خمس كلمات فقط قالها جلالة الملك المفدَّى حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، تُعَبِّر بصدق وشفافية عن تاريخ طويل لعلاقات مثالية رائعة بين البحرين وشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، فهي علاقات تسجِّل يوماً بعد الآخر موقعها في صفحات التاريخ كحالة فريدة من نوعها للعلاقات الجامعة بين بلدين. فعلاً فإن (العلاقات السعودية البحرينية لا تخضع للظروف)، فالدين والتاريخ المشترك والجوار الجغرافي والآمال المشتركة والإرث القديم والعلاقات الأسرية والقبلية وقرابة الدم التي تربط العائلة المالكة الخليفية بالعائلة المالكة السعودية، جعل منها علاقة عميقة جداً تتسم بالمتانة والثبات ووضوح الرؤى، وامتازت عن غيرها بقوتها وصلابتها أمام التحديات على مدى قرون طويلة، وأكدتها الزيارات المتواصلة لملوك المملكة العربية السعودية إلى البحرين منذ عام (1891م) وحتى يومنا الحاضر، والتي قدَّمت دروساً في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية النموذجية التي تصوِّر معاني الحب والأخوة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وتعكس حرص القادة على مدى الأجيال المتعاقبة على حفظ المصالح الأمنية والسياسية للمنطقة عمومًا، وخير دليل على ذلك هو الدعم الكبير والمؤثِّر الذي لقيته مملكة البحرين من شقيقتها السعودية في (فبراير 2011م) على كافة المستويات، حيث إن مصادر التهديد والخطر التي تواجهها (السعودية والبحرين) مشتركة، ومن ثم يتعيَّن على البلدين مواجهتها معاً، وأن ما يجمعهما من تاريخ وحاضر ومستقبل مشترك يجعل منهما كياناً واحداً يعمل بيدٍ واحدة لتحقيق الاستقرار والخير والرفاه لشعبيهما ولشعوب المنطقة، تلك هي القاعدة التي جمعت القيادتين والشعبين منذ فجر التاريخ وهو أمر لا يمكن أن يتكرر في تاريخ الأمم والشعوب. لذلك؛ فإن الكلمات الموجزة لجلالة الملك المفدَّى تحمل في طيَّاتها من المعاني الكثير ومن الأدلة الأكثر على قوّة وصلابة هذه العلاقات، حيث تتقاذف العلاقات بين الدول العديد من المشاكل التي تعكر صفوها ومسيرتها الثابتة لتحقيق المصالح المشتركة، فكما تُطلعنا أخبار الفضائيات على تعدّد المشاكل بين الدول إلا أن (العلاقات السعودية البحرينية) خرجت عن دائرة التوتر منذ عهود طويلة، وبقيت منجزاتها الراسخة وتطلعاتها الواعدة مبعث فخر واعتزاز للشعبين الشقيقين، ومثالاً متميزاً للعلاقات بين الدول، كما يعتبر مسار هذه العلاقات الممتدة جذورها عبر الحقب التاريخية الطويلة دليل على عمق الروابط الأخوية وانعكاس حقيقي للمواقف الثابتة بين البلدين والشعبين الشقيقين في ظل القيادتين السعودية والبحرينية عبر التاريخ الذي شهد تجاوزهما الكثير من التحديات والمخاطر المحيطة بهما من كل جانب؛ نظراً لايمانهما العميق بما يربط الشعبين من مصالح تحتم عليهما الوقوف بقوة وثبات أمامها. وكما قال جلالة الملك المفدَّى فإن العلاقات المتفرّدة بين البحرين وشقيقتها السعودية (لا تخضع للظروف)؛ لأنها علاقات صنعها ورسّخها الأجداد بوحدة مواقفهم، وهي علاقات مستمرة في النمو والازدهار وتقوم على قواعد ثابتة من الحب والعطاء والثقة أهمها: أولاً: إيمان مملكة البحرين بالدور السعودي المحوري في المنطقة والعالم في تثبيت دعائم الأمن السلام، وما تقوم به من جهود مستمرة تجاه تعزيز مبادئ الأمم المتحدة؛ كونها إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في (أكتوبر 1945م)، وحتَّمت عليها هذه المنطلقات الأمنية ودورها الروحي التزاماً تاريخياً ومعنوياً تجاه شقيقاتها دول مجلس التعاون وتجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية الذي ترجمته بمواقف واضحة أثبتت بأنها