في ندوة متخصصة في عمان بالجامعة الأردنية – مركز الدراسات الاستراتيجية – كرسي الملك الحسين بن طلال تم تدشين كتاب للأستاذ محمد عيسى العدوان تحت عنوان – التلفيق والتوثيق – فلسطين وآخرون حرب عام 1948 – ضمن تخصص التوثيق والتحليل، وهو نتاج سنوات طويلة من الجمع والبحث والاطلاع على مئات الوثائق في الأرشيفات العالمية، التي تم العمل عليها ليخرج هذا الكتاب بالشكل الذي يقدم صورة مختلفة في مجال التحليل والتوثيق والدراسات التاريخية السياسية، وقد يكون هذا الكتاب الأول من نوعه في العالم الذي تم إرفاق مئات صور الوثائق الأصلية فيه. حيث قدم نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق الأستاذ عدنان أبو عودة قراءته للكتاب فقال إن هذا الكتاب وأحد من أهم الكتب التي برزت في هذا الوقت لتقدم التوثيق الحقيقي والصادق والعلمي المهم عن دور الأردن في المحافظة على فلسطين والقدس والمقدسات والإنسان العربي، وتقديم كل ما يلزم لدعم تثبيت الفلسطيني في أرضه ووطنه، كما قدم رئيس قسم التاريخ في الجامعة الأردنية الأستاذ الدكتور علي محافظة تقييما أوليّا له بأنه اعتبر هذا الكتاب الأول من نوعه في تقديم توثيق أكاديمي تحليلي معتمد على الوثائق، وبما يسهم في إعادة كتابة تاريخ الدولة الأردنية، بل التاريخ العربي بشكل عام. وأهم ما يميز هذا الكتاب: - الاحتكام إلى الوثائق بعيدًا عن النقل السمعي والمشهور من المعلومات. - محاكاة 3 شخصيات مهمة في تلك الفترة أثرت وأسهمت في مضمون الأحداث. - تقديم تسلسل زمني محكم يسهم في إعادة ترتيب المعلومات لتصبح ضمن الفهم المعرفي وليس المعلوماتي. - تكامل الموضوع من خلال تعدد الملفات المطروحة للتحليل والتوثيق لتشمل مختلف عناصر القضية تقريبا حيث بالإمكان إيجاد الباحث معلومات عن موضوع معين، أما أن يجد معلومات معرفية عن موضوعات متشابكة متعددة فإن هذا بحاجة إلى جهد خرافي. - إرفاق أكثر من 200 وثيقة هي المستند المعرفي للكتاب، وعدم الاكتفاء بالعادة المتبعة بالإشارة إلى أرقام الوثائق أو أماكن وجودها. - تحليل توثيقي قائم على معايير التوثيق الخمسة كيف تفكر وهي: (ماذا_متى_ أين_كيف _من؟). - انضباط وعدم اتباع اسلوب المواربة أو الاستهداف أو التبرؤ والتبرير والتعامل مع جميع العلائق في أي موضوع بالتحليل والتكشيف والتصنيف والتوثيق. إن محاور الكتاب النقدية التوثيقية التي تم البحث فيها حتى يخرج الكتاب على شكله العلمي التوثيقي، بعيداً عن استهداف أحد، أو تبرئة أحد، إلا فيما تظهره الوثائق التي تم الحصول عليها، لتكون هي النبراس الذي بدأت منه عملية البحث والتوثيق. هل كان العرب يستطيعون فعلاً نجدة فلسطين؟ هل كانت تتوافر للعرب والفلسطينيين إمكانيات النصر في ظل الحسابات العسكرية والسياسية والاقتصادية، والأهم وجود الشرخ الكبير بين أهل فلسطين الموزعين بين (آل الحسيني وآل النشاشيبي)، وبين فلاحين وحضر، ويهود ومسيحيين ومسلمين، ملاك أراض عرب من بلاد الشام وفلاحين فلسطينيين منتفعين لا يملكون إلا حجج انتفاع لا حجج طابو أو ملكية لأراضيهم في ظل قوانين الأراضي العثمانية المجحفة والمهلكة للفلسطينيين والعرب. هل دافعت الجيوش العربية عن فلسطين كمتطلب عسكري من المؤسسة العسكرية السياسية، أم من معتقد ديني وقومي، أي أنهم ذهبوا للقتال والشهادة من أجل فلسطين من دون النظر إلى الإجراءات السياسية والدبلوماسية التي تقوم بها حكوماتهم العربية. هل فعلا كانت بريطانيا وحلفاؤها - وأهمهم أمريكا - عقدوا العزم على إقامة دولة يهودية على الأرض الإسلامية، وعلى مقربة من الكنيسة التي ولد بها السيد المسيح، وأن يعملوا على إمساك العصا من المنتصف لخلق عداء (إسلامي يهودي) ليصبح عداء دينيا تاريخيا، يفضي دائما إلى الاحتكام إلى الغرب لحله، والذي يمهد لعدم وجود تنمية مستدامة في المنطقة العربية. حيث يتحدث الكتاب في فصوله الأربعة عن موقف العرب من اليهود عبر العصور، وأن العرب لم يكونوا في يوم مشاركين في أي عملية قمع أو استهداف لليهود، بل كان العرب دائما محتضنين لليهود الفارين من القمع والتنكيل الغربي الأوروبي؛ حيث تم تقديم تسلسل تاريخي توثيقي لكل ذلك. ثم تقديم الاستهداف الغربي للمنطقة العربية تحت مسمى الانتداب وحق تقرير المصير برعاية عصبة الأمم، وتقاسم الأراضي العربية بين الفرنسيين والإنجليز ضمن اتفاق (سايكس بيكو) وحركة النزوح اليهودي إلى المنطقة العربية ووجودهم فيها ضمن حماية ورعاية الشعوب العربية والدولة العثمانية، ثم الحديث عن كيفية