أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم في استوكهولم في الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2015 ، أسماء العلماء الفائزين بجائزة نوبل لعام 2015، في جميع المجالات. وفي الكيمياء، تقاسم الجائزة 3 علماء، السويدي توماس ليندال، والأمريكي بول مودريتش، والتركي عزيز سانكار. وحصل كل من العلماء الثلاثة على 855 ألف يورو، ما يعادل 970 ألف دولار. واستحق العلماء الثلاثة الجائزة بفضل أبحاثهم بشأن آليات إصلاح الحمض الريبي النووي في الخلايا الحية الذي يتعرض للضرر نتيجة التعرض لبعض العوامل مثل الأشعة فوق البنفسجية. نجح العلماء الثلاثة في تحديد الطريقة التي ترمم بها الخلايا الحمض النووي المتضرر، لتجنب الأخطاء التي تحدث في البيانات الوراثية، إلى جانب تحديد طريقة حفظ هذه البيانات، وكيفية تمكن الكائنات الحية من الحفاظ على جودة معلومات الحمض النووي وحمايتها من التشوه في وجه الكثير من الأمراض التي تصيب الكائنات الحية. ويتعرض الحمض النووي في خلايا الحيوان إلى أضرار كيميائية وفيزيائية دائمة، تتسبب بالإصابة بالسرطان، وبدا للباحثين أن هذا ما يحدد عمر الحيوان، وأنه السبب في انتقال الأمراض بالوراثة مثل التليف الكيسي والناعور (الهيموفيليا، أو سيولة الدم أو نزفه). وتساهم أبحاث العلماء الثلاثة التي تعد أهم الإنجازات العلمية خلال السنة الماضية في تطوير علاجات لأمراض السرطان، بحسب اللجنة. الآليات التي وصفها الباحثون الفائزون، وبخاصة آلية إصلاح عدم تطابق الحمض النووي DNA، وإصلاح النوكليوتيدات، مكنت علماء البيولوجيا من التوصل إلى طبيعة وظيفة الخلايا وكيفية إصلاح ذاتها. وسوف تمهد اكتشافات الباحثين الطريق أمام طرق لتطوير علاجات لكثير من الأمراض. واكتشف الباحثون أن جزيئات الحمض النووي غير ثابتة كما اعتقد من قبل، إذ تتعرض باستمرار لتغيرات تلقائية مفاجئة، وهي تغييرات هائلة بدرجة تجعل تطور الحياة على الأرض من الناحية النظرية مستحيلة. ودفع البحث العلماء إلى التركيز في دراساتهم على سبب بقاء الحمض النووي وعدم تحلله. واتضح لهم أن هناك آليات إصلاحية متعددة تساعد الحمض النووي باستمرار على إصلاح ذاته عند تعرضه لضرر أو تلف ما. وفي الستينات والسبعينات، اعتقد الباحثون أن الحمض النووي الريبي يتمتع بحالة بالغة من الاستقرار، وإلا ما انتقل من جيل إلى آخر، وظن العلماء أن جسم الإنسان، خلال عملية التطور، ينتقي بدقة جزيئات الحمض الريبي الأقوى، والدليل أنه إذا كانت جزيئات الجينات هشة وضعيفة فما كان لأي كائن أن يظل على قيد الحياة. وفي ذلك الوقت، بدأ ليندال في دراسة مدى استقرار الحمض النووي، وأجرى العديد من التجارب التي توصلت إلى أن جزيئات الحمض النووي تتدهور بسرعة كبيرة عند عزلها خارج الخلية. واكتشف ليندال أن أحد الأضرار التي تصيب الحمض النووي، هي عدم استقراره، وتعرضه لكثير من التغيرات الكيميائية ما يسبب تلفه مع مرور الوقت، ويحدث خلال أحد هذه التغيرات أن يتحول السيتوزين (أحد القواعد الأربعة