'ظل الذاكرة' حوارات ونصوص من أرشيف الدوحة

  • 7/10/2021
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

قليلة جدا  الكتب التي توجد في مكتبتي وارفض ان اعيرها لاحد من الاصدقاء لما تحتويه تلك الكتب من مادة معرفية لا تقدر. واي كلام موجود بين دفتي كتاب يعد مادة معرفية  وإن كنا نختلف معها ونرى انها معرفة ضارة وغير مفيدة، لكن معرفتها مهمة حتى يتثنى لنا التحذير منها وتنبيه الناس  لمخاطرها  وتلك المعرفة لن نقف عندها لانه ليس هذا وقته، فالكلام فيها وعنها يتعب الاعصاب والجو حار، لذا يجب ان نبحث عن ما يريح الاعصاب ويفتح النفس.. ومن هنا سوف اقف عند هذا الحد من تمهيد الطريق الى كتاب  مميز جدا صدر مع مجلة الدوحة  من خمسة سنوات  اسمه "ظل الذاكرة، حوارات ونصوص من ارشيف الدوحة". والكتاب من الحجم الكبير وكنت محظوظ عندما حصلت علية  فهو يحتوي مادة ثقافية لا تقدر، وانا سوف ابداء من مقال صلاح عبد الصبور الذي اشار في مقاله" معنى الحداثة والمعاصرة فى الأدب"  الى نقطة غاية في الأهمية وهي "ان القارئ الذي يحسن قراءة شعر العامية فهو سوف يحسن قراءة شعر الفصحى، لان الفصحى اكثر ضبطا وغنى وتحديدا في الدلالات، وإني الآن لأشهد على قلة حيلتي للمرة الثانية حين أقرأ بعض قصائد العامية فلا أدرى كيف انطق ببعض ألفاظها لكي يستقيم الوزن في أذني ويصل المدلول إلى عقلي ووجداني" ثم نجد بعد ذلك مقال مميز من عنوانه "نزار قباني يتحدث" وفيه نجد نزار يوضح لنا ماهية الشعر وفلسفة القصيدة وفسلفته  في ابداعها  حيث ان قضيته هي الحرية والوطن ولا يوجد افضل واحسن من التعبير عنهما بالمرأة اذن المرأة فى شعر نزار قباني كانت تعبر عن الوطن العربي الذي تنقصه الحرية. تلك الحرية التي كانت تبحث عنها فدوى طوقان وقد عبرت عنها في مذكراته التي تحمل عنوانا ملفت رحلة صعبة .. رحلة جبلية وفي تلك الحلقة الاخير من المذكرات نجدها تثني على دور اخيها ابراهيم فى حياتها الإنسانية والأدبية..فدور إبراهيم في حياتها لا يمكن ان يثمن .ونقرأ "كان شقيقى رحمي صديقي اللدود . ورحمي ظل دائما أخا حنونا فيه من طباع إبراهيم الكثير . خصوصا طبيعة الإيثار وحب المساعدة". ولا يمكن ان اترك فدوى طوقان دون ان اشير الى ما ذكرته فى بضع سطور عن فلسطين والقضية الفلسطينية "كانت عصبة التحرر الوطني في فلسطين قد قررت الموافقة على قرار التقسيم، وبعد قيام إسرائيل بدأ أعضاء الحزب بقيادة المرحوم فؤاد نصا ، الأمين العام للجنة المركزية يطالبون بإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة التي نص عليها قرار الأمم المتحدة فى 1947/11/29". مطلب منا جميعا ان نتخيل لو كنا قد وافقنا على قرار التقسيم . ما هو شكل العالم العربي الان. وبسرعة نترك كل هذا لكي نقابل حوار ممتع جدا  لعبد الوهاب الأسواني مع توفيق الحكيم. ونجد الحكيم  يسترسل فى الحكي ويقول عن اول سؤال "هل تعرف موسيقارنا الراحل كامل الخلعي قليلون هم الذين يعرفونه الآن ..