انتقال الأراضي الفلسطينية إلى اليهود، ودور الولاء العثماني ثم حكومة الانتداب البريطاني في انتقال كم كبير من أراضي فلسطين إلى اليهود، وتحت مسميات وطرق مختلفة، وكذلك تقديم مهم لدور أهل الأردن والملك عبد الله الأول والدولة الأردنية في الدعوة والعمل على المحافظة على الأراضي الفلسطينية ضمن مفهوم بلاد الشام والأراضي المقدسة ومن بعدها الوصاية الهاشمية على فلسطين وأهلها، ثم ما تلا ذلك من الوحدة بين الضفتين، وكل تلك الافكار والرسائل التي كان الملك عبدالله المؤسس لدولة الأردن يقدمها للفلسطينيين والعرب للمحافظة على الارض العربية في فلسطين، ثم الحديث عن العلاقات اليهودية مع العالم عبر الحركة الصهيونية مع الدول العالمية، وكذلك دور الثورة العربية الكبرى في نشر مفهوم الحق العربي ضمن ما كان يسود تركيا من إعلاء فكرة العرق التركي بدلا من الخلافة العثمانية، كذلك يتم تقديم كل المعلومات المعرفية عن الاستهداف البريطاني الاستعماري للمنطقة، والتغلغل الإنجليزي عبر الفهم الاستشراقي للمكان والتاريخ والعادات، وكل ما له علاقة بالإنسان العربي، وكذلك العلاقة التي كانت بين العرب والإنجليز تحت مفهوم الرمد ولا العمى، وتوقيع كل المعاهدات بين المناطق العربية والإنجليز تحت مسميات مختلفة. وتم تقديم المعلومات الدقيقة والموثقة عن الحرب وأيامها والتسلسل المعرفي فيها، ودور الأردن التاريخي في المحافظة على الأرض والعرض والانسان العربي الفلسطيني والمقدسات الاسلامية والمسيحية، بعيداً عما يتم تناقله في المجالس من أحاديث وقصص وخزعبلات ليس لها أصل ولا تستند إلى أي معلومات توثيقية، بل إن أغلبها روايات وبطولات وقصص خيالية. إن الجيش العربي الأردني انتصر في الحرب، ضمن حسابات التكليف والانجاز والنتائج وحافظ بشكل واقعي على 22% من مجمل أراضي فلسطين التاريخية. كما تم تقديم تحليل وثائقي لأكثر من 170 وثيقة للملك عبد الله الأول رحمه الله، مع تشبيكها مع الأحداث والوقائع والنتائج ومقارنتها بما ذكره كل من الرئيس المصري – الضابط وقتها- جمال عبد الناصر، والرئيس وصفي التل الضابط في جيش الإنقاذ العربي وقتها. في ختام هذا الكتاب الذي ضم العديد من المعلومات التوثيقية الخاصة بالمعارك والبطولات والاجراءات التي اتخذها الأردن في سبيل المحافظة على فلسطين والمقدسات، وكذلك قيام الأردن بأهم أمر في تلك الفترة من الحكم الأردني فيما تبقى من أرض فلسطين التي امتدت بين أعوام (1948 حتى عام 1967) وهي من فترات الحُكم القصيرة في التاريخ الإسلامي لفلسطين، إن قصر فترة الحُكم الأردني والاحتلال الصهيوني الذي تبعها ابتداء من عام 1967، إلا أن أهم أمر يجب أن يذكر توثيقا في هذا الشأن هو الفضل للأردن في تثبيتها الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه فيما تبقى من فلسطين الطبيعية من خلال وجود حكم ودولة قانون ومؤسسات وجيش رسمي بتقديم أفضل الخدمات والإدارة الحكومية والانعاش الاقتصادي والأمن الوطني والأمان، حيث إن وجود القوات المسلحة الأردنية وكوادر الأمن العام والدفاع المدني الأردنية والإدارة الحكومية الأردنية الرسمية في (القدس والضفة الغربية) بعد انتهاء حرب 1948 أكد الحقوق العربية في فلسطين، كذلك أسهم في منح الشباب الفلسطيني إمكانية التعلم وممارسة الحياة العادية في وجود دولة سيادية كان لها الأثر الأكبر في ذلك. الأردن تحمل بشكل قانوني ووطني وعروبي كل ذلك، فعلى الرغم من أنني في هذا التوثيق لم أذهب إلى الحديث عن عمليات احتواء اللاجئين في الأردن، وذلك باعتبارهم مواطنين بكامل الحقوق والواجبات وتقاسم العيش معهم، إلا أنني أبين ما يخص الفلسطينيين في داخل فلسطين التاريخية وفي الضفة الغربية وهو الأخطر والمميز، إذ إن الأهم في ذلك كله فيما أعتقد هو إعادة الكرامة للشعب الفلسطيني نتيجة القهر والعزلة والقمع والتنكيل من الكيان الصهيوني وإعادة تثبيت المواطنين في أرضهم ووطنهم، وبأن يعيش الفلسطيني فيما تبقى من أرضه حياة كريمة وإنسانية يمارس فيها كل صنوف الحياة من التعلم، والتعليم، والتجارة، والزراعة، والصناعة، وحتى السياسة وانتخاب ممثليه في مجلس الأمة الأردني بشقيه النواب والأعيان. الأردن لم يقم بتأمين ذلك فقط بل سخّر كل موارد الدولة وامكانياتها، وأبناء الأردن من أجل قضية فلسطين وقدم الشهداء تلو الشهداء من أجل المحافظة على ما استطاع الأردن أن يحافظ عليه خلال حرب 1948». { مستشار مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
مشاركة :