نديم الياسين: هذا سرّ توتر العلاقات بين العراق والسعودية بعد أن بلغت ذروتها

  • 7/13/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

نديم الياسين: هذا سرّ توتر العلاقات بين العراق والسعودية بعد أن بلغت ذروتها   { عندما دمعت عينا صدام وهو يودع الملك فهد بن عبد العزيز إلى سلم الطائرة { مجلس التعاون العربي تأسس بفكرة طرحها الملك حسين خلال حرب إيران على العراق { لماذا هدد الرئيس صدام الملك الحسن الثاني بعدم حضور القمة العربية في الدار البيضاء { شبيه صدام أكذوبة هدفها النيل من رجولة الرئيس لكن بعضهم مازال يصدقها رئيس المراسم في عهد صدام يروي ما جرى في مذكرات (5)   سلام الشماع بلغت العلاقات العراقية السعودية ذروتها من المتانة والقوة خلال الحرب الإيرانية العراقية وبعد انتهائها، فلماذا انقلب الموقف السعودي بقوة، بعد زمن يسير من دخول العراق إلى العراق. الواقع أن التوقف عند ظاهرة موقف المملكة العربية السعودية المتشدد والمفتقد لأية مرونة من دخول الجيش العراقي للكويت، ومن ذلك قبول السعودية لأن تكون أراضيها مركزاً لتجمع القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، ومن ثم جعل هذه الأراضي منطلقاً للهجوم على العراق يستحق الاهتمام والدراسة. لكي نفهم أسباب هذا الموقف المتشدد وافتقاد المرونة أمام الحلول والمقترحات، التي طرحها بعض القادة العرب لحل المشكلة، لابد من العودة قليلاً إلى وراء، فقد كانت العلاقات العراقية السعودية في أحسن حالاتها وأزهاها، منذ تولى الملك فهد بن عبد العزيز الحكم في العام 1982 ونظراً للعلاقات الحميمة، التي كانت قائمة بين الرئيس صدام حسين والملك فهد بن عبد العزيز، إذ كان الأول نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة في العراق والثاني ولياً للعهد في المملكة العربية السعودية، فقد أتاح وجود الرجلين على رأس السلطة، في البلدين الشقيقين، الفرصة لتنمية العلاقات وتوطيدها، وبناء أسس متينة للتعاون انعكس على موقف السعودية، التي ساندت العراق بقوة في حربه الضروس مع إيران، وقد لعبت المساندة السعودية والمساعدات المالية والاقتصادية دوراً مهماً في تعزيز قدرات العراق العسكرية والاقتصادية في تلك الحرب، وليس من المبالغة القول إن هذا الموقف انعكس أيضاً على دول الخليج العربي الأخرى التي اتخذت الموقف نفسه بحكم التأثير السعودي عليها. كانت العلاقة بين الرئيس صدام والملك فهد أكثر من حميمة وأخوية.. ويذكر الدكتور نديم أحمد الياسين في كتابه، موضوع العرض، أن الرئيس صدام حسين أمر بإعداد استقبال كبير من طلبة المدارس العراقية للملك فهد حيث اصطف عشرات الآلاف من طلاب المدارس على طول الطريق من المطار صدام الدولي إلى مدخل مدينة بغداد وهم يحملون صور الملك فهد والرئيس صدام، حينما قام الملك فهد بزيارته الشهيرة لبغداد بهدف التهنئة بانتصار العراق في حربه مع إيران وتوقف الحرب. يقول: “بحكم عملي رئيساً للمراسم الرئاسية (التشريفات) فقد تلقيت توجيهاً واضحاً من الرئيس صدام حسين، بتوفير