ولكنكم لا تحبون الثـوم!!

  • 7/19/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الثوم غني بالمعادن والفيتامينات وبالمواد المضادة للبكتيريا والفطريات والتأكسد، وهو بغض النظر عن رائحته غير المحببة يعد صيدلية دواء متنقلة في هيئة فصوص. ولعل من إيجابيات خوف الناس من الإصابة بعدوى (كورونا) اندفاعهم للبحث في الأطعمة المقوية للمناعة القاتلة للجراثيم، حيث تصدر الثوم قائمة الأقوى، برفقة البصل منافسه التقليدي. وللثوم أيضًا موقع أساسي في الموائد والمطبخ تعرفه ربات البيوت. ومع كل تلك الحزم المتنوعة من فوائد الثوم واستخداماته، إلا أنه لا يحظى بذاك (الدلال) الذي يليق بقدره، فنجد التشبيهات الجميلة في المديح والثناء تنصرف إلى ما دونه من خضراوات وفواكه، مصداقًا لمقولة مأثورة في أمثالنا الشعبية (الثومة مأكولة ومذمومة). في حياتنا المهنية والاجتماعية أنماط من البشر، ونضطر للتعايش معها، من بينها الشخصية الناقدة (المتحلطمة)، تلك التي لا تكف تعكر مزاجنا بذكر عيوبنا وتوجيهنا وتنبيهنا لأوجه القصور في أدائنا، فالناقد شخص مزعج حين حضوره، مستفز عند إبدائه رأيه، وسواء أجاد صاحبنا الأسلوب أو أساء التعبير فهو في المحصلة قد قذفنا بسهامه، وفي ذلك كفاية للدعاء على لسانه الجارح بصاعقة ساحقة ماحقة تقطعه. المفاجأة غير السارة للمسؤولين أن معظم الدراسات الإدارية أكدت خطأ الافتراض بأن من يشتكي منك وممن يعملون تحت سلطتك يكرهك أو متحامل عليك، إذ من الممكن أن يقدم لك المتذمر (الحريص) خدمات جليلة تستحق الامتنان بدل الانتقام، بإطلاعك على وضع أو خلل في منظومتك يصمت عنه الآخرون. فلا تطوير ولا ارتقاء بلا مراقبة وتقويم صريح لا يجامل. تجربة حقيقية أسردها في دوراتي التدريبية أجرتها كلية الإدارة في إحدى الجامعات الأمريكية بالتعاون مع كلية الهندسة، تم فيها تكوين فريقين من المهندسين بذات الكفاءة والعدد، وطلب منهما تقديم تصميم جماعي لمشروع بناء جسر فوق أحد الأنهر، وبسرية تامة عمد القائمون على التجربة إلى زرع مهندس (عميل) لهم في الفريق الثاني، كلفوه مهمة الاعتراض على يطرحه بقية أعضاء فريقه من أفكار، وبالفعل قام المهندس (العميل) بالمهمة على أكمل وجه، فانتقد بشكل علمي وفني تصميمات الجسر المقترحة، ووقف للمجموعة (عالدقة) حتى جننهم!! في الموعد المحدد تقدم كل فريق بتصوره، وعند التقييم فاز مقترح الفريق الثاني بالإجماع، حيث تمتع بأفضل المواصفات من حيث التصميم العملي الإبداعي ومواد الإنشاء الصديقة للبيئة والكلفة المنخفضة وغيرها، بينما شاب التصميم المنافس الكثير من النواقص والأخطاء. ختام التجربة، طلب المنظمون من الفريقين أن يقوم كل عضو بشكل منفرد وسري باختيار شخص واحد من أعضاء فريقه يتمنى إقصاءه فيما لو طلب منهم مستقبلاً معاودة التجربة، وعند كشف الأوراق تعددت وتفرقت اختيارات أعضاء الفريق الأول، الصدمة أن اختيارات أعضاء الفريق الثاني تطابقت كلها واتفقت على طرد المهندس (العميل)، غير مقدرين أن (مشاكساته) كانت العامل الرئيس لتكامل مقترحهم وتفوقهم. الناقد (البناء) يشبه الثوم، فيه من الفوائد الثمينة الكثير، فإذا كان الثوم بحاجة لطاهٍ ماهر أو معمل دوائي يستخرج منافعه، فإن الناقد المحب لوطنه المخلص لمؤسسته الناصح لمجتمعه يمكن أن يكون كنزًا لا يقدر بثمن فيما لو أحسن المسؤول المحنك الواثق التعامل معه. انقلوا عني «رب جرس ناقد، خير من ألف طبلة منافق».

مشاركة :