في مشهد لا لبس فيه، بدت هزيمة الانقلابيين في اليمن واضحة في وجه المخلوع علي صالح، في حديث مدبر، إلى إحدى قنوات التلفزة، فالرجل ظهر، منتصف الأسبوع المنقضي، منكسراً ومضطرباً، لكن من دون أن يتخلى عن أسلوبه المخاتل وممارسة الفهلوة السياسية المقيتة التي اتصف بها، في محاولة للتنصل من مسؤوليته عما يجري في اليمن من أزمة وحرب طاحنة. المخلوع صالح في طلته الأخيرة، حاول عبثاً، الخروج من المشهد الدرامي، بأقل ما يمكن من خسارة، وهو يدرك أن انقلابه وتمرده على الشرعية بات في عد تنازلي، غير أن هذا الظهور العبثي، الذي أراده أن يكون في مصلحته، انقلب ضده، وفقاً للمتابعين، حيث بدا مرتبكاً ومتناقضاً وغير منطقي في حديثه، أكثر من ذي قبل، رغم حرصه على بث رسائل معينة، مُرتّب لها، كإعلانه القبول بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 والتخلي عن رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام. وتزامناً، تلقى المخلوع صالح ضربة موجعة، بإعلان قيادات في حزب المؤتمر إقصاءه من قيادة الحزب والدعوة إلى اجتماع موسع لأعضاء اللجنة العامة واللجنة الدائمة، لترتيب الوضع القيادي للحزب وإحالة صالح ومن يقف معه إلى الهيئات الرقابية في التنظيم لمحاسبتهم على ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب اليمني، وما ألحقوه من أضرار جسيمة بحق الوطن ووحدته الاجتماعية. وبحق التنظيم الذي منحهم ثقته. وبهذه الخطوة يكون صالح قد فقد، بعد هذه الضربة السياسية، المظلة السياسية التي كان يستظل بها في كل تحركاته، ولم تتبق لديه سوى الآلة العسكرية التي يُسيّرها إلى جانب جماعة الحوثي وميليشياتها. وجاء ذلك بعد مناورته السياسية المشتركة مع جماعة الحوثي بالإعلان عن الالتزام خطياً بتنفيذ قرار مجلس الأمن. وكرر صالح في ظهوره الأخير تنصله عما يدور في البلاد، محملاً جماعة الحوثي المسؤولية، بحديث يستخف به العقول، كعادته في التعاطي مع أزمات البلاد منذ عقود، مبرئاً نفسه مما يحدث من سفك دماء وخراب، معتقداً أن طروحاته يمكن أن تنطلي على الرأي العام في اليمن وخارجها، وهو يراهن في ذلك على أتباعه المخدوعين بخطاب سياسي وإعلامي، مارسته منظومة حكمه لعقود مضت، وسلبت فيه إرادة جزء من الشعب، وهو الجزء الذي تضاءل كثيراً في الآونة الأخيرة. وفي خطوات متوجسة لاقتراب معركة صنعاء المفترضة، استنفرت جماعة الحوثي وميليشياتها وتحركت نحو تحصين العاصمة بإجراءات دفاعية، من خلال التموضع العسكري في ضواحيها وحفر الخنادق ونصب آليات عسكرية في مرتفعاتها، فضلاً عن نشر نقاط التمركز والتفتيش داخل المدينة. كما شرعت جماعة الحوثي، منذ أسبوع، بإجراء، وصف بالخطر، تمثل في حملة للتوقيع على وثيقة اسموها وثيقة الشرف القبلية، مستهدفة الوصول إلى جمع مليون توقيع في أربع محافظات، تريد بها الجماعة استمالة القبائل للوقوف معها ضد قوات الشرعية والتحالف والمقاومة، بدغدغة واستنفار العصبوية القبلية ضد الحكومة الشرعية وضد القبائل، التي أعلنت موالاتها للشرعية، فضلاً عن كونه إجراء لتبيان مدى ولاء تلك القبائل للجماعة، إذ هي معتقدة ذلك، في مناطق تسيطر عليها. في الجانب الآخر من المشهد السياسي، مضت الرئاسة والحكومة الشرعية باليمن في نهجها المتمسك بنص بنود قرار مجلس الأمن، كحل للأزمة، متصدية للمحاولات المستمرة من قبل أطراف دولية، تضغط عليها القبول بالتفاوض مع الانقلابيين، وهو ما اتضح في اللقاءات المتكررة والمتتالية التي ضمت الرئيس اليمني الشرعي عبدربه منصور هادي بدبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين في نيويورك والرياض. ومن الإجراءات التي صبت في مصلحة الأداء الرئاسي والحكومي للشرعية، الإصرار على استمرار تواجد الحكومة في مدينة عدن، وتعيين اللواء الركن جعفر محمد سعد، محافظاً للمدينة، الذي حظي بترحيب واسع من قبل الأوساط السياسة والشعبية وأفراد المقاومة، في وقت تعاني فيه المحافظة فراغاً أمنياً خطراً وتهديدات إرهابية. وبموازاة التطورات السياسية مضت مجريات المسار العسكري تصاعدياً لجهة احتدام المعارك العنيفة في جبهات القتال، ما زالت تصب محصلته في مصلحة الشرعية، مقابل تقهقر ميليشيات الحوثي وصالح، التي ما زالت تبدي استماتة في القتال، رغم خساراتها البشرية والعتاد العسكري. وخلال أيام الأسبوع المنقضي حققت القوات المشتركة انتصاراً هاماً بالتقدم في الساحل الغربي للبلاد والوصول إلى مشارف مدينة المخا ومينائها الاستراتيجي، في معركة طويلة تستهدف تحرير كامل الساحل الغربي حتى الوصول إلى ميناء ميدي بمحافظة حجة على ساحل البحر الأحمر، وفقاً لتصريح العميد عبدالله الصبيحي. وعلى مقربة من مدينة المخا، ما زالت جبهات القتال مستعرة في مدينة تعز وريفها، ووفقاً للعميد عدنان الحمادي قائد اللواء 35 المرابط في منطقة الضباب، غرب مدينة تعز، فإن قواته ستلتحم بالقوات المشتركة بعد السيطرة على منطقة المخا، ما يعني أن معركة حسم الوضع في تعز، الهدف التالي لعملية السهم الذهبي. وقبل أيام عمدت ميليشيات صالح والحوثي إلى فتح جبهات قتال في مناطق بريف، في اتجاه جنوب البلاد، باقتحامها لمديرية الوازعية والقتال في مديرية ماوية وعلى جبهة الشريجة كرش بين محافظتي تعز ولحج، الأمر الذي لا يزال يشكل تهديداً للمناطق المحررة في المحافظات الجنوبية. أما في محافظة مأرب، فقد انحصر وجود الميليشيات في جيوب متفرقة في منطقتي صرواح ومجزر، بعد أن انتزعت القوات المشتركة، الأسبوع الماضي، أجزاء واسعة من المحافظة، وتقول القيادات العسكرية والسياسية الشرعية هناك إنها بصدد معركة تطهير بقية المناطق حتى الوصول إلى حدود صنعاء. وفي سياق المعارك المحتدمة في كل جبهات القتال كان سلاح الجو للتحالف، مشاركاً فعالاً وحاسماً في التمهيد ومواكبة تقدم القوات المشتركة، فيما استمرت مقاتلات التحالف في غاراتها على مواقع وتحركات الميليشيات في مناطق متفرقة ، إلا أن اللافت تجدد الغارات على مواقع عسكرية بصنعاء، حيث تركزت الضربات على معسكر النهدين ودار الرئاسة ومخازن الأسلحة. وعلى الحدود بين اليمن والسعودية فشل الانقلابيون في إبراز معاركها، كمواجهة بين الدولتين، بعيداً عن حقيقة الأزمة وطبيعة العمليات العسكرية التي تستهدف إعادة الشرعية إلى اليمن، وتحولت تلك الجبهات إلى مواقع استنزاف للميليشيات.
مشاركة :