اختتم مؤخراً مهرجان أفلام السعودية، الذي انتظره صناع الأفلام منذ دورته الأولى التي افتتحت عام 2008، حينما كان العاملون في الحقل السينمائي السعودي مجرد هواة يحضرون المهرجانات الخليجية وتحديداً مهرجان دبي السينمائي، ومهرجان الخليج السينمائي، ليشاركوا بأفلامهم الصغيرة، تحت مظلة الدعم الإماراتي من خلال تلك المهرجانات. وقد واكب الحراك السينمائي في السعودية مع المهرجان الذي يقام «شرقها»، جهد مؤسس المهرجان الشاعر أحمد الملا الذي حرص على تطوير المهرجان وكان يصارع طواحين الهواء لاستمراره وانتزاع الدعم من هنا وهناك، في الوقت الذي كانت فيه أحلام السعوديين تتلخص في وجود صالات يستطيعون رؤية الأفلام العالمية من خلالها، فكانوا يقطعون المسافات نحو (البحرين والإمارات) لمشاهدة آخر ما توصلت إليه تلك الصناعة. من فعاليات مهرجان أفلام السعودية من فعاليات مهرجان أفلام السعودية دورة استثنائية بعد مرور ما يقارب ثلاثة عشر عاماً على المهرجان الأول، نجد أن الدورة السابعة من المهرجان جاءت استثنائية في ظروف انتشار الوباء عالمياً، ولكن التزام فريق «مهرجان أفلام السعودية» بتطبيق كافة الإجراءات الاحترازية ومعايير السلامة وإصرار مدير المهرجان على أن تقام هذه الدورة بشكل واقعي وكذلك افتراضي، جعل الحضور يبتهج بالتواجد في مركز الملك عبدالعزيز العالمي «إثراء»، الذي شهد إقامة الورش المتخصصة إضافة لمعمل تطوير السيناريو القصير والطويل، وبرنامج خاص بمخيال الصحراء - ثيمة الدورة السابعة من المهرجان- بأربع ندوات متخصصة عن أهمية الصحراء في السينما السعودية وضرورة استثمارها من قبل صناع الأفلام، وكذلك ثلاث ندوات أساسية شارك فيها نقاد على مستوى العالم العربي بعضهم بشكل افتراضي وبعضهم حضوري. خلاصة تجارب كما قدمت «الشخصيتان» المكرمان في الدورة السابعة (المخرج السعودي مأمون حسن، والمخرج البحريني بسام الذوادي) خلاصة تجاربهما عبر دروس تفاعلية مع صناع الأفلام فيما يسمى «ماستر كلاس»، حيث تحدث كل منهما عن أهمية التعامل مع الكاميرا، وكيف تستطيع أن تكون مخرجاً ناجحاً. كما نجح مهرجان هذا العام أيضاً في تسويق الأعمال الفنية المشاركة سواء كسيناريو أو فيلم يتم عرضه ضمن القنوات التي شاركت في السوق وكان عددها ما يقارب 21 جهة فنية شاركت في سوق الأفلام، نتج عنها 6 اتفاقيات تطوير وتسويق حقوق الملكية الفكرية، و10 اتفاقيات توزيع، أشرف عليها المخرج السعودي عبدالجليل الناصر. برامج افتراضية ونظراً لنجاح الدورة السادسة في إقامة المهرجان بدورة افتراضية كاملة، نظّم مهرجان أفلام السعودية لعام 2021 عدداً من الفعاليات على قناة المهرجان منها عرض بعض الأفلام المشاركة، وكذلك برامج خاصة بالقناة منها (كتاب المهرجان، مقهي الأفلام) واستوديو المهرجان الذي كان يقدمه الفنان إبراهيم الحجاج من خلال حوارات مع صناع الأفلام وضيوف الحدث. وقد اختارت إدارة مهرجان أفلام السعودية أن تطلق اسم جائزة «عبدالله المحيسن» لأفضل فيلم، حيث كان المخرج عبدالله المحيسن الشخصية المكرمة في الدورة الأولى عام 2008، وبهذه المناسبة قال إنها لفتة تجعلني أدعم كل شاب نال هذه الجائزة، وأشعر بأنه امتداد للفكر السينمائي الصحيح، ولهذا سأبذل جهدي لدعمه، لتحقيق طموحات البلد في خروج جيل واعٍ يدرك كيفية التعامل مع الفن السينمائي، وهي مسؤولية أخرى تُضاف في حياتي. تحد كبير وعن الفارق الزمني ما بين مهرجان 2008 ومهرجان 2021 قال المحيسن: الواقع يؤكد أن إنشاء المهرجان يمثل تحدياً كبيراً قام به أحمد الملا، وأنا أتذكر أنه في سبعينيات القرن الماضي كان زملاؤنا النقاد العرب يسألونني: لماذا لا تنظمون مهرجان سينما في السعودية؟