عدن (اليمن) - يكافح حارس الأمن اليمني رياض قاسم لتوفير القوت لأسرته في مدينة عدن الساحلية الجنوبية التي ارتفع سعر رغيف خبز "الروتي" المحلي فيها 50 بالمئة خلال شهر بينما تقلص حجمه إلى النصف. وقال قاسم وهو أب لثلاثة أطفال "ما يشبعش طفل" في إشارة إلى رغيف الخبز الذي صار سعره الآن 30 ريالا بعدما كان سعره في بداية حرب اليمن المستمرة منذ ست سنوات خمسة ريالات فقط. ووصل القتال إلى جمود شديد لكن بعيدا عن الخط الأمامي للقتال بين الشمال والجنوب، حطمت معركة بين بنكين مركزيين متنافسين العملة اليمنية وأدت إلى ارتفاع الأسعار. وفاقم التضخم المتصاعد من المأساة في بلد يعتمد معظم سكانه البالغ عددهم 29 مليون نسمة على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. وكان الاقتصاد اليمني هشا حتى قبل نشوب الحرب عام 2014، لكن صندوق النقد الدولي يقول الآن إن البلاد تواجه "أزمة اقتصادية وإنسانية حادة". واليمن منقسم بين حكومة معترف بها دوليا في الجنوب ويدعمها تحالف عسكري تقوده السعودية من ناحية، وبين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران والتي تسيطر على معظم الشمال وعلى مدينة الحديدة الساحلية الرئيسية المطلة على البحر الأحمر من ناحية أخرى. ولكل طرف من الطرفين بنك مركزي ويطبق كل منهما سياسات متعارضة. ويميل البنك المركزي في عدن، والذي بمقدوره الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، على نحو متزايد إلى طباعة أوراق نقدية جديدة لسد العجز الحكومي وسداد رواتب موظفي القطاع العام خاصة قوات الأمن والجيش. وأثار هذا دون شك انتقادات في الشمال الذي لا يتعامل إلا بالريال القديم. وقال هاشم إسماعيل محافظ البنك المركزي في العاصمة صنعاء بشمال البلاد "حجم ما طُبع حتى اليوم هو تقريبا، العقود الموقعة التي تم توقيعها من قبل ما يُسمى بالبنك المركزي في عدن مع شركات الطباعة في الخارج، هو 5.23 تريليون ريال. هذا المبلغ الذي هو طُبع خلال ست سنوات نستطيع أن نقول إنه ثلاثة أضعاف ما طبعه البنك المركزي في صنعاء خلال ستين عاما". أسعار صرف مختلفة أدى ذلك إلى تباين حتى في سعر صرف الريال. وسعر الأوراق النقدية الجديدة في عدن وصل إلى ألف ريال أمام الدولار هذا الأسبوع. أما في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون فيبلغ السعر حوالي 600. وسعى البنك المركزي في عدن، والذي لم يرد على عدة طلبات للحصول على تعقيب، إلى تعزيز العملة الضعيفة بزيادة أسعار الفائدة إلى مثليها العام الماضي وتحذير شركات الصرافة من تجاوز سعر الصرف الرسمي وهو 580 ريالا. وقالت حكومة عدن أمس إنها تثق تماما أن السعودية ستتدخل قبل انهيار الاقتصاد. ونقل الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي دفع الحوثيون حكومته إلى ترك صنعاء في أواخر عام 2014، البنك المركزي إلى عدن عام 2016. واتهم الحوثيين بتبديد أربعة مليارات دولار من احتياطيات البنك على الحرب. ويزعم الحوثيون إن الأموال أُنفقت على استيراد الغذاء والدواء. وقال رأفت الأكحلي وهو زميل ممارس في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية في أكسفورد إنه تم الحفاظ على قوة سعر الصرف الشمالي بطريقة مصطنعة. وأضاف "يتم الحفاظ على سعر الصرف بقمع الطلب والسيطرة المحكمة على العرض". وأشار إلى أن الحكومة في الجنوب "تواصل استخدام عمليات مشكوك فيها لدفع رواتب الموظفين دون وجود كشوف رواتب واضحة لقوات الأمن والجيش". ويحاول صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة منذ عام 2018 توحيد البنكين المركزيين في إطار جهود أوسع لإنهاء الحرب لكن دون جدوى. وتتهم حكومة هادي الحوثيين بصرف إيرادات الميناء في الحديدة، وهي المدخل الرئيسي للواردات التجارية والمساعدات في اليمن. ويريد الحوثيون أن يرفع التحالف الحصار قبل الموافقة على الدخول في أي محادثات سلام جديدة. ومع اقتراب عطلة عيد الأضحى الأسبوع المقبل، تحاول المتاجر الكبرى في عدن جذب الزبائن بعروض على السلع المستوردة. لكن الكثيرين لا يقدرون على شراء حتى الأساسيات. وقالت أم أحمد نبيل وهي موظفة حكومية في المدينة الساحلية الجنوبية "الوضع في عدن متدهور بشدة". وفي تلك الأثناء، يتحمل اليمنيون الذين يتعين عليهم تحويل أموال عبر الخط الأمامي للقتال تكلفة تصل إلى قرابة 60 بالمئة من قيمة التحويل بسبب اختلاف سعر الصرف ورسوم التحويل ذات الصلة. وقال محمد أحمد الحضري وهو مدير وكالة للصرافة في صنعاء "هذا ظلم".
مشاركة :