ثائرة اكرم العكيدي حين نقول إن هناك أزمة ثقافة فإننا نعني فهم المثقف لمعنى أن يكون مثقفاً في عصرٍ ما ومجتمعٍ ما. لا يخفى على أي أكاديمي أو ناشط اجتماعي يعمل داخل حقل الثقافة في مجتمعنا العراقي مايراه اليوم من اننا ومع الاسف الشديد نعيش أزمة ثقافة وبالاخص ازمة ثقافة العنف بكل مجالاته وذلك نتيجة الثقافة الهشة تنتج عنها أنصاف المثقفين .صحيح انه لايوجد مثقف مثالي لكن اليوم بتنا بأمس حاجه الى اشخاص مثقفين يساهمون في صناعة الواقع وتغييره إلى الأفضل هل نحن بحاجة إلى السياسي أم المثقف لتسوية الأوضاع التي يمر،بها البلد هل ما نعيشه من تخلف وتدهور على كل المستويات هو نتاج تخلف المثقفين أم تدني النخب السياسية.وحين نتحدّث عن الثقافة في العراق، فإن الإشكالية تكمن في كل مايدور من حولنا من سلسلة اغتيالات وقتل واضطهاد وتفجيرات حين نقول إن هناك أزمة ثقافة نعني ازمة ثقافة التعايش السلمي .فما هو موقف المثقّف العراقي من كل هذه التحوّلات ليس المقصود الموقف الأيديولوجي، إذ إن أغلب المُشتغلين في المجال الثقافي والصحفي منتمين إلى أحزاب مختلفة ومُتناحرة، إن فوضى الحُكم الطائفي والمُحاصصة جعلت من المثقّف في دوامةٍ كبيرة، فهو يستطيع قول الحقيقة ولكن من دون تأثير في المحيط الاجتماعي . وهنا نرى أن المثقف ليس بوصلة المجتمع والعامة من الناس، بل رجل هو الدين الذي رسم خطوط الصراع والقتال وفق الرؤية التاريخية التي تنصّ على أن الحقيقة تكمُن في الماضي. وأن كل ما يحدث مرسوم وفق خطة إلهية. رغم ألا أحد ممَن يتحدث بهذا المنطق مُطلع على دفاتر التاريخ وسردياته، وهذا يعني أن الثقافة الشعبية هي من ترسم وتبرر ظواهر الأحداث وتواترها الجدلي الشفاهي من دون فحص علمي. التخلف الاجتماعي هو من قضى على ثقافة التعايش السلمي وشجع على ثقافة العنف وهو إشكالية كبرى ينبغي أن نستكشفها وندرك تجلياتها في الواقع المعيش، وهو نتاج لمنظومة من الأفكار والمعتقدات والقيم والرموز التي غالبا ما تكون مرتبطة بالجهل والفقر. وهنا تحولت الثقافة العراقية إلى ثقافة سوداوية مأساوية تنقل الواقع المأساوي الذي عاشه ويعيشه الشعب العراقي في ظل الحروب والاحتلال وسطوة الإرهاب وإفرازات الاحتراب الداخلي بكل أشكاله، وهي بالتأكيد ثقافة غير منتجة بعد ان غاب عن أبجدياتها، الفلاح وأرضه والعامل ومصنعه والطالب ومدرسته، ولا نجد فيها غير الحروب والموت واليتم، هناك قول مأثور يقول (الأمة التي لا تنتج غذاءها لا تنتج ثقافة) المثقف العراقي يعيش الآن حالة من الارتباط اللاارادي مع عقدة الماضي القريب، ولا زال وعيه الثقافي يجتر ما عاناه مجتمعه من حروب وانتكاسات في العقود القليلة الماضية، كونه كان ولا يزال جزء فعالا من هذه المرحلة العصيبة التي لا زال يمر بها العراق، وقد عاش تفاصيلها في حالة وعي ناضجة تختلف عن الكثيرين ممن حوله، وحين أتيح المجال للمثقف الحقيقي الوطني الصادق وبدون قيود او بوابات سوداء، لم يجد مادة دسمة ينهل منها في واقعه الحالي غير المأساة، فجادت قريحته بثقافة بكائية كان الحزن والموت والدماء عنوانها العريض، إنها ليست مشكلة المثقف لوحده بل هي مشكلة دولة اعتمدت على النفط كوسيلة وحيدة لمعيشة شعبها، وعطلت مرافق الحياة في هذا البلد، وجعلت العراق بكل ارثه الحضاري والإنساني رهين بهذه المادة السوداء. الواقع العراقي على مدى 18 عاما بما يؤكد هذا القول. ولعلك لا تكاد تسمع يوما يمر، من دون أن تسيل دماء الأبرياء في كل المحافظات، والقاسم المشترك الوحيد بين واقعة وأخرى هو الفاعل المجهول دوما، وبيانات الشجب والاستنكار ولا شيء آخر. ولعل اعظم المشكلات التي تسيدت وبشكل كبيرفي مجتمعنا العراقي هي ثقافة العنف الاجتماعي والاسري والتي انتشرت في السنوات العشر الاخيرة بأعتباره سلوكاً إيذائياً يقوم على إنكار الآخر ويتم من خلال استعمال العنف اللفظي أو الجسدي والاعتداء على الآخرين والتطاول على القانون بل وضربه عرض الحائط من أجل تحقيق مصالح شخصية غير مشروعة ، ظاهرة العنف في مجتمعنا مشاجرات جماعية ، جرائم عشوائية ام تقتوم برمي اطفالها من على الجسر ويموتون ميته بشعه زوج يحرق زوجته ابن يقتل