في رصيده أكثر من 50 عاماً من الخبرة في العمل المسرحي، مسيرته مشرقة في العمل الدرامي التلفزيوني. هو مخرج وممثل ومستشار فنيّ، استطاع أسر الجمهور بشخصياته المركبّة الصعبة التي يستعد لها عبر دراسة معمّقة مفصّلة. الممثل المخضرم نقولا دانيال أحد أبطال مسلسل (ثورة الفلاحين) (كتابة كلوديا مرشليان، وإخراج فيليب اسمر، وإنتاج إيغل فيلمز) وضيف المسرحية الغنائية الاستعراضية (مجنون ليلى) تحدث في هذا الحوار عن مجمل (أعماله الفنيّة) رسالة بيروت – إسماعيل فقيه يقول نقولا عن كيفية استعادته لشخصية (نسر بك) في (ثورة الفلاحين): وُجب أن يتميّز بصوته وهيبته لفرض وجوده كرجل إقطاعي على أفراد عائلته من جهة وعلى الفلاحين في رعيّته من جهة أخرى. كذلك لاسمه دلالة قوّة أيضاً، إنما قوّته غير مستمدّة من هيبته أو من عسكره، إنما من تضامن أفراد عائلته حوله. لذا من خلال قراءتي لهذه الشخصية، رأيت أنه رجل متعب يحمل على كاهله تركة كبيرة، فمن جهة ثمة تململ لدى الفلاحين، فيضطر إلى أن يستخدم القسوة لضبطهم وإحكام السيطرة عليهم. ومن جهة أخرى، يحمل هموم ما يحصل في كواليس قصره، إن من ناحية اغتصاب ابنته من الفلاحين أو من ناحية زواج شقيقته سراً من فلاح، أو من جهة تعاطف ابنه مع الفلاحين وحبّه لفلاحة، فيما يسعى هو إلى الحفاظ على السلالة عبر تزويج أبنائه من الأقارب. إلى ذلك، يأتي ابن شقيقته الطامع بالسلطة والمال إلى القصر ويدخل في نزاع مع ابنه. إزاء تلك الوقائع كافة يجب أن يبقى ممسكاً بزمام السلطة لئلا يفقد مصداقيته فيسقط كرأس هرم العائلة وتسقط العائلة معه. • شارك أهم نجوم لبنان في هذا المسلسل، فما أهمية ذلك على صعيدي الانسجام والتكافل ما بين الممثلين؟ لكل شخصية دورها المحوري في القصة وفق ما كتبت كلوديا مرشليان، لذا كان لا بدّ من أن يكون الممثلون المشاركون من طراز الصفّ الأول. وهذا الأمر مهمّ جداً لي شخصياً ولكل الممثلين الآخرين، لأننا نمدّ بعضنا البعض بالقوة من خلال نظرة تجسّد النص والموقف والحالة الدرامية الموجودة في الورق وترجمتها على الشاشة، فيؤدي المخرج دور العين المراقبة لأدائنا وللإطار الذي نطلّ من خلاله إلى الجمهور. • أية صورة ترى لمستقبل الدراما اللبنانية انطلاقاً من الإنتاج الضخم الذي توّفر لهذا العمل؟ سخى المنتج جمال سنّان على المسلسل على صعيد الديكور ومواقع التصوير والأزياء وعدد النجوم المشاركين، فحرص على تقديم عمل مختلف يشكّل نقلة نوعية في الدراما اللبنانية التي لا يمكن أن تتطوّر وتتحول إلى صناعة إلا بالسخاء على إنتاجها. فضلاً عن أن اختيار نص تاريخي أسهم في إغناء الصورة، خصوصاً أن قصة المسلسل لا تقتصر على الثورة بل تتحدث عن خبايا القصر الضخم الذي يعيش فيه البكوات. وما دعم هذه المشهدية هو الأثاث والأزياء والإضاءة والمواقع التي تم الاهتمام بأدقّ تفاصيلها، ما شكّل إضافة جماليّة فنيّة، انعكست متعة للمشاهد. • تتميّز شخصياتك الدرامية بالتحوّلات التي تطرأ على مسيرتها من ضمن سياق الأحداث. أحد الأسباب الرئيسة لموافقتي على شخصية ما، أن تحوي وجوهاً عدّة، خصوصاً إذا كانت قاسية ومكتوبة بخط مستقيم، عندها أبحث بين السطور عن تغيّر ما يقرّبها من الجمهور ويبيّن نقاط ضعفها. أية شخصية ذات تقلّبات وحضور منوّع تفسح في المجال إزاء الممثل لإظهار قدراته الفنية. لا أؤمن بالحكم الظاهري المطلق على أي إنسان، لذا أسعى دائماً إلى التعرّف إلى الآخر، والتحدث إليه لاكتشاف وجهه الآخر. في رأيي، الإنسان عالم قائم بذاته، وهكذا يجب أن تكون أية شخصية درامية. • يتأثر الجمهور دائماً بشخصياتك، إمّا تعاطفاً أو تعارضاً، فهل هذا التفاعل دليل نجاحك في إيصال الدور إلى المتلقي؟ تكمن رسالتي الفنيّة في إيصال الشخصية إلى الناس بصدق. عندما قرأت نص (قلبي دق) مثلاً، نظرت إلى البيئة المحيطة بشخصية (طانيوس)، فهو يعيش في بيئة صخرية يناطحها الرجل من أجل زراعتها، كذلك ينتمي إلى مجتمع متزمّت فيه تقاليد موروثة وعادات لا يستطيع الخروج عنها، ومنها اعتبار الفتاة جالبة عار، يجب ألا يتعاطف معها فيما يرى أبناؤه الشباب استمرارية وسنداً. انطلاقاً من هذا الواقع، ابتكرت شخصية (طانيوس) وصقلتها لتعبّر حقيقة عن بيئتها ولكنها سرعان ما انقلبت على نفسها وانهارت النظرة إلى الرجولة بعدما أسقط أبناء (طانيوس) القيم والمبادئ والعادات بسلوكياتهم المبالغ فيها. • يحتاج تركيب الشخصية إلى دراسة أبعادها الإنسانية والاجتماعية، فأي مجهود في هذا الإطار؟ من يحترم نفسه، يحترم جمهوره سواء في المسرح أو على الشاشتين الكبيرة والصغيرة. مهما تراكمت سنون الخبرة المهنية لا يمكن لأي كان الإدعاء أنه يعرف كل شيء، لذا أدرس الشخصية وأقرأ ما بين سطور النص، لأكتشف جوانبها كافة فتصل إلى الجمهور حقيقية. لهذا السبب يقتنع المشاهد بأدواري ويتفاعل معها سلباً أو إيجاباً. • تحتاج شخصيات مماثلة إلى نص مكتوب بعمق في الأساس. لا شك في ذلك. كلما كان الكاتب عميقاً ومثقفاً ومتخصصاً وملاحظاً لمجتمعه ومواكباً له ومطلعاً إلى الحقبة الزمنية التي تدور في إطارها الأحداث، كتب شخصيات تخدم الممثل، الذي يجب أن يكون في المقابل متخصصاً ومتعمّقاً في دراسته أدواره، وموهوباً في الأداء يعي عمله لإعطاء الشخصية جوانبها كافة. • تكون النصوص المسرحية غالباً أعمق من النصوص الدرامية، فهل تجدون دائماً ما تطلعون إليه من شخصيات؟ تتفاوت الأدوار وفق مستوى الكتّاب الذين يتميّز كل منهم بأسلوبه الخاص. كلما تنوّعت المواضيع تنوّعت الشخصيات، وكلما كانت المواضيع سطحية جاءت الشخصيات سطحية، لأن الموضوع الأساس المطروح ينعكس على نوعيّة الشخصيات. من ثم، يبقى الممثل رهناً بيدي الكاتب، أي على مقدار ما تكون الشخصية قابلة للعمق يستطيع أن يُغنيها أكثر. • أية خبرة يستقيها الممثل من خشبة المسرح ولا تتوافر في الدراما التلفزيونية؟ يستخدم الممثل القدرات المكتسبة على المسرح في أدائه التلفزيوني، لأن المسرح مدرسة إعداد للممثل، على صعيد كيفية تركيب الشخصية وبناء تاريخها في ذهنه فينسج حولها حياة تجعلها حقيقية. كذلك يمنح الممثل خبرة جسدية وروحية قويّة ويحوّله إلى جوهرة مصقولة تشعّ على الخشبة. فضلاً عن أن اختلاف الجمهور كل ليلة واتصاله المباشر مع الممثل، يدفعان الأخير إلى الجاهزية التامة والتركيز والحضور الجسدي والمعنوي والفكري لينقل الحدث مشهدياً إلى الجمهور. • أية رسالة توّجهها إلى المنتجين والمخرجين والكتّاب القيّمين على الدراما اللبنانية؟ أدعوهم إلى التنويع في كتابة المسلسلات، خصوصاً العصرية منها، لأن الجمهور ملّ المواضيع المشابهة. أدعو إلى التنويع في الحياة الإنسانية والفئات الجغرافية التي تحيط بالشخصيات والتجديد في كتابتها لإمتاع المشاهدين من جهة ولتفعيل روح التحدّي لدى الممثلين من جهة أخرى.تتطلّب هذه الأمور مجتمعة سخاء إنتاجياً كما تحتاح الصناعة إلى دعم مادي. بالنسبة إلى الكتابة، يجب أن تكون عميقة ومبنية على دراسة وثقافة فتحوي غنى للشخصيات والموضوع. كذلك يجب أن يكون التعاون قائماً ما بين الإنتاج والكتّاب، أي أن يُمنح المنتج نصّاً جيّداً فيسخى عليه عبر تأمين المستلزمات التقنية واللوجستية والتعاون مع ممثلين نجوم، فيجد المخرج الإطار الجمالي المناسب للتنفيذ. • تحلّ ضيفاً على المسرحية الغنائية الاستعراضية (مجنون ليلى)، ما التفاصيل؟ يشكّل هذا العمل عرضاً مسرحياً مشهدياً لم يقاربه أحد سابقاً في لبنان، توّلت نايلة خوري سعادة إنتاجه وشارك روي سعادة، مخرجه وصاحب الفرقة المسرحية، في كتابته مع كريستيان أبي عنّي. شاركت فيه ضيفاً إلى جانب كل من فؤاد يميّن، وباسم فغالي بدور (حماة ليلى) وهو صمّم الأزياء وصنعها. • هل تشكل المشاركة في عمل مماثل متعة خصوصاً أنه فريد من نوعه في لبنان؟ إنه عرض منوّع في لوحاته الراقصة وموسيقاه، وألعاب الخفّة والبهلوانات السركية، فشكّل عن جدارة عرضاً مسرحياً غنائياً استعراضياً مشهدياً الأول من نوعه في لبنان. شاركت في لوحتين من فصله الأول، فشكّلنا كممثلين معروفين دعماً فنياً له، وأدينا أغانينا مباشرة على المسرح بقيادة الملحن الموهوب إيليو كلاسي الذي ألف ألحان المسرحية كلها ودرّبنا على أداء الأغاني مباشرة وقاد الفرقة المسرحية، فكانت تجربة جميلة جداً بالنسبة إليّ. مهرجان المسرح اللبناني يبدي نقولا دانيال رأيه في الأعمال المسرحية اللبنانية الأخيرة، فيقول: (تصبّ في إطار المسرح الجاد. تقدّم الأجيال الجديدة العاملة في المسرح أعمالاً جميلة وهي تحمل مسؤولية استمرار المسرح حتى تتحسّن ظروفه وينتعش أكثر. على أمل بأن تُنشأ فرق مسرحية أكثر وأكبر).
مشاركة :