مستلزمات الراحة والإقامة الجيدة كافة للمرحوم الملك فهد ومرافقيه، وقد اختار الرئيس صدام حسين بنفسه مقر إقامة الملك وهو قصر (صقر القادسية) وهو أكبر قصور الضيافة وأهمها، ويقع في ضاحية الرضوانية الغربية من المطار.. وفعلاً تم توفير المستلزمات كافة، بالتعاون مع الأخوة السعوديين، الذين وصلوا، قبل زيارة الملك فهد، حيث تم إعداد القصر بما يتناسب والوضع الصحي للملك فهد”. دموع صدام طوال تلك الزيارة، كان واضحاً مدى الحميمة في علاقات الرجلين وقربهما من بعضهما، خلال الفعاليات كلها، التي تمت في أثناء الزيارة، بما في ذلك توقيع الزعيمين على الاتفاق الأمني بين البلدين، ويذكر الياسين أن الرئيس صدام حسين، وخلال إحدى مناسبات لقائه الملك فهد، أيام تلك الزيارة، طرح عليه فكرة عقد هذا الاتفاق الأمني، وعرض عليه مسودته، فلم يتأخر الملك فهد بالموافقة، بل وتحمس لذلك، فتم إعداد كل شيء خلال ساعات لتهيئة الاتفاقية وتوقيعها من الزعيمين وسط احتفالية حضرها الجانبان العراقي والسعودي، أعقبتها مراسم تقليد الرئيس صدام حسين وسام الرافدين من الدرجة الأولى لضيفه السعودي. تعطينا الحادثة الآتية دليلاً على مدى عمق العلاقة بين الرجلين وما تمثله من معنى في هذا المجال، فبينما حان موعد مغادرة الملك فهد للعراق، بعد انتهاء زيارته، اصطحبه الرئيس صدام حسين إلى المطار وتوقفت سيارتهما قريباً جداً من الطائرة، بعد إجراءات مختصرة للفعاليات التقليدية لتوديع الرؤساء بسبب الوضع الصحي للملك فهد. كانت الطائرة مصممة بما يسمح للملك فهد بصعودها عن طريق مصعد كهربائي بدلاً من الدرج المعروف للصعود إلى الطائرات، وبعد أن تعانق الرجلان وقف الملك فهد وسط المصعد، الذي بدأ بالتحرك إلى أعلى، وكان الياسين ممن لاحظوا مدى تأثر الرئيس بهذا الموقف، بل ممن شاهدوا الدموع وهي تنهمر من عينيه، فيما كان المصعد يتحرك بالملك فهد إلى داخل الطائرة. إذن ما سرّ ذلك التصلب كله الذي أبدته السعودية كله في مواجهة أحداث الكويت ورفضها أي حلول وسط أو مبادرة عربية لاحتواء الوضع وتجنب الكارثة؟ الياسين يميط اللثام عن هذا السر بقوله: “هذا السؤال يجيب عنه موقف حدث في الدار البيضاء في المملكة المغربية خلال انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في العام 1994 أيام شغلي منصب سفير جمهورية العراق في الرباط، وكنت أجلس في باحة الاستقبال بفندق الدار البيضاء حيث يقيم وزير خارجية العراق، حينذاك، السيد محمد سعيد الصحاف.. كنت أجلس في صالة الفندق مع بعض أعضاء الوفد العراقي ومنهم السيد نوري الويّس سفير العراق في المملكة الأردنية الهاشمية في انتظار السيد الصحاف، وخلال حديثنا، دخل إلى باحة الفندق بعض أعضاء الوفد السعودي، وفي مقدمتهم السيد عبد العزيز التويجري، وكان يحتل منصب نائب رئيس الحرس الوطني السعودي، الذي يقوده الملك عبد الله بن عبدالعزيز (الأمير ولي العهد حينذاك)، والذي ترأس الوفد السعودي إلى المؤتمر”. يضيف: “كنت على معرفة جيدة بالسيد عبد العزيز التويجري بحكم عملي