تمثل إعادة تمويل عجز الموازنة أكبر تحد يواجه الجزائر التي تعيش أزمة مالية تعود بالأساس إلى اعتمادها المفرط على إيرادات النفط رغم أن البنك المركزي أقر برنامجا لزيادة الاقتراض عبر طرح سندات وتحفيز البنوك على تقديم تسهيلات ائتمانية أكبر، في ظل إصرار البلاد على التمسك بموقف عدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي حتى في أشد أزماتها. الجزائر - تواجه الجزائر عراقيل كثيرة أمام تنفيذ خططها المتعلقة بتمويل العجز في الموازنة وإنعاش الأنشطة الاقتصادية بعد الجائحة بسبب تراجع إيرادات صادرات الطاقة التي تعتمد عليها بشكل كبير في تسيير شؤون البلد رغم تعافي الأسعار في الأسواق العالمية. وحتى تتفادى طباعة النقود كما كان الحال في السابق خلال حكم الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، تتسلح الحكومة بقانون جديد دخل حيز التنفيذ بداية الشهر الجاري يتعلق ببرنامج لإعادة تمويل الاقتصاد يبلغ قيمته نحو 2.1 تريليون دينار (15.5 مليار دولار). وتتوقع الجزائر عجزا بمقدار 22 مليار دولار في موازنة 2021، أي ما يعادل 13.57 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. محمد حميدوش: البرنامج قد يساعد في تعزيز قدرات البنوك على الاستثمار ويرتبط الاقتصاد الجزائري بشكل عضوي بعائدات النفط، وقد تأثرت الجزائر بشكل كبير بالتراجع الكبير لأسعار النفط في السوق الدولية منذ 2014 إذ تراجعت مداخيلها إلى النصف وباتت في حدود 30 مليار دولار سنويا بعدما كانت بين 60 و70 مليار دولار قبل ست سنوات. وتمثل عائدات النفط والغاز 93 في المئة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي. وقد بلغت الصادرات غير النفطية في العام الماضي نحو 2.26 مليار دولار، مقابل 23 مليار دولار هي صادرات المحروقات. ويتضمن البرنامج بشكل أساسي طرح سندات في السوق المحلية مع دفع القطاع المصرفي باتجاه تقديم المزيد من القروض للمشاريع الاستثمارية من خلال تسهيلات ائتمانية وحوافز للشركات ورجال الأعمال وحتى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتؤكد الخطوة مكابرة الجزائر ورفضها اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، والتي لفتت انتباه المحللين طيلة الأعوام الأخيرة رغم تسارع انحدار أوضاعها المالية وبدا فيه الاقتصاد عاجزا عن مواجهة تبعات الأزمة الصحية وتبعاته المدمرة على عائدات الطاقة. ورسم صندوق النقد في مايو الماضي صورة قاتمة عن اقتصاد الجزائر، إذ تحتاج التوازنات المالية للدولة سعر نفط بحوالي 160 دولارا للبرميل، وهو أمر يبدو مستحيلا، في ظل قيود تحالف أوبك+، وهو ما يجعل بلوغ نمو عند نحو 3.9 في المئة هذا العام صعبا. ورغم تفاؤل البعض بجدوى الخطة الجديدة التي يتبناها الرئيس عبدالمجيد تبون، لكن آخرين يعتقدون أن الحكومة بحاجة إلى خطوات جريئة، إذ مع انهيار النفط والاضطراب المرتبط بالوباء، قد تواجه الجزائر البالغ تعداد سكانها 44 مليون نسمة عاصفة اقتصادية في أي لحظة. العائدات النفطية أهم ركائز الاقتصاد الجزائري العائدات النفطية أهم ركائز الاقتصاد الجزائري ويرى خبير الاقتصاد محمد حميدوش أن البرنامج الخاص لإعادة التمويل الذي اعتمده بنك الجزائر المركزي كفيل بتعجيل وتيرة الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد الوباء وذلك من خلال تعزيز قدرات البنوك على