في يوليو الجاري وأغسطس المقبل “. وتدّعي إثيوبيا بأنّها لا تستهدف الإضرار بمصالح السّودان ومصر وأنّ الهدف من السدّ هو توليد الكهرباء لأغراض التّنمية. ونتيجة لتشدّد الجانب الإثيوبي ورفضه كافة الطروحات التي تراعي مصالح مصر المائيّة وتجنّب إحداث ضرر جسيم لها، أعلنت وزارة الموارد المائيّة والرّي المصريّة في 5 أكتوبر 2019م أنّ مفاوضات سدّ “ النّهضة “ وصلت إلى طريق مسدود. وفي 22 أكتوبر 2019م قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إذا اضطرّت إثيوبيا إلى خوض حرب بشأن سدّ “ النّهضة “ فيمكن لها أن تحشد الملايين من أجل المواجهة وإذا تمكّن البعض من إطلاق صاروخ فيمكن لآخرين استخدام القنابل “. فهل هذا الكلام تهديد مبطّن لإشعال أوّل حرب مائيّة قادمة بسبب سدّ “النّهضة “؟ من ناحيتها بيّنت وزيرة الخارجيّة السودانية الدكتورة مريم الصّادق المهدي في تصريحات صحفية أنّ “ مواقف مصر والسّودان واضحة من الملء الثاني لسدّ “ النّهضة “ إلّا أنّ إثيوبيا متمادية في المماطلة والتّضليل في الفضاء الإعلامي وأنّ الملء الثاني للسد يؤثر على مصالح السودان ومصر”. وقالت الوزيرة : “ تريد إثيوبيا استعمال سدّ “ النّهضة “ للهيمنة على السودان ولم تلتزم بأسس حسن الجوار مع السودان ومصر. وقد طالبنا مجلس الأمن الدّولي بإلزام إثيوبيا بالالتزام بالقانون الدولي ونطالب بفرض عقوبات دولية على كلّ طرف لا يلتزم بشروط أيّ اتّفاق بشأن السدّ. وإنّ عدم الاتّفاق على الملء الثاني للسدّ يعرّض السّودان إلى خطر كبير. وطالبنا مجلس الأمن أيضا بالتحرّك ومنع الملء الثاني لسدّ “ النّهضة “ ونتوقّع صدور قرار من المجلس بشأن السدّ”. وأوضحت الوزيرة أنّ “ إثيوبيا حوّلت سدّ “ النّهضة “ إلى قضية سياسيّة داخليّة شعبويّة وتسعى إلى فرض الأمر الواقع”. ومن جهة أخرى تمّ تشكيل غرفة عمليّات مشتركة بين مصر والسودان بشكل دائم للتّنسيق بشأن سدّ “ النّهضة “ وتوحيد المواقف بينهما. وبالنّسبة إلى مصر الحريصة دائما على السّلام والصّبر وتوخّي المرونة والعقلانيّة فإنّ كلّ الخيارات واردة أمامها بما في ذلك استعمال القوّة من أجل الحقّ والعدل، وقد حذّر رئيسها عبد الفتّاح السّيسي مرارا من المساس بحصّة بلاده من مياه النّيل التي قال عنها إنّها “ مسألة حياة أو موت لشعب مصر “. ومن المعلوم أنّ الجيشين المصري والسّوداني قاما بمناورات عسكريّة مشتركة تحت عنوان “ حماة النّيل “ و “ نسور النّيل “ استعدادا لأيّ طارئ في تطوّرات الأحداث القادمة إذا فشل الخيار السلمي. وأمام تعثّر المفاوضات واستمرار التعنّت الإثيوبي والأخطار المحدقة بمصر والسّودان قال الرّئيس المصري عبد الفتّاح السّيسي بحزم ووضوح محذّرا في ذلك إثيوبيا ومن يقفون وراءها من عواقب تصرّفاتها ومشاعرها العدوانيّة الوخيمة : “ لن يستطيع أحد أن يأخذ نقطة ماء واحدة من مصر .. وإنّ ذراع مصر طويلة وقادرة على مواجهة أيّ تهديد وأنّ المساس بمياه مصر خطّ أحمر وسيؤثّر على استقرار المنطقة بالكامل وسيحدث عدم استقرار إقليمي لو انتهك أحد حقوق مصر المائيّة.. إنّ معركتنا هي معركة تفاوض والعمل العدائي مرفوض، ولكن إذا تأثّرت إمداداتنا المائيّة فإنّ ردّ مصر سيتردّد صداه في المنطقة. إنّ العمل العدائي قبيح وله تأثيرات تمتدّ لسنوات طويلة، والشعوب لا تنسى ذلك، وما نطلبه أمر لا يخرج عن القوانين فيما يتعلّق بالمياه العابرة للحدود.. مصر لن تتخلّى عن حقّها ولن تتردّد في استعمال القوّة أمام المساس بالأمن المائي المصري”. وفي 15 يناير 2020 م تمّ اتّفاق شامل بين مصر والسودان وإثيوبيا والولايات المتّحدة والبنك الدولي بشأن سدّ “ النّهضة “ لكن الجانب الإثيوبي لم يحترم تعهّداته مرّة أخرى ممّا جعل مصر تتقدّم في 16 يونيو 2020م بطلب إلى مجلس الأمن الدولي تدعو فيه إلى تدخّل المجلس من أجل مواصلة التّفاوض بين الدّول الثلاث وتنفيذ التزاماتها حسب قواعد القانون الدّولي .. لكن في 27 يونيو 2020م أكّدت إثيوبيا أنّها ستبدأ ملء سدّ “ النّهضة “ خلال أسبوعين في الفترة التي سيتمّ خلالها استكمال أعمال بناء السدّ. وفي 15 يوليو 2020م أعلنت إثيوبيا عن البدء في ملء السّد رغم عدم اتّفاق مع مصر والسّودان. بالإضافة إلى ذلك كلّه رفضت إثيوبيا طلب السّودان من الأمم المتّحدة والولايات المتّحدة والإتّحاد الأوروبي الوساطة بينها وبين مصر والسودان لحلّ الخلافات حول سدّ “ النّهضة “ . ووفق بيان الخارجيّة الإثيوبيّة فإنّ إثيوبيا تتمسّك برعاية الإتّحاد الإفريقي فقط لمفاوضات سدّ “ النّهضة “، وحذّر السّودان من إقدام إثيوبيا على الملء الثاني للسدّ بشكل أحادي. وقال المتحدث بإسم الخارجيّة الإثيوبيّة دينا مفتي إنّ بلاده “ تشترط أن تكون الوساطة بشأن سدّ “ النّهضة “ بالتّوافق بين إثيوبيا وكلّ من مصر والسّودان “. وفي تصعيد جديد أصدرت إثيوبيا منذ أسبوعين قرارا بوقف تأشيرات دخول المصرييّن إليها، وردّا على ذلك تدرس مصر اتّخاذ قرار مماثل يمنع منح تأشيرات لدخول الإثيوبييّن إلى أراضيها . واستنكرت القيادة المركزّية الأمريكيّة سلوك إثيوبيا بشأن سدّ “ النّهضة “ ووصفته بأنّه “ يقلق واشنطن كثيرا”. في هذا الوضع يبدو أنّ هذا الصّيف سيكون ملتهبا سياسيّا حول سدّ “ النّهضة “ وإنّ العرب والمسلمين مطلوب منهم التّضامن القوي مع مصر والسّودان ودعمهما بكلّ الإمكانيّات إذا ما فرض الخيار العسكري نفسه لأنّ المسألة تهمّ كلّ الأمّة العربيّة والإسلاميّة لأنّنا نعتقد أنّ سدّ “ النّهضة “ أصبح قضيّة أمن مائي قومي عربي دفاعا عن حقوق مصر والسودان والتي هي بالتّالي حقوق عربيّة، وإذا ما عرفنا أيضا أنّ إسرائيل دخلت على الخطّ وزادت في تقويّة تعنّت إثيوبيا التي لها علاقات قويّة اقتصاديّة وتجاريّة وعسكريّة مع إسرائيل التي تبيع لإثيوبيا مختلف أنواع الأسلحة وتساعدها بالخبراء في مختلف الميادين. ويعتبر