الأضاحي والحجج وبعض الأوقاف ونظرة شرعية معاصرة

  • 7/9/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إن عمل الإنسان أحياناً يستمر حتى بعد مماته وذلك بما يخلفه من عمل خيري كان سببه وصية يُعمَل بها بعد وفاته من أضاحي أو حجج أو شيء آخر. فالشريعة الإسلامية الغراء أجازت للموصِي أو الواقف الذي يخلف بعد مماته مالاً أن يختص به هذا الموصِي قدر الثلث أو دونه كما حددت الشريعة ذلك. فأحياناً يصيب هذا الموصِي في وصيته وأحياناً أخرى يجافي الحق. وقد أقرت الشريعة الإسلامية لسامع الوصية أو كاتبها أن يتدخل في تعديل الوصية إن رأى أنها خالفت الحق قال تعالى: ( فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍۢ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) إذن إنني في هذه المقالة المتواضعة سأتكلم في محل الوصايا والأوقاف، واعتاد بعض المسلمين أن تكون في وصاياهم أضاحي لهم أو حججاً أو غير ذلك مما أجازته الشريعة. إن الشريعة الإسلامية قد أتت بثوابت متأصلة لا يمكن لكائن من كان أن يغيرها لا زماناً ولا مكاناً لأنها عماد الدين وفناره الذي تشرئب الأنظار إليها فهي اليوم كذا وفي الغد ذاته وهي في هذا المكان وفي ذات المكان الآخر سواء لا تُنقض ولا تُغير . كما يوجد في الشريعة الإسلامية متحركات أو بمعنى أصح جزئيات تُحرَّك هذه الجزئيات حسب مجريات الزمان والمكان وتمشي مع الحاجة وانعدامها ومسوغات وجودها اليوم وذهاب هذه المسوغات في الغد. ومن هذه الجزئيات تلك الحرية التي أطلقها الشارع الحكيم في الوصايا من أضاحي وحجج ووصايا أخرى تجري على هذا النسق. فقد درج المجتمع الإسلامي وخاصة في بلادنا -حفظها الله- فترة من الزمن على هذا النوع من الوصايا التي كان لوجودها حاجة ومسوغ وسأتكلم هنا عن نوعين من أنواع الوصايا وهما «الأضاحي والحجج» لاشك ولا ريب أن هاتين القربتين لهما عند الله بمكان، وأنهما عملان عظيمان قد رتبت الشريعة الإسلامية عليهما الأجر والمثوبة. أليست الأضاحي قربة إلى الله وعمل عظيم وسنة أبينا إبراهيم عليه السلام. قال تعالى: ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)) والحج المبرور قد أقام له الشارع الحكيم الأجر العظيم فهو الآخر عند الله بمكان عظيم. والنصوص متظافرة ومتعاضدة في بيان فضل هاتين الشعيرتين. ولكن اليوم طرأ على المجتمع الإسلامي واستجدت أمورٌ المجتمع الإسلامي بحاجة ماسة إلى سد ثغر هذه الحاجة قد تكون أهم من تلك الشعيرتين لا أقول دائماً ولكن بعض الأزمان والأماكن.. فإذا كانت مثلاً للأضاحي حكمة وهي تقوى الله وإطعام الفقير والمسكين من لحوم الأضاحي فإني أرى اليوم أن المجتمع الإسلامي قد حلت بساحة فقيره ومسكينه حاجات تلح عليه أكثر إلحاحاً من المأكل والمشرب فهو يتطلع إلى أشياء أكثر إلحاحاً من لحم الأضاحي وكذلك لحم الهدي، صحيح أنه في الزمن الغابر كان للحم الأضحية حاجة ملحة ، ولكن اليوم هذه الحاجة قد توارت أمام حاجات ضرورية أخرى كحاجة السكن وحاجة الاستشفاء وحاجة سداد الديون وحاجات ألح عليها المجتمع أن توجد في ساحة المجتمع بين فقيره ومسكينه كالتعليم وغير ذلك من الحاجات التي هي بالأمس تعد ليست ضرورية واليوم نراها من الضروريات ، وينسحب هذا الكلام على الحجج التي يوصِي بها الأموات . فإذا كان هناك حاجات ضرورية هي أولى بقضائها ولعل من أهمها سداد الديون وفك رقاب المدينين . إنه اليوم يجب أن يُدرك الموصِي أو الناظر على الوقف حاجات المجتمع الإسلامي اليوم . إن أحكام الشريعة الإسلامية الغراء كلها معللة ولها مسوغات إن لم تُدرك اليوم فلن يتعذر إدراكها في الغد. إذن هناك أمور شرعية هي من جزئيات التشريع قد تعطل اليوم وتُصرف إلى شيء آخر وقد تعود الحاجة مرة أخرى وهكذا دواليك .إن الدول الإسلامية تُنفق المليارات من أجل وصايا الأضاحي وحجج الموصين والمجتمع الإسلامي فقيره يرزح تحت حاجات هي أولى بالإنفاق عليها . وفي ذات السياق ينسحب هذا الكلام على حجج التطوع والأضاحي التي يقوم بها الأحياء . إن صرف بعض الوصايا والأوقاف إلى ما هو أنفع للمجتمع الإسلامي ضرورة دينية . إني هنا لا أريد تعطيل شعيرة الأضاحي ولا حجج التطوع ولكني أقول إن هناك في المجتمع الإسلامي أمور أهم بالنسبة لحاجة المجتمع الإسلامي إليها ، وإني هنا أقترح أن يكون هناك هيئة تتوجه إليها الوصايا لاسيما الوصايا التي لها قيمة كبيرة ،ومن ثم تكون الدولة هي أدرى بحاجة المجتمع ، فإذا ما وُجِد هناك أوقافاً أو وصايا هي بحاجة إلى أن يُنظر إليها لكبر قيمتها فيجب أن يُتوجه بها إلى هذه الهيئة، أو على الأقل أن يكون الناظر على دراية بما هو أصلح لفقير المجتمع. وختاماً أرجو أن يكون كل عمل يٌعمل به اليوم والمجتمع في غنى عنه أن يُحَوَّر ويُصْرف إلى ما هو خير للمجتمع الإسلامي، فبعض أحكام الشريعة الإسلامية تُعطل اليوم ويُعمل بها في الغد هذا إذا كانت هذه الأحكام تقع في دائرة متحركات التشريع كما أوضحت ذلك في هذا المقال. والله من وراء القصد

مشاركة :