صدر عن مجلس الوزراء قراران مهمان الأول يتعلق بتعديلات تشريعية تهدف إلى تعزيز الحقوق وسيادة القانون ومواكبة متطلبات التنمية، والثاني الموافقة على الخطة الوطنية لسوق العمل 2021-2023 والتي تهدف إلى خلق فرص عمل نوعية وجعلهم الخيار الأفضل للتوظيف. هذه قرارات لها أهميتها بالرغم من أن الوقت مازال مبكرا لمعرفة ما هي القوانين والتشريعات التي سوف يعاد النظر فيها وكيف سيختلف القرار في جعل البحريني الخيار المفضل. إلى أن تتضح ما هي التشريعات المقصودة يمكن القول بأن مجرد التفكير في تعديلها لتعزيز الحقوق وسيادة القانون هو في حد ذاته أمر مهم، والاهم هو ربطه بمتطلبات التنمية. هذا الربط يعني أننا أمام تصور أكثر شمولية للتنمية وليس فقط التنمية الاقتصادية، حيث إن تعديل التشريعات لصيانة الحقوق وسيادة القانون لها مدلولاتها الإيجابية وتمثل مرتكزا لجميع أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. في هذا المقال سنتناول الشق المتعلق بالخطة الوطنية لسوق العمل. تهدف الخطة إلى خلق فرص عمل للمواطنين وتعزيز البحرنة. في هذا الصدد يقول وزير العمل: «إن العمل جاري على توظيف 25 ألف بحريني وفق ما جاء في قرار الحكومة وأن الوزارة تمكنت من توظيف 12600 بحريني في 6 أشهر، وإلحاق 5000 مواطن للتدريب»، أي تتحدث الخطة عن 17.5 ألف مواطن ما يعادل 12% من القوى العاملة، ونتساءل، كما تساءل الأستاذ جمال فخرو، هل هذه الأرقام توظيف جدد أم انتقال من وظيفة إلى أخرى؟ إن كان توظيف جدد فإنه يمثل تحسنا كبيرا في الأرقام عن الأعوام السابقة. ويرى وزير العمل أن الاقتصاد يخلق فرص عمل تحتاج إلى مهارات يطلبها رجال الأعمال. نأمل أن تؤدي الخطة الوطنية لسوق العمل إلى رفع كفاءة السوق وتحضير الكوادر والمهارات المطلوبة وتحسين القدرة التفاوضية للعمالة البحرينية. هذا يعني أن الخطة الوطنية لسوق العمل لا ينبغي أن تقتصر على قوانين وإجراءات سوق العمل وتعاملها مع الشركات والباحثين عن عمل، فهناك نسبة كبيرة من العاطلين تحتاج إلى برامج تدريب وتأهيل مكثفة، فكيف ستتعامل الخطة الوطنية مع قضية التعليم والتدريب؟ موقع هيئة تنظيم سوق العمل يحدد السياسات التي سيعتمد عليها في تنفيذ الخطة ومنها «تدريب الموارد البشرية الوطنية»، وتعتبره أمرا حاسما في نجاح الخطة. غير أنه مازال هناك حاجة إلى التغيير في مناهج التعليم والتدريب لتخريج نوعية مناسبة من الخريجين قادرين على المنافسة في سوق العمل، نأمل أن تتمكن الوزارة من التأثير في سياسات التعليم، من خلال عضويتها في المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب، وتحدث تغيير في المناهج وأسلوب التدريس ليواكب متطلبات التنمية، بالإضافة إلى ذلك نجد أن الخطة الوطنية لا تمنح هيئة تنظيم سوق العمل ووزارة العمل أي أدوات لجعل البحريني الخيار المفضل، فكيف ستحقق ذلك؟ هل من خلال تشريع بتخصيص وظائف للبحرينيين؟ أم بوضع حوافز لرجال الأعمال لتوظيف بحرينيين؟ وما تأثير ذلك على إنتاجية الشركة وتنافسيتها في حالة فرض التوظيف؟ هذا يقودنا إلى التفكير في معالجة قضية التنافس في السوق على الوظائف بين البحرينيين والعمالة الماهرة الوافدة. تقدم أحد النواب باقتراح بتخصيص مهن معينة للبحرينيين. هذا قد يكون أحد الخيارات، لكنه يطرح تساؤلا حول تنافسية صاحب العمل، وتنافسية الاقتصاد. إذا كانت التنافسية تعتمد على الإنتاجية، فكيف نعالج ضعف إنتاجية بعض البحرينيين والتي عادة تكون وليدة التعليم والتدريب وفرص الممارسة والبيئة القيمية في المجتمع والتوجه الفكري السائد. صاحب العمل أمام ثلاثة خيارات: استقدام وافد على مهارة وإنتاجية مناسبة بأجر مناسب؛ أو توظيف بحريني يحتاج إلى مزيد من التدريب والتأهيل؛ أو توظيف بحريني مؤهل لكن براتب مرتفع؟ هذه معضلة تحتاج إلى التعامل معها في الخطة الوطنية ومناقشتها في ضوء تخصيص وظائف للبحريني وينبغي إيجاد جواب لا ينتقص من تنافسية صاحب العمل وفي الوقت نفسه لا يحرم البحريني من الخبرة التي سيكتسبها من فرصة العمل هذه؟ هذا يعني الحاجة إلى تشريعات تجعل المنافسة في سوق العمل متكافئة إن لم تكن في صالح البحريني. اختارت اللجان عددا من التشريعات (111 تشريعا) لمعالجة قضية عدالة المنافسة وجعلها في صالح البحريني؟ فهل ستنجح في ذلك؟ ما يشجع في الخطة الوطنية (وفق آخر تحديث 19-04-2018) أن هيئة تنظيم سوق العمل تضع الحوار الاجتماعي ضمن سياساتها السبع، لذلك نرى أن تأخذ الهيئة المبادرة وتطرح هذه التساؤلات وغيرها للتشاور العام وتقييم نتائجه والاستفادة منها في معالجة هذه المعضلة وغيرها. تتأثر كفاءة سوق العمل بعدة عوامل منها الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة ونظام الفيزا المرنة التي طرحت أعدادا كبيرة من العمالة في السوق، مما يقلل الأجور وتجعل البحريني خارج المنافسة كونه لا يمكنه العيش بالأجور المطروحة. كذلك يتأثر سوق العمل بإعداد الشباب المتزايد الباحث عن عمل، وكثرة الباحثين عن عمل من التخصص نفسه، هذا في حد ذاته يضغط في اتجاه تقليل الأجور. كل هذه العوامل ترفع مستوى التنافس على وظائف محدودة وتضغط على الأجور. من العوامل الأخرى المؤثرة في كفاءة سوق العمل توافر حوافز للعامل البحريني وصاحب العمل لرفع إنتاجية رأس المال البشري من خلال التدريب واكتساب الخبرات، بالإضافة إلى قيام وزارة العمل ببرامج تدريب ترفع المهارات في القطاعات المستهدفة، معالجة هذه العوامل وغيرها ستكون صعبة من خلال الخطة الوطنية لسوق العمل، وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل لا تملك الأدوات لخلق فرص عمل، فما لم تكن هناك خطة وطنية لتنويع الاقتصاد نحو التصنيع تقودها الحكومة بمشاركة القطاع الخاص مع دور لغرفة التجارة والصناعة، فإن الخطة الوطنية لسوق العمل ستواجه صعوبة في تقليل البطالة وجعل البحريني الخيار المفضل في اقتصاد يقوم على الخدمات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. drmekuwaiti@gmail.com
مشاركة :