موقف المملكة العربية السّعودية مشرّفا جدّا من هذه القضيّة حيث أكّدت المملكة دعمها الكامل ومساندتها المطلقة لمصر والسودان، وشدّدت على أنّ “ أمنهما المائي جزء لا يتجزّأ من الأمن العربي “.. كما أعلنت المملكة في بيان رسمي دعمها ومساندتها “ لأيّ مساع تسهم في إنهاء ملفّ سدّ “ النّهضة “ وتراعي مصالح كلّ الأطراف “. وأكّدت “ أهمّية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية للوصول إلى حلّ يقبله الجميع ويؤمّن حقوق الدول الثلاث وأمنها المائي، وبما يحقّق لها الأمن والإستقرار والتّنمية المستدامة، ويضمن ازدهار وتعاون جميع دول المنطقة”. وحفاظا على استقرار المنطقة وأمنها نبّهت مصر من خطورة استمرار إثيوبيا في اتّخاذ إجراءات أحادية نحو الملء الثاني من دون التوصل إلى اتّفاق. جاء ذلك في اتّصال هاتفي أجراه سامح شكري وزير الخارجية المصري مع الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش. وأكّد الوزير على خطورة الوضع وعلى ثوابت الموقف المصري الدّاعي إلى “ ضرورة التّوصّل إلى اتّفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء سدّ “ النّهضة “ وتشغيله وطالبت مصر بدور أممي يسهم في حلّ نزاع سدّ “ النّهضة” “. وفي الإجتماع الاستثنائي الأخير الذي عقدته جامعة الدول العربيّة في الدّوحة بحث وزراء الخارجيّة العرب قضيّة سدّ “ النّهضة “ وأجمعوا على وحدة الموقف العربي في هذا الأمر وعلى أهميّة توقيع اتّفاق ملزم بشأن سدّ “ النّهضة “ يحفظ حقوق الجميع. ودعا الوزراء الوسيط الأفريقي إلى ضمان عدم حدوث خطوات أحادية تضرّ بمصر أو السودان حتّى لا يقع الدخول في تعقيدات تدويل القضيّة. أمّا أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فقال : “ الأنهار الدولية يحكمها القانون الدولي، وقواعد محددة للتعامل مع دول المنبع والمصب، وإثيوبيا عليهم الالتزام بالقانون، وهو احترام حقوق كل الدولة المطلة على النيل بعدم اتخاذ إجراءات تلحق ضررا بدولتي المصب . المجتمع الدولي يرفض ممارسات الحكومة الإثيوبية تجاه قضية سد “النهضة”، لذلك يجب على إثيوبيا احترام حقوق مصر والسودان في المياه والقوانين الدولية”. وقال : “ إنّ البديل لفشل مفاوضات سد “النهضة” سيكون خطرا على الأمن والسلم الدوليين، فالمجتمع الدولي لن يقبل بتوتر الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي”. وطالب بضرورة “تدخل دولي عريض” في مفاوضات سد “النهضة”، وأكّد أن “الجامعة العربية تدعم توجه مصر والسودان إلى مجلس الأمن الدولي”. ولاحظ أبو الغيط بقوله : “ لسنا في غابة... نهر النيل تحكمه قواعد القانون الدولي، وهناك حق مطلق لمصر والسودان في رفض أي إجراء أحادي يسبب أضرارا”. وفي بيان مشترك عبّر وزراء الخارجيّة والرّي بمصر والسودان عن “ بالغ القلق إزاء الآثار والأضرار المحتملة لملء وتشغيل سدّ “ النّهضة “ بشكل أحادي ودون اتّفاق ملزم