اباه بدافع الارث والمال زوجه تقتل زوجها بسبب انعدام الاخلاق عنف الطرقات واللانظام ، تبادل السب والشتيمة هذه الجرائم الجسدية والنفسية والمعنويه امست يوم بعد يوم بالازدياد بشكل كبير خلال هذه الفترة. ان ما تعرض له مجتمعنا من هزات وحروب وكوارث طبيعة وبشرية، كالاحتلال ودخول داعش وشيوع الجريمة والفساد والقتل والنزاعات العشائرية تركت بصمة خطيرة على حياة المواطن العراقي فأثارة في نفس الفرد العراقي نار الحقد والعنف والتطرف الذي زاد من المعاناة الإنسانية غير أخلاقية واجتماعية، فضلا عن اهدارها لكافة الحقوق الإنسانية والدينية وعلى راسها الحق في الحياة والتسامح بين الأفراد. ولعل اهم اسباب هذا العنف عدم شعور الفرد بتحقق العدالة وفقدان الارتياح وشيوع الظلم ، الشعور بالتهميش عدم سماع صوت الفرد وأحسب أنه الأهم من ذلك كله هو الفراغ والإحساس باللامبالاة وعدم تثمين الوقت وغياب محاسبة الاهل وعدم وجود نظام المساءلة المجتمعية والأخلاقية من أبرز ما يسيطر على عالم أولئك المتسببين بالعنف ، كما لفتت بعض الدراسات بأن العنف يتمركز في نمطين اثنين هما الاجتماعي والسياسي وينتج عن أسباب مالية أو عائلية أو ثارات أو بدافع الغيرة ، أو اعتداء على مصالح شخصية، أو يكون لأسباب عاطفية ونفسية. وللحد من هذه الظاهرة أو القضاء عليها علينا أن نعمل على تعزيز الوازع الأخلاقي والانساني من خلال التعايش السلمي داخل الاسرة والمجتمع مع إعادة برمجة البيئة الاجتماعية بحيث تقضي على فكرة الفراغ المتاح أو تعمل على تقليصه إلى الحد الأدنى فالتعامل مع البيئة المحيطة مجردة من النزعات الضيقة وان جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات ولا فرق بينهم إلا بمقدار الوعي والتحصيل ، والعمل على ملء الفراغ عن طريق إيجاد سبل خدمة مجتمعية وعمل تطوعي مع اثارة ثقافة تقبل الآراء. السؤال الخطير الذي يواجهه المثقّف العراقي اليوم هو هل هناك إشكال أخلاقي يخصّ شخصية المثقف؟ بما أن النسق العام للثقافة العراقية ينحو إلى بيان الانتماء لفكرة الحكومة وليس الدولة المدنية، وليس هناك فيض معرفي يتجاوز حدود المرئي من الأشياء والأفكار إلا في حدود الترجمة وتداعيات الحراك الثقافي الغربي، وتأثير ذلك على منظومة التفكير المواطن العراقي. بطبيعة الحال هناك أسباب كثيرة وراء تخلف اغلب ابناء مجتمعنا ومن بين هذه الأسباب هو وجود نخبة مثقفة لا تقوم بدورها على مستوى التأطير والتوجيه والبناء الثقافي، والسبب الاخر هو تدني النخب السياسية، بحيث تجد أشخاص لهم نفود وسلطة، وليس لديهم علم ولا معرفة بالحياة، بل لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن أشياء تؤهلهم للقيام بمهامهم على أحسن وجه، لذلك من الضروري، أن يكون كل فرد مدركا لقدراته ولإمكاناته الذاتية وواعيا بما يقوم به وما ينبغي أن يقوم به، بحيث تكون المسافة بين ما نحن عليه وما نأمل أن نصل إليه قصيرة، نكون حينئذ قد قطعنا أشواطا في التميز الشخصي، لذلك فكل فرد فينا مسؤول بطريقة أو بأخرى في ما نعانيه من تخلف وعنف وتأخر على مختلف الأصعدة والمستويات، ولابد أن يكون اختيارنا للنخب السياسية اختيارا جادا حتى نحصل على نتائج مرضية على مستوى الإدارة والتسيير، فالذي لا يستطيع إدارة شؤونه الذاتية بكفاءة، فلن يستطيع إدارة شؤون العامة بكفاءة، لذلك فمن الواجب علينا كأشخاص فاعلين داخل حقل السياسة والاقتصاد والاجتماع، ان نبتعد عن التفاهة مهما كانت أغراضنا منها، ونشجع على طريق السلم والسلام وتاخي والتعايش السلمي بمعناه الحقيقي وملخص مقالتنا هو انه لا بد من وضع حلول واتخاذ تدابير مناسبة للقضاء على هذه الظاهرة من خلال اتخاذ الاجراءات اللازمة لتعظيم قيم احترام حق الآخر من خلال ثقافة تبادل الحوار العلمي والنقاش وإعادة الحقوق لأصحابها بالطرق السلمية وترسيخ ثقافة الوئام والتسامح في حياتنا ومناهجنا ، وفي كل مؤسسات المجتمع المدني ، والأهم من ذلك إشغال أوقات طلبتنا وشبابنا في المدارس والجامعات بما هو مفيد والابتعاد التام عن الشتيمة وسلاطة اللسان والتجريح والاسفاف والتهميش حتى نرتقي الى الامام لا الرجوع للخلف...
مشاركة :