يهدف هذا المقال إلى التعريف بالتعليم عن بعد من حيث المفهوم، ومن حيث التطور، ومن حيث التحديات التي تواجهه، ومن ثم بروزه خيارا إلزاميا أو شبه إلزامي في عالم اليوم، الذي تتفشى فيه جائحة كورونا، كما يهدف إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني في ضوء رؤية المملكة 2030. التعليم عن بعد: تاريخ وتطور هناك العديد من التعريفات التي حاول أصحابها تقديم صورة دقيقة موجزة لمفهوم التعليم عن بعد، لعل من أهمها: أن التعليم عن بعد هو "عملية الفصل بين المتعلم والمعلم والكتاب في بيئة التعليم، ونقل البيئة التقليدية للتعليم من جامعة أو مدرسة وغيره إلى بيئة متعددة ومنفصلة جغرافيا". ومنها أن التعليم عن بعد يقصد به "الوسيلة التي يباشر بها المعلم وظيفته مع تلاميذه وطلبته عن طريق استخدام الإنترنت... ويقصد به أن هناك مساحة بعيدة تفصل بين المعلم والطلبة، بغض النظر عن المساحة، التي تقطع بينهم، فهم يقومون بالتواصل من أجل القيام بعملية التعليم والتعلم". أما منظمة اليونسكو فعرّفت التعليم عن بعد على أنه: "أي عملية تعليمية لا يحدث فيها اتصال مباشر بين الطالب والمعلم، بحيث يكونان متباعدين زمانيا ومكانيا، ويتم الاتصال بينهما عن طريق الوسائل التعليمية الإلكترونية أو المطبوعات". يميز المختصون في مجال التربية بين نوعين رئيسيين للتعليم عن بعد، هما: "التعليم المتزامن، وغير المتزامن، وتعني كلمة متزامن "في نفس الوقت"، ولكن في أماكن مختلفة. أما كلمة غير متزامن فمعناها "في غير ذات الوقت"، وكلاهما أحد أشكال التعليم الحديث". يختلف التعليم عن بعد عن نمطين مشهورين مهمين للتعليم، هما: التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني، وإن كان كلا هذين التعليمين تربطه علاقة ما بالتعليم عن بعد. هناك العديد من العناصر التي يتسم بها التعليم عن بعد؛ حيث إن هذا النمط من التعليم "يحتاج إلى توفر شبكة الإنترنت للتواصل من خلالها، وكذلك وجود الطالب أو الدارس، الذي يتابع كل ما يخص المادة التعليمية، من خلال مواقع مبرمجة مخصصة لذلك، وفق آلية مناسبة لشرح المادة بأسلوب يسهل فهمها، والاستفادة منها. أيضا يمكن أن تتوفر حلقات النقاش المباشرة، وغير المباشرة بين الطالب والأستاذ، وفي النهاية لا بد من توفر المعلم المسؤول عن متابعة وتقييم أداء الطالب، ومنحه العلامات التي يستحقها". وهذا يعكس أن للمعلم دوره المهم في التعليم عن بعد. تاريخيا، وفقا لما أوردته بعض الأدبيات في هذا المجال- "بدأت فكرة التعليم عن بعد أواخر السبعينات (من القرن الماضي) من قبل جامعات أوروبية وأمريكية، كانت ترسل مواد التعليم المختلفة للطالب عن طريق البريد، وتشمل الكتب، وشرائط التسجيل، وشرائط الفيديو لشرح المواد وتدريسها، وبنفس النمط كان يتعامل الطالب مع الفروض والواجبات الدراسية، مع اشتراط هذه الجامعات على الطلاب أن يأتوا إلى الجامعة موعد الاختبار النهائي فقط، والذي تحسب عليه العلامة". وهذا يعني أنه لا علاقة مباشرة بين الأستاذ والطالب، كما هو الحال في نمط التعليم التقليدي، المبني على علاقة مباشرة بينهما. كما ورد في تلك الأدبيات أيضا أنه "في أواخر الثمانينات (من القرن الماضي) تطور الأمر (التعليم عن بعد) ليصبح التواصل بين المعلم وطلابه عن طريق التلفاز والمحطات الإذاعية، ثم مع ظهور الإنترنت يصبح في البداية البريد الإلكتروني- هو وسيلة التواصل بين الطالب والمعلم حتى بداية القرن الجديد (الحادي والعشرين)، فأصبحت هنا المواقع