قانونا ينظّم عمل هذا السدّ الضّخم على حقوق السودان ومصر ومصالحهما المائيّة “.. وقد طالب السّودان بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لحلّ هذه الأزمة، وساندت مصر طلب السّودان من خلال تصريح لسامح شكري وزير الخارجيّة المصري أوضح فيه أنّ مصر “ تقدّمت بطلب جديد إلى مجلس الأمن لعقد جلسة عاجلة دعما لطلب السودان “. وقال الوزير : “ إنّ مصر تستخدم الدبلوماسيّة لكن إذا ما وقع لها الضّرر فإنّ لديها القدرة ولن تتهاون في الدفاع عن مصالح شعبنا.. والمسؤولون الإثيوبيّون يطلقون تصريحات استفزازيّة عن العمل العسكري لصرف الأنظار والتّهرّب من توقيع اتّفاق بشأن تشغيل السّد”. وعبّر الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السيّاسيّة بجامعة القاهرة عن رأيه بالقول : “ على مجلس الأمن أن يتحرّك حتّى يحافظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة .. إثيوبيا تتبنّى موقفا متعنّتا وسوء نيّة وهي مصّرة على الإضرار بنا وبالسّودان”. ولمصر الحقّ في استعمال العمل العسكري عند الضّرورة دفاعا عن مصالح الشعب المصري. والمصريّون لا يفهمون لماذا لا تتعاون إثيوبيا مع مصر والسودان للوصول إلى اتّفاق ثلاثي يضمن مصالح الدول الثلاث. إثيوبيا تريد الهيمنة على النّيل الأزرق وترك مصر والسودان تحت السيطرة “. أمّا وزارة الخارجيّة الإثيوبيّة فادّعت أنّ “ سدّ النهضة “ ليس ملفّا سياسيّا ليتمّ نقله إلى مجلس الأمن “. والغريب في الأمر أنّ الاتحاد الإفريقي، مثلما يقول الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة “ مقصّر بعد أكثر من سنة على تولّيه ملفّ سدّ “ النّهضة “، ويقول : “ وإلى حدّ الآن لم يتحرّك الإتّحاد دون أن يقدّم أيّ وساطة أو تدخّل أو مقترح بسبب انحيازه إلى إثيوبيا التي تريد أن تربح القضية لصالحها. وقد انعقد اجتماع هيئة مكتب الاتّحاد الأفريقي يوم الخميس الماضي ولم يناقش ملفّ السّد وتجاهل الموضوع أصلا”. ويضيف : “ الآن أصبحت الأمور واضحة، أي أنّ إثيوبيا تحاول السّيطرة على ماء النّهر الأزرق والنّهر الأبيض معا وهي تتعالى على مصر والسودان وتريدهما أن يبقيا تحت سيطرتها”. كذلك يرى الدكتور أحمد المفتي الخبير السّوداني في شؤون المياه أنّ “ إثيوبيا ترفض أن ينظر مجلس الأمن الدولي في ملفّ سدّ “ النّهضة “ وترفض تدخّله في الملف وقد تجاهلت المجلس المطلوب منه اتّخاذ قرار ملزم لكلّ الأطراف “ .. لكن مجلس الأمن لا يستطيع أن يصدر أيّ قرار لأنّ اجتماعه إذا انعقد سيكون إجرائيّا فقط “ .. على إثيوبيا أن توقف الملء الثاني للسّد ويجب إجبارها على العودة إلى المفاوضات، لأنّ الملء الأحادي للسّد – كما تؤكّد الحكومة السّودانية – قضيّة في غاية الخطورة لأنّ السّد يهدّد مصالح السّودان بشكل مباشر. وبالنّسبة إلى الاتحاد الإفريقي الذي لم ينجح في حلّ قضيّة سدّ“ النّهضة “ ليست له إستراتيجيّة تفاوضيّة في