الحجة وقفة مع النفس - خالد بن عبدالكريم الجاسر

  • 7/21/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

موسم عظيم، يمنحنا عُمقاً في حياتنا عبر اجتماع وتنظيم زاخر بإيمانية مكانية (عرفة)، وزمانية يأتيها الحجيج من أقاصي الأرض أفواجا زفراتهم وِحدانية نحو أمّ البدايات، ومنارة الأرض أول بيت وضع للنّاس، لتحظى رحلة الحج عبر تاريخها بقدر من التوثيق، أدباء وعلماء ومُثقفين ممن أدوا الفريضة، ورسموا على الأوراق مشاعرهم وخواطرهم، وكان أبرزهم، أحمد حسن الزيات وعباس العقاد ود. محمد حسين هيكل «في منزل الوحي» من أشهر ما كُتب عن الحج، وجاءت الرحلة بعد تحول فكري كبير لهيكل، إذ كان من أشد المناصرين لليبرالية الغربية والداعين إليها، ومما كتبه عند رؤية الكعبة «تبدت لي الكعبة قائمة وسط المسجد فشُدَّ إليها بصري وطفر قلبي ولم يجد عنها منصرفا، ولقد شعرت لمرآها بهزة تملأ كل وجودي وتحركت قدماي نحوها وكلي الخشوع والرهبة، كذلك وثق الأديب أنيس منصور رحلته للحج في كتاب «أيام في الأراضي المقدسة»، والذي دعا إلى إحساس جديد بالإسلام، والدكتور «مصطفي محمود» كتب «الطريق إلى الكعبة» وفيه تأملات فلسفية وإيمانية حول رحلة الحج. بل ومن الغربيين والمستشرقين والمؤرخين، كانت رحلة «إيفيلين كوبلد» عام 1933، بعنوان «الحج إلى مكة»، والعلامة المجري المسلم، «عبد الكريم جرمانوس»، عام 1935، وأصدر كتابا بعنوان «الله أكبر»، وكذلك الرسام الفرنسي «ألفونس أتيين دينيه» أو «ناصر الدين دينيه» الذي حج عام 1928م، وأصدر كتابه «الحج إلى بيت الله الحرام»، ونقض الكتب الغربية التي شوهت فريضة الحج في نظر الغربيين. إذاً لم تكن رحلة الحج شيئا عابرًا في ذاكرتهم، لذا أودعوه في ذاكرة الناس من خلال ما سطروه عنها، ليُحفر في وجدان أجيالنا لبلوغ مقصده وملامسة وجهته، تشوّقاً لتجديد العهد ولحظةِ الالتحام بالمركز والطواف به في رحلة الحياة الكبرى؛ امتثالاً لشعائر الله وتعظيماً لبيته المحرّم. إنها ليست رحلة طبقية يُحبِط فيها الزمان والمكان النزعاتٍ القومية أو السلالية التي عرفتها أديانٌ ومعتقداتٌ ومذاهبُ وفلسفات عبر التاريخ بتعالٍ ماكر على بقية البشر باسم الدِّين، لتتجلّى في الحجّ مفاهيم ومبادئ وقيَم سامية؛ تتأسّس على التطهُّر والتجرّد ونبْذ العلوّ والتمايز، فالحج رسالة للناس جميعاً، وليس في الإسلام تفضيل لقوْم على مَن سواهم، فالحمد لله على نعمة الإسلام، ونعمة الأمن في تلك البلد الطاهرة بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- وحكومتهما الرشيدة التي اتخذت من التدابير أعلاها وأفضلها عبر المسار الإلكتروني لموسم الحج لهذا العام، وغيره خدمة لضيوف الله، في ظل وباء كوفيد ومتحوراته، فحفظ الله أرضاً وطأها قدم أشرف خلق- عليه أفضل الصلاة والسلام-.

مشاركة :