الإلكترونية المتخصصة في هذا المجال، حيث سهلت من عملية التواصل والتعليم، ووفرت حلقات النقاش والاتصالات المباشرة عبر المواقع والبرامج المتخصصة في ذلك". ويتضح من خلال ذلك أن التعليم عن بعد- ظل يستفيد من التكنولوجيا، وما يتبعها من تقنيات مختلفة، مما يجعله نمطا متطورا من التعليم، يتطور بتطور بما يتيحه العصر من تقانة. وعندما تفشت جائحة كورونا في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين (2020)، وقبل ذلك بقليل- تم الترويج بشدة للتعليم عن بعد باعتباره نمطا من التعليم يناسب ظروف تفشي هذه الجائحة، التي تلزم كافة البشر، على وجه البسيطة بالتباعد الجسدي، والاجتماعي. على العموم فإن أزمة تفشي فيروس كورونا- أدت إلى "إغلاق آلاف المدارس والجامعات حول العالم (والعدد غير محدد على وجه الدقة)، ولجأت كثير من المؤسسات التعليمية في دول عربية إلى خيار التعليم عن بعد لضرورة استمرار المناهج الدراسية المقررة، وسد أي فجوة تعليمية قد تنتج عن تفاقم الأزمة". لقد أصبحت ممارسة الأنشطة في ظل أزمة كورونا "تتم عن بعد مثل التعليم والعمل، ضمن الأساليب الرئيسية، التي لجأت إليها الدول لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا- فقد أتاح التقدم التكنولوجي الكبير في مجال الاتصالات إلى إمكانية إدارة دورة تعليمية كاملة، دون الحاجة لوجود الطلاب والمعلمين في حيز ضيق المساحة، والسماح في الوقت ذاته باتخاذ التدابير الاحترازية لمنع انتشار كورونا". والمؤسسات التعليمية في المملكة العربية السعودية "شأنها شأن المؤسسات في باقي دول العالم، اتخذت المدارس والجامعات فيها إجراءات، وفرضت قوانين مختلفة، لمواجهة جائحة كورونا لضمان استمرارية العملية التعليمية خلال هذه الفترة العصيبة. ومن هذه التغييرات، التي أجرتها وزارة التعليم، والمدارس الحكومية والخاصة، والجامعات الحكومية والخاصة- نظام التعليم عن بعد"، الذي أصبح أمرا لا مفر منه، أمر ينسجم مع ما أفرزته جائحة كورونا من تداعيات. تحديات التعليم عن بعد: أشارت الأدبيات التربوية، التي ناقشت مسألة التحديات، التي تواجه عملية التعليم عن بعد- أشارت إلى العديد من التحديات، لا سيما بعد ما أصبح التعليم عن بعد عملية إلزامية أو شبه إلزامية، في الفترة التي أحكمت فيها جائجة كورونا قبضتها على دول العالم. لقد تم التركيز في تلك الأدبيات على جملة من التحديات، التي رأت أنها تواجه أو ستواجه التعليم عن بعد، وقد طرح موضوع المعلم باعتباره أهم تلك التحديات، وذلك أن سؤالا مهما طرح على النحو التالي: "هل المعلم قادر على قيادة العملية التعليمية، من استخدام التكنولوجيا، وبرامج وتقنيات، التعليم في ممارسته التعليمية، فضلا عن القدرة على امتلاكه مهارات التقديم والعرض الإلكترونية في التعليم المتزامن؟ فليس شرطا أن يكون المعلم الناحج في ممارساته التعليمية، والفعال في الطرق الصفية قادرا على تطبيق ذلك في التعليم عن بعد". وأبانت تلك الأدبيات بأن "هذا دور التربية في تمكين وتأهيل المعلم، بتوفير كافة السبل لنجاح عمله الجديد، إذ يحتاج المعلم إلى تدريب وتأهيل في التعامل مع المحتوى الإلكتروني، وكيفية إعداد وتوفير المستلزمات لتنمية مهارات الترديب عن بعد، وبخاصة مهارات التحدث، ونبرة الصوت، وطريقة ضبط الطلبة، بغياب لغة الجسد، والإيماءات، التي كانت تساعده في الغرفة الصفية". ومن التحديات التي تواجه التعليم عن بعد، غير المعلم، ما يسمى بظاهرة التنمر الإلكتروني، "والتي تعد