مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تم الإعلان عنها وتدشينها خلال زيارة السلطان هيثم بن طارق للرياض، وهي الزيارة الخارجية الأولى التي يقوم بها منذ توليه الحكم في مسقط، وهو ما يعكس الاهتمام المشترك الذي تبديه قيادتا البلدين الشقيقين لترقية وتطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بينهما، انطلاقا من القواسم التاريخية المشتركة التي تجمعهما، والتي يأتي في مقدمتها الدين الواحد واللسان المشترك والجوار التاريخي وصلات القربى والمصاهرة، وهي وشائج يؤطرها التاريخ والعادات والتقاليد العربية الأصيلة والموروث الشعبي. ومعلوم في علم السياسة أن الزيارة الخارجية الأولى لأي زعيم أو ملك تكتسب أهمية خاصة، لأنها تعطي مؤشرا واضحا عن التوجهات، وترسم السياسات العامة للدول، وتحدد شكل العلاقة مع المحيطين الدولي والإقليمي، لذلك فإن تلبية السلطان هيثم بن طارق لدعوة شقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظهما الله- تعكس عمق الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين، والرغبة الصادقة في تحقيق التطلعات وإكمال المسيرة الأخوية التي انطلقت قبل عقود، وشهدت العديد من الإنجازات والنجاحات، فقد قامت ولا تزال على الثقة والاحترام المتبادل والتعاون البناء، والتعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، ولم تشهد طيلة الفترة الماضية إلا زيادة في النمو والتطور، ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي الذي شاركت الدولتان في تأسيسه عام 1981. وفي هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة العربية، وما يشهده العالم من اتجاه نحو التكتلات الإقليمية تزايدت الحاجة نحو تعزيز وتنمية هذه العلاقات، لا سيما بعد إقرار رؤية المملكة 2030 ورؤية عمان 2040 اللتان تتشابهان في كثير من الأهداف والغايات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والرغبة المشتركة في تطوير جميع جوانب الحياة، لذلك فإن أبرز ما تمخضت عنه الزيارة الحالية هو إنشاء مجلس التنسيق السعودي العماني ليتولى ترجمة تلك التطلعات إلى واقع، وفتح آفاق أرحب من التكامل الاقتصادي والاستثماري من خلال عقد اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الحكومتين وبين القطاع الخاص في البلدين والنظر في إقامة مشروعات تعود بالنفع عليهما. لذلك فإن من أبرز الأهداف التي سيعمل المجلس على تحقيقها، والتي تم التوافق عليها التركيز على القطاعات الواعدة لدى الدولتين، لتحقيق التكامل المنشود، وتحديد التفاصيل وفق خطة زمنية معينة ونهج واضح، واستنفار كافة القدرات والإمكانات لدى القطاعين العام والخاص، ووضع تصور متكامل وشامل لأوجه التعاون التي توليها الدولتان الأهمية، وتلخيص التوصيات وعرضها، وتكثيف اللقاءات المشتركة بين رجال الأعمال. هذه الأهداف العظيمة لن يتأتى تحقيقها من دون بذل مزيد من الجهود، وتذليل الصعاب والمعوقات والتحديات، بما يؤدي في النهاية إلى رفع مستوى التعاون لزيادة حجم التبادل التجاري الذي لا يزال دون مستوى التوقعات، وأقل من حجم الفرص المتاحة، حيث لم يتجاوز 10 مليارات ريال خلال العام الماضي، وهو ما لا يتناسب مع الطموحات والفرص الحقيقية الموجودة على الأرض. الخطوة الأولى لتعزيز التعاون، والتي وجدت إجماعا من الجانبين تمثلت في التأكيد على سرعة إنشاء الطريق البري والمنفذ الحدودي بين البلدين، والذي سيفتح آفاقاً واسعة للتعاون الاقتصادي، وينشط حركة التجارة، وهو ما تم التأكيد عليه في البيان المشترك الذي صدر في ختام الزيارة باعتباره أولوية للبلدين، لأنه يقلل تكاليف نقل البضائع من السعودية إلى أراضي السلطنة ومن ثم إلى موانئها لإعادة التصدير، وهذا سيؤدي بدوره إلى خفض تكلفة شحن الواردات والصادرات وتسهيل التواصل بين الأفراد والتجار والمستثمرين. وكذلك أشاد البيان بجهود دول مجموعة «أوبك بلس» التي أدت إلى استقرار وتوازن الأسواق البترولية، رغم ضعف الطلب الذي عانت منه الأسواق جراء موجات جائحة كورونا، وأكدا ضرورة الاستمرار في التعاون لدعم استقرار الأسواق البترولية. بعيدا عن حسابات الاقتصاد والتجارة، فقد اتفق الجانبان على تعزيز التنسيق السياسي في المواقف ذات الاهتمام المشترك، وذلك عبر رفع تبادل الزيارات للوفود الحكومية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث والدراسات بين البلدين. كما يتشارك الجانبان في الاهتمام بوضع حلول ناجزة للأزمة اليمنية وحتمية استعادة الشرعية والتصدي للتدخلات الإيرانية. حيث أكدا في البيان المشترك تطابق وجهات نظرهما حول مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية قائم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، ومبادرة المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق. كما أكدا أهمية التعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي والصاروخي الإيراني بكافة مكوناته وتداعياته بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي والتأكيد على مبادئ حُسن الجوار واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية وتجنيب المنطقة كافة الأنشطة المزعزعة للاستقرار. كما رحبا بتعزيز التعاون حول تطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي أقرته مجموعة العشرين كإطار متكامل وشامل لمعالجة التحديات المترتبة على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وكذلك أكد البيان الدعم الكامل لمبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر اللتين أعلنتهما المملكة. خاتمة القول، إن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى المملكة أعطت صورة واضحة لصلابة العلاقات بين البلدين الشقيقين، وقدمت إشارات قوية على ثقلهما السياسي والاقتصادي، وإدراك قادتهما حتمية المزيد من العمل المشترك، واستيفاء متطلبات التغيير وأدوات التحديث، وتطوير هيكلة أجهزة ومؤسسات الدولة، لتصبح أكثر فاعلية وأعظم تأثيرا. وستمضي الرياض ومسقط في جهودهما لمزيد من التطور والنمو نحو آفاق أكثر رحابة وثراء لخدمة شعبيهما وتحقيق الرفاه والنهضة.
مشاركة :