سيما عندما كان في أوج مجده الفني. ومن الذي يستطيع أن يصاحب ذلك الفنان العجيب دون أن يتعرض لضحكات الضاحكين؟! لقد كان من سلالة أولئك البوهيمين الذين لا يعرف أحد أعقلاء هم أم مجانين. وكان إماما من أئمة فنه وكان له في الموسيقى الشرقية كتاب ينم عن غزير العلم ورسوخ قدم . فقد عرف فضله الشيخ " سلامة حجازى " فحباه بتقديره" وان كان لم يسلم من شذوذه.. فقد صادفه ذات يوم وقد طرح عوده وفنه، وحمل صندوقا لمسح الأحذية، جعل يجوس به خلال المقاهي والمشارب، فناداه الشيخ سلامة متعجبا قائلا : جرى إيه ياسى كامل؟! .وأراد أن ينفحه مبلغا من المال يعينه على عسر حاله، فقال الفنان وكأنه لا يعرفه : نصف قرش فقط ثمن المسحة!". ولم يأخذ غيره، ومسح له حذاءه ومضى رافعا رأسه معتزا بنفسه!! ويكمل توفيق الحكيم حكيه عن كامل الخلعي بقوله ..قد عرفته عام ١٩٢٣ بعد ان كلفته فرقة " عكاشة " أن يلحن رواية لي، فكان من الضروري ان نلتقى كثيرا، وكنت اصغي اليه ، وقد وضع على رأسه "كلبوشا" من صوف وارتدى معطفا قصيرا مرتفعا فوق سروال من عبك . وبهذا اخذ الحكيم يقدم لنا كامل الخلعي بأسلوبه الممتع المميز، وقد تجلى هذا الأسلوب  وهو يصف لنا الوضع عندما كان في شقته بالقلعة واخذا يهبطا على الدرج الخشب "كان يخيل الىَ فى كل مرة أنه سينهار بنا أثناء النزول، لوهنه، ورقة خشبه، وطقطقته تحت أقدامنا الثقيلة فنخرج الى الطريق وانا احمد الله فى سرى  على السلامة والعافية". ثم بعد ذلك نجد الحكيم يصف لنا اكثر من موقف وقع امامه وكان كامل الخلعي هو البطل فيها  فقد رفض كامل ان يركبا الترام الى مسرح الأزبكية، وفضل السير على الإقدام " هكذا كنا نسير هو بثيابه التى كثياب الشحاذين، وانا بملابس" الأفندية " واثناء سيرهما يقابلهما بائع "كيزان" صفيح مما يلزم الزير و المطبخ،  فتقدم كامل من البائع وصاح فيه "بكم الكوز ياجدع ؟!". ويشترى كامل كل ما مع الرجل من كيزان، والحكيم مندهش من فعل كامل الذى ربطها له البائع ووضعها فوق كتفه، واستأنفا السير الى مسرح الازبكية ، وعندما استفسر منه الحكيم عن الدافع الذى دفعه لشراء كل تلك الاكواز، فكان رده " كلها منافع!!". ونجد الحكيم يكمل وصف رحلته من شقة كامل الخلعى يى القلعة الى مسرح الازبكية، بقوله "فقد سرنا في شارع محمد على إلى ان وصلنا الى ميدان باب الخلق وعندئذ طلع علينا شحاذ من أولئك الشحاذين الذين يضعون الطرطور على رؤسهم، ويلبسون رداء مرقعا  بمختلف الألوان ويحملون المبخرة النحاسية، يلقون فيها لكل قادم او كل تاجر، أو كل حانوت بما في جعبتهم من قرنفل وعود وبقية أنواع البخور وهم يبسلمون ويحوقلون، أقترب هذا الشحاذ صائحا أهلا سى كامل وتصافحنا، ومشى معنا  كأنه صديقنا!". وما كدنا نسير الى ميدان العتبة حتى لحق بنا زميل آخر بمبخرته ، فصافح هو ايضا وسلم وانضم! ومشينا الى المسرح، ثلاثة شحاذين، بمن فيهم سي كامل يحمل كيزانه الصفيح وأنا رابعهم!". "احمد رامي شاعر الحزن ؟!" من منا لا يعرف أحمد رامي الذى امتعنا جميعا بأبداعه المميز للغاية وخصوصا تلك الأغاني التي كتبها لا عبد الوهاب وللست  .