واحدة من أبرز التحديات، التي يمكن أن تعيق عملية التعليم في مشروع التعليم عن بعد، الذي يتم فيه توظيف الأجهزة الرقمية، وصفحات التواصل الاجتماعي، والتقنيات والبرمجيات... والتنمر الإلكتروني هو أي سلوك سلبي أو عدائي غير مرغوب به من خلال استخدام التكنولوجيا بأشكالها المختلفة، وتؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، والأذى يتمثل في إعاقة تعليم الطالب، وغياب دور المعلم في إحداث التغيير المطلوب، وتحقيق الهدف من العملية التعليمية". وأوردت تلك الأدبيات أن "للتنمر الإلكتروني أشكالا وصورا متجددة، مثل: الرسائل السلبية والعنصرية تجاه فرد أو أفراد، والترويج إلى الإشاعات، التي تشوّه صورة وسمعة الشخص، وكذلك استغلال ممتلكات الفرد، مثل استخدام صورته أو مقطع مرئي له، بدون علمه أو تدمير المملكات (الفيروس)، وهناك أشكال متعددة من التنمر الإلكتروني". ومن جهة أخرى- هناك أدبيات تربوية ركزت على أنواع أخرى من التحديات، التي تواجه التعليم عن بعد، منها: "كثرة التكليفات والاختبارات لقياس المستوى. وعدم توفر أجهزة حاسب لدى بعض الأسر. وضعف شبكة الاتصالات في بعض المناطق. وصعوبات في الدخول للمنصات التعليمية. وغياب روح المنافسة والانضباط الطلابي". الحق أنه بحكم حداثة تجربة التعليم عن بعد في الدول العربية، وارتباطها بالأمور التقنية- يحتم وجود تحديات حتمية، لارتباط هذا النمط من التعليم بتوفير موارد مالية مكلفة، قد يصعب على دول توفيرها. وتقف المملكة العربية السعودية في طليعة الدول، التي جعلت نصب عينيها الاهتمام بهذا النمط من التعليم ودعمه، وحل المشكلات، التي يتوقع أن تعترض سبيل تطويره واستمراريته. التعليم عن بعد ورؤية المملكة العربية السعودية 2030: إن القراءة المتأنية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 في ما أوردته في مجال التعليم، يمكن إبراز أهم معالمه في النقاط التالية: أولا: "أن المملكة العربية السعودية- تُولي أهمية كبيرة لتطوير وتعزيز التعليم؛ من أجل بناء جيل واعد، يمتلك ثقافات متنوعة ومرتكزة على تعليم راسخ. وقد رسمت المملكة من خلال رؤية 2030 انطلاقة جديدة إلى التميز والرقي في تطوير التعليم عبر شتى مراحله، ومختلف مناهجه وطرقه. وقد أولت المملكة اهتمامها بكل مراحل التعليم من تعليم عام، أو تعليم عالٍ، أو تعليم مهني، أو تعليم ذوي الإعاقة، فلم تترك مرحلة تعليمية إلا وقد أعطتها اهتماما يتناسب مع حاجياتها ومتطلباتها." ثانيا: "أن رؤية 2030 في تطوير التعليم- اتسمت بالعديد من السمات، منها الشمولية: فالتعليم متاح لجميع أفراد المجتمع، من ذكور وإناث، ويضم مختلف المراحل العمرية من الحضانة إلى الدراسات العليا، كذلك يشمل التنوع في المناهج التعليمية مختلف المراحل العمرية، بما يتناغم مع عقيدتنا الإسلامية وفكرنا العربي، وفق التطورات المعرفة والثورة التكنولوجية المتزايدة. كما تعطي رؤية 2030 أهمية خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير الدعم المناسب لهم، وتيسير مختلف السبل لتقديم العلم لهم". ثالثا: "أن رؤية 2030 تعمل على زيادة العناية بتطوير التعليم منهجا ومعلما وطالبا وتدريسا ومدرسة، فهي تسعى إلى أن تواكب المناهج التطورات العلمية والحضارية؛ كي يكون الطالب على تواصل دائم مع أي تطورات علمية ومعرفية وأي مستجدات. أما معلما، فقد أُعطيت عنايةٌ خاصة بتطوير المعلم عبر توفير دورات مميزة، وإطلاعه على كل جديد في المناهج وطرق التدريس وإثرائه المعرفي