التي تشفر البيانات الجينية) تلقائياً إلى مادة كيميائية غير مرغوب فيها تعرف باسم اليوراسيل. وبعد اكتشاف ليندال لمستوى تلف الحمض النووي، أدرك استحالة الحياة متعددة الخلايا بسبب تدهور خلاياه بسرعة شديدة. ومن خلال تجاربه على البكتريا اكتشف نوعين من البروتين، يتوليان مهمة إصلاح أعطاب الحمض النووي، ويعرفان ببروتينات الانتزاع القاعدي وثبت وجودهما في الحياة المعقدة، وفي الكائنات وحيدة الخلية، ولهما القدرة على إصلاح أكثر من 100 عطب في الحمض النووي. وركز العالم التركي سانكار دراساته في الآلية التي تنتهجها الخلايا في إصلاح التلف الناتج عن تعرض الجسم للأشعة فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس. فالتعرض لهذه الأشعة يمكن أن يوجد قاعدتين متجاورتين في شريط الحمض النووي يكونان بين بعضهما بعضاً، روابط كيميائية، بدلاً من الترابط مع نظرائهما على الجانب الآخر من حلزون الحمض النووي. وساعد دكتور سانكار على تفسير الآلية الكيميائية التي يتم من خلالها استبعاد الجزء المتضرر من الحمض النووي واستبداله ببديل جديد خالٍ من العيوب. أما دكتور مودريتش فدرس التلف الذي يمكن أن يحدث أثناء عملية الاستنساخ. فجزيء الحمض النووي الأصلي الموجود داخل بويضة مخصبة يتم استنساخه تريليونات المرات طوال حياة الكائن الحي، بيد أن هذه العملية تشوبها العيوب فاكتشف الدكتور مودريتش، جهاز إصلاح تباين الجزيء الذي يتولى إصلاح الخلل الذي قد ينشأ فوق شريطي الحمض النووي الحلزونيين أثناء انقسام الخلية، ما يقلل من معدل الخطأ ألف ضعف. ويحدث ما توصل إليه الباحثون الثلاثة بالفعل في جميع المخلوقات بدءاً بالبكتريا وانتهاء بالإنسان، ولولا هذه العملية ما كتب للكائن الحي البقاء. ويبلغ السويدي توماس ليندال 77 عاماً، ودرس في السويد، ويعمل حالياً في التدريس في بريطانيا. قال ليندال تعليقاً على فوزه بالجائزة إنه فوجئ بفوزه رغم ترشحه عدة مرات في السنوات الماضية. أما الأمريكي بول مودريتش فعمره 79 عاماً، وحصل على الدكتوراه من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، ويعمل حالياً باحثاً في معهد هاورد هيوز ميديكال في واشنطن. أما التركي عزيز سانكار فيبلغ هو الآخر 69 عاماً، ولم تكن لديه ميولاً علمية في طفولته، إذ كان عضواً في المنتخب الرياضي الوطني للناشئين، قبل أن يقرر الانتقال إلى الولايات المتحدة، حيث درس في جامعة تكساس. وفي الفيزياء، منحت جائزة نوبل إلى الياباني تاكاكي كاجيتا الأستاذ في جامعة طوكيو، والكندي آرثر ب. ماكدونالد، في جامعة كوين في كنجستون بكندا، لاكتشافهما أن للنيوترينو كتلة. ويؤدي الاكتشاف إلى فهم أعمق لآلية عمل المادة، ما سوف يغير نظرة العلم للكون. والنيوترينو الذي حير الفيزيائيين منذ الستينات، مجرد جزيء تحت ذري (أولي) من المادة يشبهه العلماء بالشبح أو بالحرباء، لصعوبة رصده بسبب مراوغته وتجرده من أية شحنة كهربية، على الرغم من أن وجوده في الكون أكثر بمليار مرة من كل من مكونات الذرة. ويتفاعل نيوترينو واحد