إعلان الأمم المتحدة عن توافق الأطراف الليبية تشكيل حكومة جديدة اصطدم برفض برلمان طرابلس المنتهية ولايته بحجج أهمها عدم إدخال تعديلات يراها ضرورية ومهمة من أجل آلية عمل الحكومة، مما يعني إدخال تعديلات على الاتفاق الأممي، وهو ما تفرضه الأمم المتحدة، ما حدا بأعضاء برلمان طرابلس وصف المبعوث الأممي برنارد ليون بالحاكم بول بريمر. في هذا الشأن يجدر بنا القول إن ليبيا اليوم هي في أمسّ الحاجة إلى توافق واتفاق بين مكوّناتها بصرف النظر عن مضمون القاعدة التي ستتفق عليها الأطراف، فالتأثير الليبي في إطاره الإقليمي والدولي يستوجب الإمعان في مآلات انفراط العقد السياسي في هذه الدولة التي أصبحت إحدى منصات إرسال المتطرفين إلى الجوار في دول شمال أفريقيا وأوروبا.. كما أن هذا الانقسام السياسي في واقع الأمر قد يمهّد في المدى القصير إلى حالة تشظي أو تقسيم هذه الدولة المترامية الأطراف، والتي تقدر مساحتها ب 1.7 مليون كلم2، ويسكنها ستة ملايين نسمة، وتعد إحدى أهم الدول الغنية بالنفط، وأحد الأرقام المؤثرة في السوق البترولية.. كما أن البنية السياسية في واقع الأمر هشّة وتفتقر إلى أرضية صلبة بسبب حكم معمر القذافي الديكتاتوري الذي جاء سقوطه مدوياً، ليترك بلداً يفتقر إلى مؤسسات الدولة، ويتلمس طريقاً ليبدأ من خلاله رحلة التأسيس. هذه المرحلة التأسيسية بقدر ما يستلزم تشييدها متانة وتماسكاً قويين؛ إلا أنها بحاجة إلى إدارتها بحكمة أكبر، وعدم التعامل مع الدولة كإرث، بل كأمانة يتطلب التعاطي معها تغليب المصلحة الوطنية، واستيعاب المرحلة التي تمر بها ليبيا، والإيمان بالدور الذي يمكن أن تقوم به. ويتعاظم حجم الثقل الملقى على عاتق الفرقاء الليبيين بسبب حساسية وضع بلادهم وتحوّلها إلى جار مؤرق لمصر وتونس.. ويعوّل المجتمع الدولي على الاستقرار في ليبيا لتتمكن الدول الفاعلة من الإسهام والتعاون في تحجيم والقضاء على التنظيمات المتطرفة التي اتخذت من درنة مقراً لها.. وهو أمرٌ يعني ببساطة أن أمام ليبيا تحدّياً ومهمة ثقيلة. في الواقع يجدر بالسياسيين في هذا البلد ألا يتحول التنافس على السلطة إلى منتصر ومهزوم، أو إلى معركة كسر عظم، فالمتضرر في النهاية هو الوطن.
مشاركة :