بالعديد من الأنشطة وورش العمل التربوية، ومنحه فرص الابتعاث للحصول على الشهادات العليا في مجالات مميزة، تخدم قطاع التعليم. وأما طالبا، فقد عملت رؤية 2030 على جعل الطالب محور العملية التعليمية، وصبت اهتمامها على تنشئته تنشئة علمية، وعدم تحميله ما لا يستطيع من واجبات ومهام، وأدت إلى زيادة الأنشطة التربوية داخل البيئة المدرسية، وذلك لتنمية مهارات جميع طلابها لمواجهة متطلبات الحياة الحديثة، بالإضافة إلى المهارات التخصصية لكل مهنة والتي تغطي جميع المجالات المهنية لجيل الشباب. وأما تدريسيا فحثت على استعمال طرق تدريس حديثة، وكذلك التركيز في التدريس على استعمال الحاسوب وجهاز الآيباد، وقد عملت رؤية 2030 على رفد المؤسسات التعليمية، خاصة المدارس بما يلزم من أجهزة حاسوبية وأجهزة عرض للتنوع في عملية التدريس، وتجهيز المختبرات العلمية بكل ما يلزمها من أجهزة وأدوات، إضافة إلى السبورة الذكية، التي أصبحت ضرورة من ضروريات التعليم العصري". رابعا: "عملت الرؤية على الارتقاء بطرق التدريس، التي تجعل المتعلم هو المحور، بالتركيز على بناء المهارات وصقل الشخصية وزرع الثقة وبناء روح الإبداع. وتسعى رؤية 2030 إلى بناء بيئة مدرسية محفزة، وجاذبة ومرغبة للتعلم، مرتبطة بمنظومة خدمات مساندة ومتكاملة. لذا تعمل رؤية 2030 على بناء التعليم بناءً شاملا تعليميا وثقافيا وصحيا أيضا، من حيث الاهتمام بنوعية الطعام المقدم للطلبة من حيث فائدته وجودته؛ بل وحساب السعرات لكل ما يقدم للطلبة". خامسا: "أما إداريا فتعمل رؤية 2030 على إعادة مفهوم صياغة المدرسة كمؤسسة تعليمية وتربوية، تصقل المواهب وتزود بالمهارات، وتنتج جيلا من الناضجين الطموحين المقبلين على الحياة بروح التحدي والمنافسة، وحب العمل والإنتاج، كما تحث الرؤية على زيادة الانضباط في النظام التعليمي، والجدية في الممارسة التعليمية، وتفعيل الأنشطة وحضور الملتقيات والفعاليات". رؤية 2030 في التعليم عن بعد: فيما يخص موضوع مقالنا نجد أن رؤية 2030- أفردت حيزا للتعليم عن بعد، وجعلت منه العلم، الذي يصل إلى بيت المتعلّم مباشرةً. ولتسهيل الأمور على طلبة العلم، "عمدت الكثير من الدّول والبلدان، ومنها المملكة العربية السعودية- إلى الاستفادة من فوائد التعليم عن بعد، بواسطة الإنترنت، ووسائل التكنولوجيا المتعدّدة، وقد لاقى الأمر دعماً ورغبةً من قسمٍ كبيرٍ من النّاس، كونه يُسهّل عمليّة رؤية عشرين ثلاثين في التعليم التّعلّم والتّعليم، ولكنّه لاقى أيضاً استهجاناً واستغراباً من كثيرٍ من النّاس، كونه فكرةً جديدةً يحتاج هو للتّعلّم بشأنه، ومن الصّعب للطّلبة الاندماج والتّركيز بالتّعلّم عبر طريقة رؤية 2030 في التعليم عن بعد، لكن كما هو معلومٌ أنّ طلب العلم يحتاج رغبةً وإصرار، فإذا وجدت الرّغبة والدّافع تصبح الأمور أسهل على المعلمّ والمتعلّم". عليه يمكن أن نخلص إلى أن رؤية 2030- أولت التعليم بكافة أنماطه، ومنها التعليم عن بعد؛ أولته عناية خاصة، ودعمت موقفه، بل ونجد في محاورها، قدرة واضحة لتجاوز التحديات التي حددناها من قبل في الجزء الخاص بالتحديات، التي تواجه التعليم عن بعد. فقد ورد في الرؤية الاهتمام بالمعلم وتدريبه تقنيا، وتوفير الوسائط المختلفة، التي يمكن من خلالها إنجاح نمط التعليم بعد؛ لذلك يتوقع أن يكون للتعليم عن بعد شأن عظيم في المملكة العربية السعودية، وأن يكون لهذا النمط من التعليم- المستقبل في تأهيل أجيال الغد من السعوديين. أ/مصباح عزيبي.
مشاركة :