الاستثمار. ونسبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إلى حميدوش قوله إن “هذا البرنامج المفيد للغاية ومن شأنه أن يساهم في ارتفاع مستوى القروض بحلول نهاية 2022 بحوالي 25 في المئة، وهي نسبة أفضل بكثير من تلك المسجلة خلال الفترة 2015 – 2018 لكن أقل نسبيا من تلك المسجلة سنة 2014”. وأشار إلى أن هذا المستوى من تدفق السيولة البنكية الموجهة لتمويل الاقتصاد سيسمح بتحسين النمو الاقتصادي في 2022 من 10 إلى 15 نقطة. وتقول الحكومة إن البرنامج سيعمل على توفير السيولة على المستوى البعيد وشراء الأسهم لدى السوق المالية وإطلاق برامج التيسير الكمي مثلما قام به البنك المركزي الأوروبي أو الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي). وثمة مخاوف من أن يؤدي البرنامج إلى خطر محتمل لضغوط تضخمية، حيث يبلغ معدل أسعار الاستهلاك حاليا نحو 3.9 في المئة، في حين تتوقع الموازنة تضخما عند 4.6 في المئة بنهاية العام. ويعتقد حميدوش أن البرنامج لن يكون مصدرا لأي قلق. وقال “لا توجد أي مخاوف مرتبطة بهذا البرنامج لأن نسبة الخصم والاقتراض بنسب ثابتة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي الثابت يجب أن تكون أقل من 20 في المئة وبالتالي فإن بنود كشف الميزانية لا تبين أي مخاوف”. أرقام عن اقتصاد الجزائر ● 23 مليار دولار إيرادات الطاقة بعد أن كانت قبل 2014 بين 60 و70 مليار دولار ● 22 مليار دولار العجز المتوقع في موازنة 2021 ● 3.9 في المئة نمو متوقع للناتج المحلي الإجمالي هذا العام ● 4.6 في المئة معدل التضخم المتوقع بنهاية العام الجاري ● 47.5 مليار دولار احتياطات نقدية متوقعة بنهاية العام 2022 لكن يبدو أن التحدي الأكبر سيكون متعلقا بإعادة تنشيط شركات القطاعين العام والخاص، والتي راكمت منذ العام الماضي الكثير من الديون وتراجعت مداخيلها وأرقام معاملاتها بسبب جمود نشاطها. وتشير بيانات الاتحاد الوطني الجزائري للمقاولين، وهو تكتل يمثل الشركات المحلية، إلى أن نشاط الشركات الاقتصادية العامة تراجع بنسبة ما بين 18 إلى 25 في المئة خلال 2020 بسبب تداعيات الوباء. وقال رئيس الاتحاد الأخضر رخروخ في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية إن “جزءا كبيرا من حجم القروض التي استفادت منها الشركات يستخدم في تقديم خدمات مدعمة من قبل الحكومة وبالتالي فإن الشركات تجد نفسها في خسارة”. وأضاف “من الطبيعي أن تتراكم ديونها وتضطر الحكومة لمسح هذه الديون لأنها مؤسسات اقتصادية ذات طابع عام ولا يمكن أن تتخلى عنها الدولة”. وأوضح أن الحكومة لا تفرق بين المؤسسات العامة والخاصة حيث تتساويان في القروض الممنوحة من قبل البنوك، مشيرا إلى أن الشركات الخاصة التي تواجه مشاكل اقتصادية بإمكانها الاستغناء عن العمال عكس الشركات العامة التي يمنع طابعها ذلك. وتشكل شركات القطاع العام ما بين 25 و30 في المئة من النسيج الاقتصادي في الجزائر دون احتساب الشركات الناشطة في قطاع المحروقات والبنوك والاتصالات وهو رقم كبير وتأثيره في النهوض بالاقتصاد المحلي كبير جدا. وبلغت احتياطات البلد النفطي من النقد الأجنبي ذروتها منتصف 2014 عندما تجاوزت 194 مليار دولار، لكنها سرعان ما تهاوت بفعل الأزمة النفطية. وتتوقع الحكومة أن ترتفع اعتبارا من 2022 لتصل 47.5 مليار دولار ثم إلى 50 مليار دولار في 2023.
مشاركة :