، فكنت أقول لهم: سيأتي الوقت الذي يُقام فيه مهرجان سينما في السعودية، ولهذا عندما أبلغني أحمد الملا عن تنظيم أول دورة من مهرجان أفلام السعودية كنت سعيداً للغاية لأنني سأشارك في تلك الفعالية، وكان هذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لي، وبذلت الجهد ليكون إطلاق الدورة الأولى للمهرجان بمثابة محاولة حقيقية لإثبات الذات وصناعة السينما في السعودية، وعندما شاهدت النسخة السابعة من المهرجان انبهرت لوجود شباب مؤهلين لصناعة سينما مختلفة. نقلة نوعية رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون المكلف، عبدالعزيز السماعيل قال «إن تطور المهرجان لم يقف عند التنظيم فحسب بل تعداه، حيث تميز المهرجان في اختيار الأسماء المشاركة سواء على مستوى الأعمال الفنية أو على مستوى أعضاء لجان التحكيم في المسابقات المختلفة، وهو ما يؤكد وجود نقلة نوعية في المهرجان»، مشيراً إلى أن «مهرجان أفلام السعودية» هو المهرجان الأبرز على مستوى الخليج خاصة في مجال الأفلام القصيرة، ولهذا فكلنا سعداء بهذا التنظيم الراقي والمُتقن. وعن الأفلام المشاركة قال السماعيل: وجدت في الأفلام الطويلة فارقاً مهماً ومحاولات لصناعة أفلام محلية تعكس الواقع المحلي ومشغولة بهموم المواطن السعودي، وأعتقد أن الأفلام الطويلة تسير في الاتجاه الصحيح سواء على مستوى الكُتّاب أو الممثلين أو المخرجين، وهو ما يبشر بتطور أكبر خلال السنوات القادمة لتمس قضايا أكثر أهمية، أما على مستوى الأفلام القصيرة فقد شاهدت عدداً من الأفلام الجيدة ولكنها لم تخرج كثيراً عن نمط الأفلام القصيرة التي تم إنتاجها خلال الأعوام السابقة باستثناء فيلم أو فيلمين على الأكثر. وأضاف السماعيل أن مهرجان أفلام السعودية مهرجان قادر حتى الآن على إثبات حضوره في ظل تميز صناع الأفلام في المملكة العربية السعودية، وأشار إلى أنه في ظل رؤية المملكة 2030 حدث انفتاح للاستفادة من رؤى الشباب السعودي، فالسعودية بها قوة تنوع غير عادية وكثافة في المواهب، فضلاً عن قوة الإنتاج والحركة السينمائية المتفوقة وقد يستمر تفوقها في صناعة السينما على مستوى دول الخليج العربي. آفاق واسعة المخرج البحريني بسام الذوادي، قال في ختام المهرجان: أُعجبت للغاية بتنوع فعاليات المهرجان، وأبهرتني الورش التي تم تنظيمها على هامشه، أما برنامج «سوق الإنتاج» فكان رائعاً بكل المقاييس، وقد حقق المهرجان حلم كل سينمائي، حيث فتح آفاقاً واسعة ليس فقط لصناع السينما السعودية، وإنما لصناع السينما الخليجية أيضاً. وأضاف الذوادي: لفتت نظري أيضاً ورش العمل التي أُقيمت على هامش المهرجان، وكانت ثرية للغاية، إضافة إلى إصدار المهرجان مجموعة من الكتب المميزة والمهمة، وكلها أمور مهمة للثقافة السينمائية وللأجيال القادمة، وبشكل عام فقد أسهم المهرجان في تجميع شخصيات فنية من منطقة الخليج العربي، ومن العالم كله، كما جعل اسم السعودية يتردد في كل الدنيا. وختم حديثه بأن الإنتاج السينمائي السعودي أصبح خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر حرفية ومهنية، واليوم نرى الكثير من الأسماء اللامعة في مجال الفن، وأصبحت لدى السعودية عروض سينمائية عالمية، وجهات إنتاج مهنية تعمل على صناعة أفلام تستحق المشاهدة.
مشاركة :