رئيساً للمراسم في الرئاسة، وكان هو يحضر لمقابلة الرئيس صدام حسين عديد مرات مبعوثاً من (الأمير) عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، آنذاك، وتوطدت علاقاتنا، من خلال جلوسه مرات عدة في مكتبي، والأحاديث الفكرية والتاريخية، التي كانت تجري بيننا، حيث كان الرجل مثقفاً كبيراً ملماً بحقول المعرفة والآداب والتاريخ، وكان يعشق العراق ويعدّه منبع الحضارة والإنسانية العربية، وما إن لاحظني عبدالعزيز التويجري حتى ابتسم واتجه نحوي مما دفعني إلى الوقوف ومبادلته ملامح الود والتوجه نحوه حيث التقينا وتعانقنا ثم قادني من يدي إلى حيث كنت أجلس وجلس إلى جانبي، فقدمته إلى السيد نوري الويس وبعض من كان جالساً من أعضاء الوفد العراقي للتعرف عليه، ولأن الظرف كان حساساً في ذلك الوقت، والعراق يمر بمحنة الحصار الظالم والموقف السعودي معروف، فقد تحدثت بحذر عن أوضاع العراق، بعد انتهاء عبارات المجاملة، وعرّفته بما يعاني العراقيون من آثار الحصار، ومن خلال الحديث شكوت له موقف وفد وزارة الخارجية السعودية في الاجتماعات التحضيرية، التي تسبق القمة وإصراره على استمرار الحصار على العراق، فابتسم التويجري، ابتسامة ذات مغزى، وقال: إن هذا ليس موقف المسؤولين كلهم في السعودية، فأنا أعرف أنه موقف بعض العاملين مع الأمير سعود الفيصل، وطفق يشرح بإسهاب مدى تأثره وتأثر الكثير من المسؤولين السعوديين بما يعانيه شعب العراق، وفجأة صمت، ثم أمسك بيدي وهو يقرب رأسه، موجهاً كلامه إلي وإلى السيد الويس، ليبوح بهذا السر: أتعلمون ما الذي أحدث هذا الشرخ بين العراق والسعودية؟ أنا سأكشف لكم سرّ ذلك.. قال ذلك وخفض صوته قليلاً: لقد حدث الشرخ، منذ اللحظة، التي أعلن فيها قيام (مجلس التعاون العربي)، الذي ضم العراق ومصر والأردن واليمن، مضيفاً: كيف فاتت على الرئيس صدام الحساسية الموجودة بين السعودية واليمن من جهة وبين السعودية والهاشميين في الأردن، من الجهة الأخرى؟، إن السعودية عدّت هذا المجلس هو محاصرة لها من الشمال والجنوب وهو أمر لا يمكنها أن تتجرعه، فكان دخول العراق للكويت الفرصة الذهبية للتعبير عن مشاعر السعودية، فكان موقفها هو هذا الذي ترونه”. يذكر الياسين “حين أجبته أن العلاقات جيدة وطبيعية بين الأردن واليمن من جهة، والسعودية من جهة أخرى بفضل الجهود، التي بذلها الرئيس صدام حسين لإزالة الحساسيات وتغليب الثقة بين البلدان الثلاث، ردّ عليّ أن ذلك صحيح، ولكن الحساسية وما خلفه تاريخ العلاقات بين البلدان الثلاثة مازال يعيش في أعماق النفوس وإزالته تتطلب جهداً ووقتاً أكبر، قال ذلك، وهو ينهض من مكانه مودعاً ومطلقاً عبارات التمني بأن تزول هذه الغمة عن العراق والعرب أجمعين”. معليش يا عصمت إذن، مجلس التعاون العربي هو الذي أثار حفيظة السعودية على العراق وجعلها تعمل على تشديد الحصار الاقتصادي عليه، فما هي خفايا هذا المجلس ودواعي تأسيسه؟ لم يولد مجلس التعاون العربي بين العراق والأردن ومصر واليمن في 16 شباط 1989 من فراغ، أو من خلال مداولات مقطوعة الجذور، فالفكرة صاحبها العاهل الأردني الملك حسين بن طلال ولكن ليس كمجلس تعاون عربي، وإنما كان يطرح على الرئيس صدام حسين، خلال الحرب الإيرانية العراقية، فكرة تشكيل فيلق عربي يضم تشكيلات عسكرية من بعض الدول العربية المساندة للعراق، ومنها الأردن ومصر واليمن، غير أن الرئيس صدام حسين، كان يرد على مقترح الملك حسين بلطف أن الوقت لم يحن بعد، وأن تشكيل مثل هذا الفيلق العسكري المساند للعراق، قد يقلب المعادلة ويغير موقف بعض دول العالم من الحرب، لأنها ستتم بصبغة إقليمية، وستصور وكأنها حرب عربية شاملة ضد إيران “الوحيدة”، وكان الملك حسين يبدي تفهمه لهذا التحليل، لكنه استمر في طرحه، وخصوصاً في المراحل العصبية من العدوان الإيراني على العراق.. وبعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها في 8 آب 1988 برضوخ الخميني لقرارات الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وتجرع مرارة الهزيمة، كما أعلن ذلك رسمياً، بدا وكأن مشروع الفيلق العربي لم تعد له حاجة أو أن الظروف قد تجاوزته، إلا أن مناقشة الفكرة استمرت في اللقاءات كلها التي جرت بين الرئيس صدام والملك حسين، ونتيجة للحوارات المعمقة بين القائدين، نضجت فكرة تأسيس مجلس التعاون العربي، الذي يضم العراق ومصر والأردن، ثم أضيفت اليمن.. طبيعة اقتصادية يشير الياسين، في كتابه، إلى أن الحكومة المصرية كانت تصر على أن يكون هذا المجلس ذا طبيعة اقتصادية محضة، وكانت تعلن ذلك في وسائل إعلامها كلها، ويبدو أن السبب هو المخاوف، التي انتابت السعودية ودول الخليج من قيام مثل هذا المجلس، وهو يذكر، في هذا المجال، أن وزراء خارجية العراق ومصر والأردن، خرجوا من القصر الجمهوري في 17 شباط 1989 ببغداد لعقد مؤتمر صحفي لإعلان قيام مجلس التعاون العربي، وفيما كان الرئيس صدام والملك حسين والرئيسان حسني مبارك وعلي عبدالله صالح يتناولون الشاي في القصر، جاءهم السيد عصمت عبد المجيد وزير خارجية مصر، آنذاك، وكان في حالة انفعال وانزعاج، واقترب من الرئيس مبارك ليقول له إن وزير خارجية العراق السيد طارق عزيز لم يؤكد في المؤتمر الصحفي، أن أهداف مجلس التعاون العربي هي أهداف اقتصادية فقط، وأنه أشار إلى التعاون بين دول المجلس في المجالات كافة، وكان الرئيس صدام والملك حسين قريبين من الرئيس حسني مبارك ويستمعان إلى شكوى عصمت عبدالمجيد، ولأن الياسين كان قريباً منهم جميعاً، بحكم واجبه، فقد شاهد الرئيس صدام يطلق ضحكة خفيفة، وهو يأخذ بيد الرئيس مبارك، موجهاً كلامه إلى عصمت عبد المجيد: (يا دكتور هل تريدنا أن نتعاون اقتصادياً ونتخاصم في الميادين الأخرى؟ نحن متعاونون، إن شاء الله، في كل شيء).. وهنا ابتسم الرئيس مبارك أيضاً موجهاً كلامه إلى عصمت عبدالمجيد: (معليش يا عصمت تفاهم أنت والأخ طارق عزيز). في هذه الأثناء، كان مئات الآلاف من المواطنين يتجمعون في ساحة الاحتفالات الكبرى في بغداد احتفالاً بقيام مجلس التعاون العربي، وانتظاراً لوصول القادة الأربعة إلى المكان.. أسرار عودة مصر إلى الجامعة العربية وجه العاهل المغربي الملك الحسن الثاني الدعوة إلى القادة العرب لحضور مؤتمر للقمة العربية يعقد بالدار البيضاء في المملكة المغربية بتاريخ23 أيار 1989 وقد استثنى الرئيس المصري حسني مبارك من الدعوة، لأن عضوية جمهورية مصر العربية في جامعة الدول العربية كانت قد علّقت بقرار من القمة العربية إثر قيام أنور السادات بزيارة الكيان الصهيوني. مقاطعة مصر كان قادة مجلس التعاون العربي، وخصوصاً العراق، قد قرروا إنهاء مقاطعة مصر، وإعادة عضويتها في جامعة الدول العربية، لذلك، وحالما علم الرئيس صدام حسين بعدم دعوة الرئيس حسني مبارك إلى قمة الدار البيضاء، أبلغ الملك الحسين الثاني بضرورة دعوة الرئيس مبارك لحضور القمة وإلا سيقاطعها العراق ومعه بقية دول مجلس التعاون العربي، ونظراً إلى حراجة موقف الملك الحسن الثاني من هذه المسألة، فقد أجرى اتصالات مع القادة العرب، لحل هذه المشكلة، فالمعروف عن الملك الحسن الثاني كرهه لأي تغيب عربي عن مؤتمرات القمة، التي تعقد في بلاده، فكيف إذا كان التغيب يشمل دولاً عدة، هي الأعضاء في مجلس التعاون العربي، وبعد مشاورات يبدو أنها كانت مضنية، نقل الملك الحسن الثاني إلى الرئيس صدام حسين مقترحاً سعودياً، أن يحضر الرئيس مبارك إلى الدار البيضاء، خلال انعقاد القمة، وينتظر إلى أن تجتمع الدول العربية وتقرر إعادة عضوية مصر إلى الجامعة العربية.. يقول الياسين: “خلال متابعتي لزيارات المبعوثين، وما ترشح من معلومات في القصر الجمهوري ببغداد، فأن الرئيس صدام حسين رفض هذا المقترح بشدة، وعدّه إهانة كبيرة إلى شعب مصر العربي والرئيس حسني مبارك، فكيف تعقد القمة، فيما ينتظر رئيس جمهورية مصر العربية، وهي أكبر دولة عربية في مقره بالدار البيضاء منتظراً (عطف) قادة الدول العربية الأخرى السماح له بحضور اجتماعاتهم، وقد تم إبلاغ الملك الحسن الثاني برفض الرئيس صدام لهذا المقترح، كما أبلغ الملك فهد ملك المملكة العربية السعودية بذلك، فلم يجد الملك الحسن الثاني بداً من توجيه الدعوة إلى الرئيس حسني مبارك لحضور القمة، حاله حال بقية القادة العرب، استجابة منه ومن السعودية ودول عربية أخرى لإصرار الرئيس صدام حسين على حضور الرئيس المصري إلى القمة مع كامل عضوية جمهورية مصر العربية في الجامعة العربية”. وفي هذه القمة حاول الملك الحسن الثاني أن يرتب لقاء خاصاً بين الرئيسين صدام حسين وحافظ الأسد ولكنه لم يوفق في مسعاه، وقد شهد الياسين بنفسه، كما جاء في كتابه، موضوع العرض، تفاصيل هذه المحاولة، التي لم يكتب لها النجاح. أكذوبة بديل صدام..! يتعرض كتاب (40 عاماً مع صدام حسين)، إلى أمر ظل الناس يتداولونه كثيراً ومازال يعضهم يؤمن أنه صحيح، وهو موضوع شبيه صدام، وحسب الياسين، فأن الكثير من أجهزة الإعلام روّج، بل وما زال بعضها يفعل ذلك، أن الرئيس صدام حسين كان له شبيه، يستخدمه بديلاً له في بعض المناسبات ومنها الذهاب إلى جبهات القتال، خلال الحرب العراقية الإيرانية، أو خلال تجواله في بغداد والمدن