ذلك “. في الأثناء يزداد الدّعم الدّولي والعربي لمصر والسودان في هذه القضيّة، من ذلك أكّدت القمّة الثلاثيّة المصريّة العراقيّة الأردنيّة في بغداد يوم الأحد قبل الماضي الوقوف إلى جانب الحقّ المصري و السّوداني تمسّكا بالأمن القومي العربي ودفاعا عنه. بالإضافة إلى ذلك طالبت مصر أمريكا بالضّغط على إثيوبيا لوقف الملء الثاني للسّد، ودعت إلى مبادرة دوليّة لحلّ هذه الأزمة .. وجاء جواب وزارة الخارجيّة الأمريكية بأنّه “ حان الوقت لاستئناف المفاوضات والحوار بشأن سدّ “ النّهضة “.. وقالت واشنطن :” لن نترك 100 مليون مصري دون مياه”. فكان الردّ الإثيوبي مستفزّا في غاية التّعالي والغرور ومزيد من التعنّت إذ ادّعى مدير إدارة الهندسة في وزارة الدّفاع الأثيوبيّة أنّ “ مصر لا تستطيع تدمير سدّ “ النّهضة “ بقنابل الطّائرات المقاتلة والمصريّون يعرفون أنّ السّد متين “.. وقال : “ مستعدّون لصدّ” لما أسماه “ أيّ عدوان يحاول تقويض سيادتنا “.وادّعى أيضا أنّه : “ بعد اكتمال المرحلة الثانية من تعبئة سدّ “ النّهضة “ سيأتي إلينا الجميع لبحث مقترحات تقاسم المياه”. و تقرّر أن يعقد مجلس الأمن الدّولي اجتماعا طارئا اليوم الخميس حول قضيّة سدّ “ النّهضة “ بناء على طلب من مصر والسودان. لذلك سافر إلى نيويورك سامح شكري وزير الخارجية المصري يوم الأحد الماضي وقام بتحرّكات دبلوماسية مكثّفة واتّصالات مع أعضاء المجلس قبيل انعقاد الاجتماع شارحا لهم حقيقة الموقف على عكس ما تدّعيه إثيوبيا من افتراءات ومغالطات خاطئة. كذلك انتقلت إلى نيويورك مريم الصّادق المهدي وزيرة الخارجيّة السّودانيّة لحضور اجتماع مجلس الأمن مع نظيرها وزير خارجيّة مصر. وينعقد هذا الاجتماع في وقت تصرّ فيه إثيوبيا على الملء الثاني لسدّ “النّهضة” دون اتّفاق مع مصر والسودان وترفض التجاءهما إلى مجلس الأمن. وقدّمت مصر إلى مجلس الأمن ملفّا ب200 صفحة حول حيثيات وتطوّرات هذا الملفّ منذ البداية إلى الآن وتهرّب إثيوبيا من التّوقيع على اتّفاق ثلاثي.ويتضمّن الملفّ تأثيرات السّدّ السّلبيّة والخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان الأمر الذي يهدّد الأمن والسّلم الدّولييّن. وتقول المصادر الدبلوماسية إنّه ليس من الثابت أن يصدر مجلس الأمن قرارا يفرض على إثيوبيا إيقاف الملء الثاني لسدّ “ النهضة “، بسبب الخلافات بين أعضاء المجلس وانحياز عدد منهم إلى الطرف الإثيوبي الذي يتمادى في المماطلة. ومن الأدلّة على ذلك أنّ السفير الإثيوبي لدى الخرطوم أدلى بتصريحات غريبة ممّا جاء فيها أن “ لا حلول لدى مجلس الأمن بشأن القضيّة وإنّ الضّغوط على إثيوبيا لن تؤدي إلى أيّ نتيجة، وليس من مهام مجلس الأمن مناقشة قضيّة سدّ« النهضة ». وأوضح الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائيّة في جامعة القاهرة أنّ «إثيوبيا تتعمّد الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان وهذا ربّما يؤدّي إلى عمل عسكري، وهي رافضة لتدويل الملفّ أصلا». ومن جهته قال الدكتور عثمان التّوم وزير الرّي السوداني السابق : « شخصيّا لا أعوّل كثيرا على مجلس الأمن فكلّ ما أنتظره هو أن يطلب المجلس من الدول الثلاث العودة إلى التّفاوض ». وقال محمّد عبد العاطي وزير الرّي المصري : “ إنّ أيّ نقص في الموارد المائيّة ستكون له انعكاسات سلبيّة ضخمة على نسبة كبيرة من سكّان مصر. إنّ الأضرار ستشمل القطاع الزّراعي وفقدان فرص العمل ممّا سيؤدّي إلى حالة من عدم الاستقرار المجتمعي التي ستؤدّي إلى موجة كبيرة من الهجرة غير النّظاميّة إلى الدول الأوروبيّة وغيرها، أو انضمام الشباب إلى الجماعات الإرهابيّة . إنّ مصر لن تقبل أيّ خطوة أحاديّة إثيوبيّة لتعبئة وتشغيل سد “ النهضة “، وإنّ المفاوضات وصلت إلى مرحلة جمود بسبب تعنّت أديس أبابا مقابل المرونة الكبيرة التي أبدتها القاهرة “. وفي مؤتمر صحفي عقده في الخرطوم يوم الاثنين الماضي حول تطوّرات هذه الأزمة قال ياسر عبّاس وزير الري السوداني : “ إنّ ملفّ سدّ “ النّهضة “ أصبح يهدّد الأمن والسلم الإقليميّين. وقد ذهب السودان إلى مجلس الأمن لإلزام إثيوبيا بعدم الإضرار بنا. نأمل أن يستجيب مجلس الأمن ويعطي هذا الملفّ الاهتمام والعناية الكاملة نظرا لأهميته بالنسبة إلى الأمن القومي العربي “. ودعا عمر الفاروق النّاطق الرسمي باسم الوفد السوداني المفاوض إلى“ إحياء عمليّة التّفاوض بشأن سدّ “ النهضة “ . وقال : “ على مجلس الأمن وضع ملفّ سدّ “ النهضة “ تحت الرّقابة الدولية. ولدى السودان عدّة خيارات سياسيّة واقتصادية ودبلوماسية يمكن اتخاذها بشأن السدّ “. وفي تطوّر ستكون له انعكاسات خطيرة استبقت إثيوبيا اجتماع مجلس الأمن وأبلغت مصر بأنّها بدأت الملء الثاني لخزّان سدّ “ النهضة “ .. وقد رفضت مصر هذه الخطوة الأحادية من قبل إثيوبيا المدعومة من الصين وروسيا, وقال وزير الري المصري : “ أبلغنا إثيوبيا رفضنا القاطع لهذا الإجراء الأحادي الذي يعدّ خرقا صريحا وخطيرا لاتفاق إعلان المبادئ والقوانين والمعاهدات الدولية الخاصّة بالأنهار و يهدّد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي”. نرجو أن تتغلّب الحكمة في النّهاية وأن تتجنّب المنطقة حربا مدمّرة وصراعا عربيّا إفريقيّا على الماء، وأن يقع حلّ هذه الأزمة بالطّرق السّلمية والقانونيّة مع عدم التّفريط في الأمن المائي العربي الذي هو عنصر حيوي من عناصر الوجود العربي. لذلك من المؤمّل أن تساعد الأمم المتّحدة عبر مجلس الأمن الدولي في حلّ الأزمة بالحوار في أقرب وقت ممكن وإقناع إثيوبيا بالتّوقّف عن القيام بالملء الثّاني لسدّ “ النّهضة “ وتشريك مصر والسودان في إدارة السّد للمحافظة على مصالح الدّول الثلاث وتجنيب شعوب المنطقة ويلات حرب هي في غنى عنها في هذا الظّرف الصّعب وغلق هذا الملفّ المعقّد جدّا.

مشاركة :