من كل 10 مليارات نيوترينو تمر عبر الأرض مع ذرة واحدة في كوكبنا. وتوجد النيوترينات بوفرة في الكون، وتمر آلاف المليارات منها عبره كل ثانية من دون أن نلحظها، وكثير منها سحق عندما حدث الانفجار الكبير، إلا أنه تولدت على الفور نيوترينات أخرى عبر التحلل الإشعاعي داخل الأرض، بسبب انفجار النجوم، وفي العمليات النووية التي تزود الشمس بالطاقة. وبالاستعانة بجهازين للاستشعار، وضعا تحت الأرض، أحدهما على عمق كم أسفل جبل في ولاية جيفو وسط اليابان، والثاني على عمق كيلومترين أسفل منجم قديم للنيكل في أونتاريو في كندا، اكتشف العالمان قدرة النيوترينات، على التحول من شكل لآخر، كما الحرباء، أثناء انطلاقها في الفضاء، ما يثبت أن لها كتلة. وشكك العلماء في وجود النيوترينات للمرة الأولى في 1930، إلا أنه في 1956، تمكن عالمان أمريكيان من اكتشاف مخلفاته في الكون، واكتشف كاجيتا ومكدونالد، بمقارنة الحسابات النظرية حول عدد النيوترينات المتوقع انهمارها من الشمس على الأرض، اكتشفا أن أكثر من ثلثي هذه النيوترينات لا يصل إلى الأرض. وفي 1998، اكتشف فريق كاجيتا أن النيوترينات التي نشأت عندما ضربت الأشعة الكونية غلاف الأرض الجوي تغيرت خواصها في طريقها إلى جهاز الاستشعار أسفل الجبل الياباني. كما توصل فريق مكدونالد في 2001 إلى أن النيوترينات التي تطلقها الشمس، والتي تفحصها الفريق في جهاز الاستشعار في كندا، قد غيرت خواصها أيضاً، ويثبت الكشفان أن للنيوترينو كتلة. وأدرك العلماء الآن أن كتلته تقل أكثر مليون مرة عن كتلة الإلكترون، إلا أنه وبسبب غزارة عددها، قدر العلماء أن كتلتها مجتمعة تساوي تقريباً كتلة نجوم الكون مجتمعة. وعند دراسة النيوترينات التي تطلقها الشمس، تمكن فريق مكدونالد من التثبت من العمليات التي تحدث في نواة الشمس، ومن الممكن أن يستفاد من ذلك عملياً في تطوير عملية الانصهار النووي. وفي الطب، تقاسم الإيرلندي وليام كامبل، والياباني ساتوشي أومورا نصف الجائزة، بينما حصلت الصينية يويو تو، على النصف الآخر، لنجاحهم في تطوير علاجات أحدثت ثورة في علاج عدد كبير من الأمراض، كما ساعدت اكتشافاتهم الأطباء على مكافحة الملاريا والعدوى الناتجة عن الطفيليات الدودية. اكتشف كامبل وأومورا عقاراً يعرف باسم أفيرميكتين، ساعد على خفض حالات العمى النهري وداء الخيطيات اللمفاوية، وهما من الأمراض التي تسببها الديدان الطفيلية. واكتشفت الصينية تو، 84 عاماً، عقاراً يعرف باسم أرتيميسينين، والذي ساعد على تراجع كبير في عدد الوفيات بسبب الملاريا. وبدأت تو أبحاثها بدراسة نصوص طبية صينية قديمة وعلاجات شعبية، فاستخلصت 380 دواء من النبات. وأظهرت إحدى هذه الخلاصات أثرها الفاعل في الفئران، وتمكنت تو من تعديل عملية استخلاص المادة لجعلها أكثر فعالية قبل عزلها في مطلع السبعينات. وأثمر كشفها في إنتاج أكثر الأدوية فاعلية وأمان لمكافحة الملاريا، التي تصيب ما يقرب من 200 مليون شخص سنوياً، وتودي بحياة 500 ألف منهم، لاسيما من أطفال إفريقيا.
مشاركة :