انتقلت إلى رحمة الله يوم أمس الجمعة 09 يوليو 2021م – 29 ذو القعدة 1442هـ خالتي السيدة «ابتسام» صغرى بنات الأديب طاهر زمخشري - رحمهما الله - متأثرة بمضاعفات فايروس كورونا الذي لا يزال يحصد مزيد من ضحاياه حول العالم إذا أصاب حتى الآن 187,047,508 شخص في 220 بلد وإقليم حول العالم توفي منهم 4,038,329 أعلاهم أمريكا 34,711,770 توفي 622,715، الهند 30,824,353 توفي 407,537، البرازيل 19,020,499 توفي 531,777، فرنسا 5,803,687 توفي 111,302، روسيا 5,758,300 توفي 142,253، تركيا 5,470,764 توفي 50,155، واحتلت المملكة المرتبة 44 بـ 500,083 توفي منهم 7,963. وقد وريت الفقيدة الثرى بمقبرة ذهبان شمال محافظة جدة عن عمر ناهز 75 عامًا تاركة وراءها 4 من الأبناء وابنة من الرضاع، و11 حفيد ذكور وإناث، وارتبطت الفقيدة بعلاقة أدبية متميزة بوالدها ولعبت دورًا هاما في حياته ولازمته طيلة طفولتها منذ وفاة والدتها حتى زواجها، واستمرت بعد ذلك كأحد مستشاريه الأدبيين الذين يرجع لهم في قصائده والأخذ بآرائهم وخاطبها في عدد من قصائده المنشورة في دواوينه، واعتاد أن يعقد جلساته الأدبية مع أصدقاءه من الأدباء والمثقفين في منزلها الذي هيأت له فيه صالونًا أدبيًا، وتجلت مدى علاقته وارتباطه بها في رسالته إليها التي نشرها كمقدمة لديوانه «عودة الغريب» في ذات تاريخ اليوم قبل 58 عام من وفاتها 9 يوليو 1963م - 18 صفر 1383هـ قائل فيها: «ابنتي ابتسام.... لقد تعود الناس أن يقدموا لإنتاجهم بما يرتبط وهذا الانتاج، وأما أنا فقد آثرت أن أتوجه إليك بكلمة مقتضبة أهمس بها في أذنك، كلمة أبين فيها الدور الذي لعبته في حياتي الطويلة الحفيلة بالكفاح. ولقد أديته بإتقان ولكن فصول الرواية لم تنته بعد ما دام في العمر بقية، ودورك لا يزال مكانه، وستؤدينه بنفس القوة والنجاح. والرواية هذه هي قصة كفاح أبيك، فقد كان شابًا يحمل نفسًا طموحًا تريد أن تثبت وجودها في الحياة.. كعضو عامل في المجتمع. ولكنه كان يعيش بين كوارث تلاقت أطرافها حول هذه النفس الطموح؛ فبدلًا من أن تثبط عزمها، وتحد من نشاطها جعلتها أقدر على مجالدة الحياة.. ومصابرة ما تأتي به الليالي؛ والليالي من الزمان حبالى كما قال الشاعر.. فقد جاءتني بالمصائب تترى لتقوض عودي.. فزادتني صلابة.. حتى كان مساء يوم تدجى بياضه في نظري بما يحيط بي من كوارث أبسطها فقدان والديَّ في أيام متقاربة، وإصابة بصري بمرض كاد يعشيني، في أيام كنت فيها أردد دائمًا: حنانيك يا دهر فحسبي مكائد وحسبي من شباب من مآسيك راكد وحسبي أني ما قضيت لبانتي من العمل حتى ضاع العمر واحد متى راح منه الحول خلَّف حسرة فلا هو مرتد ولا هو عائد ولم أكن وحدي آنذاك في مفترق الطرق أعاني ما أعاني.. بل كانت معي شريكة حياتي، ورفيقتي في الكفاح والدتك يرحمها الله.. التي كانت أقدر مني على احتمال الكارثة متى ثار إعصارها.. لم أكن أعتز بقدرتها هذه وحدها بل كانت فوق ذلك المشجع الذي يدفعني