العراقية الأخرى. يشهد الياسين، الآن، وقد عمل مع صدام حسين ثماني سنوات رئيساً للمراسم، أن حكاية البديل أو الشبيه هذه أكذوبة فجة ورخيصة المراد منها ثلم رجولة صدام والنيل من شخصيته وشجاعته، فصدام حسين ليس من أولئك الذين يخافون على حياتهم، أو يجفلون أمام الأحداث الجسام أو يرتعبون من الأخطار والملمات، فالرجل كان من معدن نادر في الشجاعة وقوة الإرادة والشكيمة في مواجهة الأخطار، ليس هو من ذلك المعدن الرخيص الذي يرتضي لنفسه أن يحتمي خلف شبيه، أو ينزوي ليترك غيره يواجه الخطر. يقول: “ثماني سنوات رافقته وهو رئيس وقائد للعراق، وقبلها عايشته سنوات طوال مناضلاً وقائداً في الحزب، لم ألمس ولو للحظة واحدة أنه رفّ له جفن خوفاً، أو ارتجفت شفتاه رعباً في أشد الأحداث هولاً وخطورة.. كان موكبه الرئاسي مكوناً من سيارة نوع مرسيدس “غير مصفحة” ومعه مرافق واحد، وتتقدم سيارته، سيارة نوع تيوتا، وتتبعها سيارة نوع “بيك آب” فيها ثلاثة من رجال حمايته، بالإضافة إلى السائق، وبهذا الموكب المتواضع، كان يصل إلى مقره في القصر الرئاسي وبمثل هذه الكيفية كان يغادره، من دون أن يقطع المرور في الشوارع ومن دون حراسات أخرى، وكان يأمر حمايته أن يوقفوا موكبه البسيط عندما تضيء الإشارة الحمراء، عند تقاطعات الطرق، كما أنه كان يتوجه إلى جبهات القتال على الحدود مع إيران عندما تشتد المعارك، وحينما تصل إليه معلومات تفيد بحراجة الموقف على الجبهة وشدة ضغط العدو على القوات العراقية، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، فقد كان يرفض إلا أن يكون حاضراً مع قادة القطعات العسكرية العراقية والمقاتلين، ليمنحهم دفقة معنوية عظيمة، كانت تؤدي في معظم المواقف إلى تغيير مجرى المعارك لصالح القوات العراقية.يعلق الياسين على هذه القضبة: “الشبيه!!”.. يا لها من فريّة وضيعة لا تطال قامة هذا الرجل النادر بين الرجال.. ويقول: “في العام 1989 عقد مؤتمر القمة العربي في مدينة الدار البيضاء في المملكة المغربية، وفي اليوم الأول من اجتماع القمة، خرج الرئيس صدام من مقره، الذي خصصه له الملك الحسن الثاني، وكنت أسير معه، متقدماً بعض الخطوات، بحكم واجبي، وحينما وصلنا إلى باب المقر، شاهدنا موكباً من السيارات تتوسطه سيارة مرسيدس بيضاء موديل السبعينيات، كان في انتظاره، وقد فتح مرافق الرئيس باب السيارة المرسيدس البيضاء، إشارة إلى الرئيس لكي يستقلها، فالتفت الرئيس إليّ وسألني: ما هذه السيارة؟، فبادر مرافقه ليجيب: إنها السيارة المصفحة، التي تم جلبها مع الرفاق من بغداد بطائرة نقل عسكرية ضمن إجراءات أمن الرئاسة لتوفير الأمن لسيادته، فابتسم الرئيس صدام، وطلب من المرافق ركن هذه السيارة جانباً، وعاد ليسألني: أين السيارة المخصصة من القصر الملكي المغربي، فأشرت إليها، وكانت خلف السيارة المصفحة المذكورة، ويقف إلى جانبها مرافقه العسكري المغربي فاتجه نحوها، وكانت غير مصفحة، واستقلها ووجهه يشرق بابتسامته المحببة، فهل مثل هذا الرجل يلجأ إلى التخفي وراء شبيه؟!!

مشاركة :