يقاس تقدم الأمم بمدى دعمها للبحث العلمي في بناء مجتمع المعرفة حيث يعد البحث العلمي الأساس الذي ترتكز عليه الدول المتقدمة في سبيل النهوض بالمجتمع. والحقيقة التي باتت واضحة للعيان أن مستوى البحث العلمي في العالم العربي – وفي المملكة خاصة - وصل إلى ما يمكن تسميته بالأزمة ومن مظاهر هذه الأزمة: انتشار ظاهرة السرقات والافتقار إلى الأصالة في كثير من المؤلفات والإخلال بأصول المناهج والأصول العلمية وضعف مستوى الإنفاق العلمي للأبحاث العلمية وعدم تطبيق مخرجات البحث العلمي. د. صالح المسند مدير مشروع الفهرس العربي الموحد والمكتبة الرقمية، يرى أن البحث العلمي ضرورة وليس ترفًا؛ حيث لا نهضة ولا تنمية مستدامة إلا بمراكز بحثية وجامعات لديها قدرات تنافسية على المستوى العالمي، مضيفا: "لا تخفى أهمية البحث العلمي كأحد الأهداف الرئيسة للجامعات. فالتقييمات الدولية التي انتشرت مؤخرًا تطبق معايير عديدة من ضمنها مكانة الجامعة البحثية وما تنشره من كتب ودراسات علمية. كما أن من معايير الاعتماد الأكاديمي وجود أعضاء هيئة تدريس برتب علمية متقدمة ولديهم أبحاث منشورة. وتشدد بعض الجامعات المتقدمة على أعضاء هيئة التدريس في قضية نشر الأبحاث والدراسات وتطبق المقولة الذائعة هناك "انشر أو غادر Publish or perish"، بما يعني أنه لا مكان للأستاذ الذي لا ينشر أبحاثًا ودراسات علمية في الجامعة". وفي شأن متصل قال: "بما أننا قد أنشأنا جامعات عديدة وصلت إلى 30 جامعة حكومية وجامعات وكليات أهلية فإننا بحاجة إلى تطوير البنية التحتية في جميع هذه الجامعات ومراكز البحث العلمي الأخرى مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وتحقيق مزيد من التعاون البناء بينها. كما أطالب بوضع سياسة وطنية للبحث والتطوير تضمن ترشيد الموارد المالية، وعدم تكرار الجهود، وتغطية الموضوعات والقضايا التي لها أولوية في البحث والتطوير. كما أطالب بالتركيز على القضايا والمشكلات التي تواجه الوطن مثل: قضايا الإرهاب والمشكلات الصحية كمرض كورونا والسكر وأمراض القلب وأمراض العظام التي تفوق معدلاتها المعدلات العالمية"، منوها إلى تحديات تواجه الباحث في الجامعات والمراكز البحثية في المملكة من أبرزها: افتقاد مهارات البحث العلمي الأصيل وضعف برامج تطوير تلك المهارات، وضيق الوقت المتاح للبحث العلمي، وانشغال أساتذة الجامعات بأمور أخرى غير التدريس والبحث العلمي في داخل الجامعة وخارجها، وصعوبة الحصول على فرص التفرغ العلمي، وعدم توافر البنية التحتية والمواد اللازمة للبحث في مجالات العلوم والطب. يُضاف إلى ذلك انشغال أعضاء هيئة التدريس الجدد العائدين من الخارج في تأسيس حياتهم من جديد وعدم توفير المتطلبات الأساسية التي تساعدهم في استغلال مهاراتهم وعلمهم في البحث والتطوير. ولعل الجامعات تراعي هذا الجانب وتقدم حلولاً عاجلة للسكن وغيرها من متطلبات الحياة التي تساعد الأستاذ الجديد في أداء عمله بحماس وتفانٍ. مطالبا الجامعات إلى النظر في تخيير الأستاذ بين التدريس والبحث بناءً على خطط مدروسة، توفير المواد والمعامل والمختبرات العلمية المجهزة بالتجهيزات اللازمة، وتقديم برامج لتطوير مهارات البحث والتطوير، وتوفير الدعم المادي الكافي للبحث العلمي والنشر، وزيادة فرص التفرغ العلمي للباحثين المميزين. أما أ. د. حسن السريحي أستاذ علم المعلومات وطرق البحث بجامعة الملك عبدالعزيز فقال: "بالنسبة لواقع البحث العلمي في أي دولة وخاصة بالدول النامية والمملكة نستطيع القول إننا وصلنا لمرحلة جيدة، وهو يمر بمراحل متطورة، فأصبح هناك اهتمام بإنشاء المراكز البحثية، واهتمام بالدعم العلمي وإنشاء عمادات للبحث العلمي بالجامعات، ودائما ما يرد أن المؤسسات الاكاديمية والبحثية في أي دولة هي ركائز مهمة للبحث العلمي، ففي داخل هذه المؤسسات العلمية لم يتم إنشاء مراكز بحثية متخصصة، والبحث العلمي يحتاج إلى موارد مالية ودعم مالي حتى يخدم نسبة كبيرة، فالدعم المالي العلمي بالدول العربية منخفض، مقارنة