وفى حواره مع الكاتب والصحفي محمد تبارك والذي نشر في كتابنا المميزة . سوف نجد ونسمع ونقرأ أشياء جديدة علينا جميعا ، ويجب ان نعرفها ، لكي نعلم كيف اصبحوا عظماء. اولا نجد ان الشاعر احمد رامي يعرف نفسه بشاعر الحزن، لان الحزن هو الذي يرافقه في كل حياته. وقد قدم لنا نماذج كثيرة من حياته لكي يبرهن لنا ولنفسه بأنه ابن الحزن وقد قال عن ذلك (رامي في كل مراحل حياته ..هو ابن الحزن ولم لم يكن هذا الإحساس في مشاعري ودمى .. ما كتبت شيئا على الإطلاق. ثم بعد ذلك نجده يقول عن دموعه إنها الشيء الوحيد الذي يلازمني طوال حياتي، بكيت طويلا في طفولتي وبكيت أكثر فى شبابي، وأنا الآن لابد أن أبكي بعد رحيلها عن عالمنا، فلم أكن أتصور على الإطلاق أن ترحل أم كلثوم قبل رحيلي!". ثم نجد رامي يحدثنا كيف يكتب وانا هنا سوف انقل ما قاله بالحرف الواحد من حلاوته وصدقه المتنهي ( أنا لا أكتب بطريقة عادية ، أحيانا "اتمرمغ" على السجاد وأنا أكتب، وأحيانا أبكى .. وأنا أيضا لا أكتب فى البداية، ولكنى أظل أردد الأشعار التي في خاطري ، وبعد الانتهاء تماما من العمل الفني ابدأ في كتابته". والان وقبل ان انتهي من المقال لبد ان اشير  الى السبب الذي أغضب عبد الوهاب من رامي وأم كلثوم، وندع رامى يحكى الحكاية. ما كادت أم كلثوم تغني "عودت عينى على رؤياك" لأول مرة حتى سارع عبد الوهاب بالاتصال تليفونيا بالتابعي شاكيا له ما به احمد رامي.. ولم يهدأ إلا عندما وعده التابعي بالاتصال بأم كلثوم لمعرفة وجهة نظرها فيما حدث، طلبت منه أن يسأل عبد الوهاب متى تسلم كلمات الأغنية من رامى؟! وما كاد عبد الوهاب يستمع الى محمد التابعى وهو يوجه إليه هذا السؤال حتى صمت تماما ولم يرد !". لماذا لم يرد عبد الوهاب لانه استلم كلمات عودت عيني  من زمن بعيد ولم يلحنها ولما عملت ام أكلثوم بأمر الكلمات من رامى قالت له لن يلحنها، لان تلك هى عادته لما كلمات لا تعجبه فلا يتحمس  لتلحينها.. ومن هنا اخذت القصيدة   وقدمتها  الي  رياض السنباطي  ليقدم لنا لحنا ممتعا للغاية. وفى القسم الاخير أو الثالث من الكتاب نجد قسم النصوص حيث نقابل نصوص لنجيب محفوظ وابراهيم اصلان وفؤاد قنديل وقصيدة لفاروق شوشة وقصيدة لفدوى طوقان عنوانها "حكايات أخرى أمام شباك التصاريح" نقرأ منها "أين ألقى ضابط الجسر عسى/ي شرح الضابط لي ما لم يُفسر/فأنا من فرط حرصي /وأنا من فرط حبي /لبلادي ولأرضي/ ولبيتي ولبستاني وجيراني وللأشجار والأطفال والأحجار -والدوَار والسوق وأصحاب الدكاكين ومن خوفي من الإبعاد والنفي الذي يقطع فينا مثل خنجر".

مشاركة :