سبق أن تساءل الزميل القطري عبدالحميد الأنصاري، في مقال قديم بعنوان «دعاة جدد أم رجال أعمال جدد؟»، عما قدمه الدعاة من أمثال سلمان العودة، والقرني وعمر عبدالكافي ووجدي غنيم وعمرو خالد، الأكثر غنى بينهم، لمجتمعاتهم؟ الحقيقة أنهم لم يقدموا شيئاً لا لأوطانهم ولا لأمتهم ولا قدموا حلولاً معرفية نقدية للقضايا الرئيسية التي تشكل تحدياً لكل مجتمعاتنا، غير تباهي أحدهم، وهو «طارق سويدان»، بأن الدعاة اليوم يديرون دعوتهم كما يدير التجار أعمالهم! *** تصادف يوم قراءتي لمقال الأنصاري مشاهدتي لمحاضرة للداعية الإخواني المصري «وجدي غنيم»، تحدث فيها عن بعض آداب التصرف التي يجب أن يتحلى بها المسلم فيما يتعلق بالأكل والشرب ودخول الحمام والتثاؤب. وقال إن من المهم ألا نمكث في الحمام طويلاً، ليس لأن الجلوس على كرسي التواليت مثلاً له مضار صحية وتأثير سلبي على البواسير، أو خوفاً من التعرض للأمراض بسبب الميكروبات التي تتكاثر في الحمام، هذا غير الروائح الكريهة، بل لأن الحمام، حسب قوله، هو بيت الشيطان ويجب ألا نمكث في بيته طويلاً، وأن نسارع بالخروج منه، مع الحرص على تقديم الرجل اليمنى عند الخروج(!) وعندما تكلم عن كيفية التثاؤب طلب من مستمعيه ضرورة تغطية أفواههم بأيديهم، وهذا أمر جميل، ولكن السبب الذي أعطاه افتقر للمنطق والذوق والأدب، فبدلاً من أن يكتفي بالقول إن من آداب التثاؤب تغطية الفم لكي لا يرى من هو أمامك ما بداخل فمك، أو تأتيه رائحة غير طيبة، إلا أنه برر طلبه بتغطية الفم بالكف عند التثاؤب لمنع الشيطان من «التبول» في الفم المفتوح! وقدم دليلاً علمياً على «اكتشافه» بالقول إننا نرى أن من يتثاءبون من غير تغطية أفواههم يقومون بعدها مباشرة بتحريك فمهم، لأنهم يقومون ساعتها بمضغ البول وبلعه! هذه بعض اكتشافات «الدعاة الجدد» وهذه وسائلهم في تحقيق الثروات ومنافسة نجوم السينما والتلفزيون وخلق نجومية لأنفسهم. والحقيقة أنهم لا يلامون على فعلهم بقدر ما تلام الحكومات التي تسمح لأصحاب مثل هذه العقليات والمنطق الفاسد بإلقاء الخطب وإفساد عقليات مستمعيهم، وغالبيتهم من الشباب، وإشغالهم بصغائر الأمور التي تفتقر الى المصداقية. والعجيب أننا عندما نتمعن في وجوه «جماهير» هذه الندوات نجد أفواه الكثيرين منهم فاغرة من الدهشة والاعجاب، ولكنك لا تجد بينهم من يقوم بأي عملية مضغ. والسؤال، كيف يصدق البعض أن حزباً دينياً مثل حزب الإخوان المسلمين، الذي ينتمي له غالبية الدعاة من رجال الأعمال، بقياداته «الفكرية العزيمة»، ودعاته الفطاحل، بإمكانه تسلم قيادة دولة عصرية، وهو بكل هذا التخلف والهزال الفكري، وفي غياب تام للكيفية أو الفلسفة التي سيتبعها في الحكم غير ترديد الغامض من الأقوال والاستشهاد بنصوص دينية لا علاقة لها بفلسفة إدارة الدول؟
مشاركة :