بالدول المتقدمة كاليابان والدول الإسكندنافية، لكننا نسير بخطوات بطيئة ولكنها مستمرة بهدوء." وأضاف السريحي: "نشاهد بالمملكة نشرا علميا محدودا باللغة العربية والأغلبية تنشر باللغة الانجليزية لأن ذلك يحسب ضمن تصنيف الجامعات الذي أصبح مؤثرا وهناك ارتفاع ملحوظ بالبحوث، ولكننا نحتاج أن نركز بالبحث العلمي، ونرسخ ثقافة البحث العلمي وندعم مراكز البحث العلمي باللغة العربية، ولكن أتمنى أن نركز على البحث العلمي المتخصص بالتعاون مع جهات دولية كالألمان أو اليابان بحيث ننشئ الفكر من هنا، والتجارب من الخارج، لنصنع للعالم ونورد تقنيات جديدة". وبين السريحي أن من الضروري دعم الجامعات والمؤسسات لاستمرار البحث، وكذلك عدم اشتراط أن يكون البحث باللغة الانجليزية، معبرا عن خشيته من أن لا نوطن البحث العلمي وقضايا النشر والمحتوى العلمي، ودعم مؤسسات النشر ونترك اللغة العربية. مشيرا إلى أهمية دعم تقنية المعلومات ومراكز البيانات المعلوماتية وأن تنشأ مراكز للبيانات البحثية على مستوى الوطن والإدارات والهيئة والاستفادة من البيانات البحثية ونخفف من التكلفة ولا بد من دراستها كيف تستثمر. وأردف: "أيضا على العمادات أن تكون انتقائية وتوجه الدعم بشكل جيد فبدلا من دعم 100 بحث تكتفي ب 20 بحثا له تأثير أكبر فيكون التركيز على النوعية وليس الكم. أما من ناحية الأمور المالية في دعم البحث العلمي فشدد على ضرورة إعادة النظر فيها بقوة فليس من المقبول أن يكون الباحث مكافأته حوالي ألف أو ألف 200 بالشهر، وهذا ليس بحثا علميا، فالمعروف أن الأبحاث مستويات ويجب على الباحث يأخذ مكافأة مدفوعة، أما فرض التفاصيل بحيث يدخل بتفاصيل إدارية بعيدة عن البحث فهو مضيعة للوقت والأهم المحتوى العلمي. فالمفروض فصل الأمور المالية والإدارية وتناقش في الخطة." وذكر السريحي أن ما ينقص الباحث هو أن يكون مؤهلا منهجيا وعلميا، ويتحلى بمهارات مساندة، فالبحث العلمي عشق وهناك أساتذة ودكاترة ومختصون يكونون باحثين ومهارتهم البحثية جيدة بينما تقل مهارتهم بالتدريس والعكس صحيح، فالبحث قدرات، ويحتاج للصبر، وطرق عمل تستمر لسنوات وأيضا بناء البيانات البحثية، وما يطور الشركات والمؤسسات والمجتمعات سواء الأبحاث الأصيلة وهي التي يتم استثمار الموارد المالية والبشرية بالشكل الجيد فيها، وعلى الجامعات التركيز بهذا الجانب ويهتموا بالكيف قبل الكم. وأضافت د. منى الخيال مستشارة تربوية في القطاعين الحكومى والخاص: "أن المؤسسات البحثية المتخصصة متوفرة وكثير منها يتبع للجامعات على سبيل المثال لا الحصر مراكز البحوث في: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وأم القرى والفيصل، والملك عبدالعزيز، والمركز الوطني لأبحاث الزراعة والمياه بالرياض.. الخ، إضافة إلى مؤسسات بحثيه تحمل أسماء اشخاص تكفلوا بميزانيتها لتتبنى أبحاثا معينة من هنا نرى ان البحث العلمي في المملكة يسير بخطوات ثابتة منتجا العديد من الدراسات والأبحاث العلمية التي تمت المشاركة فيها في منتديات عالمية ونشرت في مجلات علمية متخصصة ولكن بمقارنتها بدراسات عالمية نجد أننا نحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لنكون على مستوى المنافسة خاصة في المجال التربوي الذى نجده مازال يعتمد على قَص ولصق". وبينت أن الباحث مازال يعاني من صعوبة الحصول على معلومات دقيقة وإحصائيات تساعده على الخروج بنتيجة يعتد بها. ورأت أنه لو تواصلت المؤسسات البحثية مع الميدان في عملية تحديد الاحتياج في دراسة مشكلة معينة وتزويد الجامعات بها ليتم معالجتها في الرسائل العلمية لتم فعليا الاستفادة منها ميدانيا عوضا عن تراكم الغبار عليها على أرفف المكتبات والاحتياج فعليا إلى احصائيات دقيقة يعتمد عليها الباحث في بحثه تساعده في الوصول إلى نتائج وتوصيات. كذلك يحتاج إلى تعاون الجهات ذات الاختصاص للحصول على معلومات دقيقة بعيدا عن التعقيدات التي تواجهه للوصول إليها ضمن مكاتبات رسمية طويلة تستغرق وقتا وجهدا ضائعا.
مشاركة :