أكبر مأزق نعيشه فى العديد من قضايانا، هو غياب النظرة الاستراتيجية، التى تُطل على ما هو أبعد من اللحظة التي نعيشها، نكتفي فقط بموقع أقدامنا، وهكذا هلل نقيب الممثلين أشرف زكي ومعه عدد من الفنانين لرأى سابق للشيخ الشعراوى قال فيه: (إن الفن حلال). تجاهل هؤلاء أن الفن لا يدخل فى تقييمه معيار الحلال والحرام، ولكن الجمال والقبح، لو اعتبرنا أن الحلال والحرام هما وحدة القياس و(الترمومتر) سنخسر فى ضربة واحدة الفن والدين. انتظارنا لمباركة رجل الدين، تتسع دائرته مع الأسف فى الكثير من القضايا، مثلما نسأل الشيخ عن (الفاكسين) حلال أم حرام؟ رغم أن المفروض أن يسأل الشيخ أهل الذكر وهم العلماء من المتخصصين، إلا أننا نهلل عندما يقول لنا إنه حلالا بلالا، ما هى علاقة المشيخة أو دار الإفتاء بـ(الفاكسين) أو غيره من القضايا المصيرية. مصر دولة مدنية هكذا يقول الدستور، إلا أننا نسأل رجل الدين فى غير اختصاصه، على أساس أن موافقته ستدعم موقفنا، ولم نفكر بما هو بعد ذلك، ماذا لو اعترض رجل الدين؟. هل تعلمون ما الذى قاله الشيخ الشعراوى للفنان حسن يوسف عندما جاءه يستفتيه عن الفن؟ أباح نوعا محددا، وقال له أنت علمت الشباب الانطلاق عليك الآن أن تعلمهم الالتزام، ووضع له العديد من الشروط فى أعماله القادمة، مثل أنه لا يجوز أن يتزوج دراميا فى أى مشهد، وأى فنانة سيعقد قرانه عليها فى الدراما ستصبح منذ تلك اللحظة زوجته أمام الله، وبين الحين كان يعلن عن آرائه المعادية للفن، مثلا عندما وافقت شادية على تكريم مهرجان القاهرة السينمائى لها فى منتصف التسعينيات، وأعلنت فى كل الجرائد حضورها الحفل، تدخل الشعراوى فى اللحظات الأخيرة وطلب منها الاعتذار، وهو أيضا الذى دفع حسن عابدين للاعتزال. لا يجوز أن نثمن لرأى داعية يبيح الفن، بعضهم بالمناسبة يعزف آلة موسيقية أو يغنى، إلا أنهم متحفظون وأحيانا متحفزون فى إطلالتهم على الفن، يحرمون أغنية مثل (غاب القمر) لشادية أو (على حسب وداد قلبى) لعبدالحليم، شادية لأنها خرجت مع ابن عمها فى أنصاص الليالى بعد غياب الشمس، وعبدالحليم بسبب مقطع (لا ح أسلم بالمكتوب)، فهو فى وجهة نظرهم يتحدى القدر. لن يتوقف هؤلاء عن اقتحام تلك المعارك، مثل معز مسعود عندما تزوج قبل نحو عامين من شيرى عادل، كتبت يومها فى تلك المساحة، أنها مع الزمن ستتحجب، ثم تبدأ فى ممارسة نوع معين من الفن، خطته لم تنجح مع شيرى، فقرر أن يثأر لنفسه فى زيجته التالية من حلا، ووجدها أسهل لأنها لم تتعاف بعد من 12 عاما ابتعدت عن الفن، وعاشت فى كندا تسيطر عليها أفكار رجعية. الخطة ممتدة بتحجيب الفن الفنانات، ولها عدة طرق، تبدأ بمقولتهم الشهيرة بأن الفن مثل السكين قد تستخدمها فى تناول الطعام أو تستخدمها فى قتل إنسان. الحكاية ليست بريئة ولا هى عشوائية، ولكننا مع الأسف نتعامل أحيانا بحسن نية مع تلك القضايا التى تستهدف تغيير قيم المجتمع، وهكذا يروج واجهة فنية مثل نقيب الممثلين للفن الذى يريده الشيخ الشعراوى، وهذا هو أول طريق الجحيم. [email protected] المقال: نقلاً عن (المصري اليوم).
مشاركة :