الحصن الحصين للسلم والأمن الدوليين. ثانياً: إدراك مملكة البحرين بأن تعزيز علاقاتها الثنائية مع السعودية سيدفع بها نحو آفاق أوسع تحقق للبلدين والشعبين مزيداً من الأمن والاستقرار وتعزيز جسور الثقة القائمة والذي أكَّده إنشاء (مجلس التنسيق السعودي البحريني) وتشكيل لجانه الفرعية والتي من أهمها (لجنة التنسيق السياسي، ولجنة التنسيق الأمني، ولجنة التنسيق في مجالات الاقتصاد والطاقة والتجارة والصناعة، ولجنة التنسيق في مجالات الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية، ولجنة التنسيق في مجالات الاستثمار والبيئة والبنى التحتية)؛ وذلك بهدف تحقيق التكامل الثنائي بين البلدين ليشمل كافة المجالات (السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية والعسكرية والأمنية) ومتابعة مراحل العمل في جميع المشاريع والمبادرات المشتركة، والذي جاء إنشاؤه في مرحلة صعبة تمرّ بها المنطقة ليؤكَّد على الأبعاد الاستراتيجية والأمنية والسياسية والاقتصادية بين البلدين وانعكاساتها على مجريات الأحداث المتسارعة وتطوراتها الخطيرة في منطقة الخليج العربي وكيفية التعامل معها لحماية سيادة المملكتين وحفظ مكتسباتهما الحضارية على الأصعدة كافة. ثالثاً: أهمية التنسيق السعودي البحريني المشترك على المستويات الخليجية والعربية والدولية حيال القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، من أجل مستقبل أفضل للبلدين من خلال الرؤية المشتركة للأحداث والتطورات المحيطة بهما، ووضع التصورات والخطط الاستراتيجية لمواجهتها والتصدي لها على كافة الأصعدة من أجل المحافظة على مصالح البلدين وأمنهما واستقرارهما. إن ما بين البلدين الشقيقين من تطابق في السياسات والمواقف تجاه القضايا الثنائية والخليجية والإقليمية هو انعكاس لما بين القيادتين الحكيمتين من تفاهم وتعاون وتنسيق واحترام متبادل، أدى إلى وقوفهما سداً منيعاً في وجه المؤامرات والمخططات التي تستهدف أمنهما واستقرارهما، خاصة أبان الأحداث المؤسفة عام (2011م)، والتي كانت تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بعد الذي شهدته العديد من الأنظمة العربية الكبرى من انهيار ودمار وصراعات وفوضى ودماء حتى اليوم بتأجيج من الولايات المتحدة الأمريكية وتدريب وتخطيط من إيران وتنسيق وتمويل من دولة قطر. لذلك تبقى العلاقات السعودية البحرينية أنموذجاً للعلاقات المثالية بين الدول، وتتويجاً لما يربطهما من وشائج وأخوة مبنية على إرث الآباء والأجداد جسدتها تولّي سمو الأمير سلمان بن حمد وأخيه سمو الأمير محمد بن سلمان رئاسة مجلس التنسيق المشترك الذي يشكل انطلاقة قوية في مسار العلاقات بين البلدين الشقيقين؛ نظراً لما يملكانه من أفكار لتعزيز العلاقات نحو آفاق جديدة تخدم أهدافهما المشتركة ووضع الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية والاستثمارية التي تعود بالنفع على بلديهما الشقيقين في المستقبل، والتنسيق المشترك في إدارة ومعالجة العديد من الملفات الإقليمية التي باتت تشكِّل هواجس تتطلَّب التنسيق والتخطيط في اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجتها بطريقة تحمي المكتسبات الحضارية التي تحقَّقت وتوظيف كل الإمكانات وكل الجهود لتحقيق مصالح الشعبين الشقيقين وتطلعاتهما وآمالهما الخيّرة نحو مستقبل أكثر إشراقًا، وهناك من يحاول تعكير صفو هذه العلاقات المثالية، ولكن تبقى هذه المحاولات خارج حدود هذه العلاقة وبعيدة كل البعد من المساس بها لإدراك القيادتين بأن المصير المشترك والمصالح العُليا تقف حاجز وحصنًا حصينًا وسدًّا منيعًا أمام كل هذه المحاولات الرخيصة. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :