الحياة «منعزلة وفقيرة وسيئة ووحشية وقصيرة»، هكذا وصفها توماس هوبس، بل إنها «سمجة وخبيثة ظاهرها، لكن جمالها في إنسانيتها البشرية» في وصف الكاتب الإعلامي إبراهيم فضلون، هو وصف مناسب لمعظم فترات التاريخ البشري لكن الأمور تغيرت، جعلتنا نتخلى عن ثقتنا الزائدة بالنفس، في إطار مرافقتنا لمخاطر كارثية كصدمة كوفيد – 19، لذا لا يزال علينا التعامل مع المخاطر التي تواجهنا. ولعل التحسن عبر الـ 200 عام الماضية هو ثمار التصنيع الذي كان ممكناً بسبب اكتسابنا للمعرفة وإتقاننا للتكنولوجيا، قابلها بعض المقايضات اللاإنسانية من رغبة الشركات والحكومات في جمع الثروة، ما أدى إلى معاناة مئات الملايين من البشر الفقر والبطالة. ليصنعوا الآن ما قد ينهمر عليهم أولاً في «لعبة التمدد»، بمناداتهم ببناء «سور المناعة العظيم» لمحاربة جائحة (كوفيد - 19)، التي أكلت الأخضر واليابس، في سنوات عجاف لا يعلم إلى متى ستستمر، وكيف يواجه العالم المادي التحديات الوشيكة معاً؟، وهل سيكون السور الذي تنادي به الصين مُجدياً وهي منشأ الوباء كما يتهمها البعض أول مرة في مدينة ووهان بوسط البلاد في أواخر عام 2019، وفق وكالة رويترز، أن «الأولوية الأكثر إلحاحاً هي الإسراع في بناء (سور المناعة العظيم) لدرء الفيروس وتجاوز التمييز السياسي وتنفيذ تعاون دولي لمكافحة الوباء». في وقت تبذل دول في أنحاء العالم جهوداً حثيثة لاحتواء التفشي السريع للمتحورة «دلتا» شديدة العدوى، أودت بقرابة أربعة ملايين شخص للآن، منذ ظهورها للمرة الأولى في الهند، وباتت منتشرة في حوالي 100 دولة، لتُبسط سيطرتها على العديد من الدول بإعادة فرض تدابير الإغلاق، مع معاناة المنظومات الصحية من الضغط، بل وقربها من الانهيار كما في الهند وأندونيسيا وإيران ومناطق أخرى بجنوب شرقي آسيا، وكذلك روسيا والبرتغال، وفيجي الواقعة بجنوب المحيط الهادئ، وجنوب أفريقيا، أكثر الدول الأفريقية تضرراً بالفيروس، وكأننا بالحقيقة في عين عاصفة الموجة الثالثة مع زيادة عدد الوفيات 15 % في 38 دولة أفريقية. ورغم تحذير منظمة الصحة العالمية من خطورة المتحور دلتا من فيروس كورونا، وانتشاره على مدى واسع بين دول العالم، إلا أن متحوراً جديداً لفيروس كورونا «إبسيلون» أقلق مضاجع الولايات المتحدة والمراقبين، لتفوقه من حيث الخطورة على متحور دلتا، باعتماده استراتيجية غير مباشرة وغير مألوفة للهروب والمراوغة.. لقدرته على إضعاف فاعلية الأجسام المضادة التي تفرزها اللقاحات الحالية أو عدوى فيروس كورونا السابقة، أي أنه يمتلك القدرة على الهرب تماماً من الأجسام المضادة «وحيدة النسيلة» (monoclonal antibodies) المستخدمة في العيادات، بالإضافة إلى تقليل فعالية الأجسام المضادة من بلازما الأشخاص الذين تم تلقيحهم. وكان أول ظهور له في ولاية كاليفورنيا الأميركية صيف 2020، وكانت قد تباعدت سلالات المتحور B.1.427 وB.1.429، وزادت عدد حالاته بسرعة، وانتشر في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى 40 دولة أخرى، علماً بأن ظهور التحورات في العالم، بدأ بالمتحور «بي 117» أو «ألفا» لأول مرة في إنجلترا، ثُم رصد سلالة «بي 1.135» أو «بيتا» لأول مرة في جنوب إفريقيا، ليظهر متغير «دلتا»، المعروف أيضاً باسم «بي 1.617.2»، لأول مرة في الهند. قد تحمي اللقاحات الحالية جيداً البشرية ومنهم صانعوها من جميع السلالات، غير أن الوباء أو الجائحة قد تُغير من أنظمتها الإستراتيجية في أي لحظة.. فهل يفهم العالم بشريته، أم على قلوب أقفالها؟!!.
مشاركة :