إلى السير كلما تعثرت بي الخطى، وهصرني الألم، وعصفت بي الشجون... في تلك الظروف السيئة التي كنا نعيشها معًا شجعتني على الاغتراب وأنا خلو الوفاض، زادي الأمل، وشراعي الصبر، واعتمادي على الله الذي يكفل الرزق ويمنح السراء ويكشف الضراء.. فغادرت الوطن وتركتها وفي يدها أختاك وأخوك، وأنت في أحشائها لم تصافحي النور بعد، وغبت شهورًا بلغ فيها بي اليأس منتهاه، فكتبت إليها من مصر أشرح لها فيها ما أعانيه.. وأترك لها حرية تسمية المولود حتى وضعته وأنا لا أزال في الغربة. وفعلًا تسلمت الرسالة بعد أن وضعت المولود بأربعة أيام، وبكت من أجلي طويلًا، وحررتْ لي جوابًا تقول فيه: «ابتسم للحياة، وإننا في مقتبل العمر، وقد صافحت ابتسام الحياة فعلًا بالمولودة التي وضعتها» هذه المولودة هي أنت يا ابنتي الحبيبة!! ولكن لم أكد أعود إلى الوطن وفي يدي ديواني الأول أحلام الربيع حتى وجدتها تقاوم العلة، وتصارع الداء، وشاء القدر أن يقول كلمته فافترستها يد المنون؛ وقد تخطيت الحول الأول من عمرك المديد إن شاء الله بأيام معدودات، ومن يومها وأنا أردد كلما تذكرتها.. هي في أكفانها نائمة وأنا الساهر وحدي للأنين لو تقاسمنا الردى من يومها كنت في قبري بين النائمين ولا يكاد يقع بصري عليك، وأنا في مفترق الطريق.. حتى أسمع صدى صوتها الناعم النغوم، وهو يدغدغ إحساسي ومشاعري ووجداني بعبارتها "ابتسم للحياة" ولقد تفًّتحت كالوردة في أحضان حياة مريرة قوضت كيان الأسرة، وبعد أن ابتسم فيك الربيع – قذفت بي وإياك في أتون من المآسي.. فكان عزائي ابتسامتك الرقيقة البريئة، هذه الابتسامة التي أعيشها في ظلال معناها وكانت رفيقي في غربتي، الرفيق الذي ضمد جراحي وحمل عني الكثير من العبء وصبر وصابر، وهيأ لي الجو السعيد الذي كتبت فيه هذه الصفحات.. فإليه أهديها.. تحية من أب، ودعاءً صادقًا صادرًا من الأعماق أن تظلله السعادة الوارفة، ويشمله رضاء الله، ويكتب له التوفيق». فرحم الله الفقيدة وأنعم على أهلها وذويها بالصبر والسلوان وأعظم لهم الأجر فقد أخذت من الأديب بعضًا من ميوله الأدبية ونشرت بعض الخواطر والأشعار والرسائل الأدبية في الصحف، وكنت وإياها بصدد جمع ما نشرته والإضافة إليه ونشره في كتاب أدبي لكن ظروفها الصحية حالت دون إنجاز ذلك المشروع، كما عملت معها في توثيق مجموعة من القصص والحكايات عن سيرة الأديب «بابا طاهر» وأنشطته وأعماله ضمن مشروعي في كتابة سيرته الذاتية خصوصا أثناء إقامتها معه في مصر ومن ذلك قصة كتابة قصيدة «إلى المروتين»، ونقلت إلىَّ وصيته بالحفاظ على اسمه بين جمهوره ومحبيه. وأختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدته «يا ليالي» من ديوانه «أنفاس الربيع» هكذا الموت لا يبالي إذا ألقى شباكاً – بأرملٍ أو وليد ورمى بالشباك منه حوالينا وأخفاكِ مثل فرحة عيد لو يعيد البكاء ميتًا لأغرقت جفوني بدمعتي كي تعودي أو يرد الفناء نفسًا لساومت وقدمت في القبيل وجودي
مشاركة :