بدأت نحو 200 دولة مفاوضات عبر الإنترنت أمس للمصادقة على تقرير علمي للأمم المتحدة، سيؤسس لقمم مرتقبة خلال الخريف تعنى بمهمة تجنيب العالم كارثة مناخية على نطاق الكوكب. وبحسب "الفرنسية"، قال بيتيري تالاس رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لـ700 مندوب عبر تطبيق "زووم"، "إن التقرير الذي ستضعون اللمسات الأخيرة عليه سيكون مهما جدا على الصعيد العالمي". وذكر أن تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "أساسي جدا لنجاح مؤتمر جلاسكو حول المناخ في تشرين الثاني (نوفمبر)". وزادت موجات حر وجفاف قياسية وفيضانات ضربت ثلاث قارات في الأسابيع الأخيرة، وفاقمها الاحترار العالمي الضغوط، من أجل اتخاذ تدابير حاسمة. من جهتها، قالت باتريسيا إسبينوزا المسؤولة عن ملف المناخ في الأمم المتحدة في بيان معد مسبقا، "على مدى أعوام حذرنا من أن كل ذلك كان ممكنا، كل ذلك كان قادما". وتعقد مجموعة العشرين قمة مهمة على جدول أعمالها ملف المناخ في أواخر تشرين الأول (أكتوبر). وتغير العالم منذ آخر تقييم شامل صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ 2014 بشأن الاحترار العالمي في الماضي والمستقبل. وفي ظل موجات الحر والحرائق، تبددت الشكوك التي كانت سائدة في أن الاحترار يتسارع أو في أن المصدر بشري بالكامل تقريبا، إضافة إلى المفهوم الذي يعطي تطمينات زائفة إلى أن تداعيات المناخ هي مشكلات الغد. وفي عتبة أخرى منذ التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تم 2015 تبني اتفاق باريس الذي حدد هدفا جماعيا يقضي بالحد من درجة حرارة الأرض لتكون عند مستوى يتجاوز مستويات أواخر القرن الـ19 بـ"أقل بكثير" من درجتين مئويتين. ورفع التلوث الكربوني الناجم عن إحراق الوقود الأحفوري وتسرب الميثان والزراعة الحرارة بـ1.1 درجة مئوية حتى الآن فيما تزداد الانبعاثات مجددا بعدما توقفت لمدة وجيزة على خلفية تدابير الإغلاق التي فرضها كوفيد، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. كما وضعت معاهدة 2015 حدا طموحا بلغ 1.5 درجة مئوية، فيما افترض عديد من الجهات المشاركة في المحادثات أنه سيبقى مجرد هدف طموح وبالتالي سيكون من السهل تنحيته جانبا. وكشف تقرير خاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ 2018 عن مستوى الدمار الذي قد يتسبب فيه ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين بالنسبة إلى البشرية والكوكب. وقال الأستاذ في جامعة ماينوث بيتر ثورن الذي كان من أبرز الشخصيات التي صاغت تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، "إن 1.5 درجة مئوية باتت الهدف بحكم الأمر الواقع، ودليلا على تأثير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تشكيل السياسة العالمية في هذا الصدد". ووفق حسابات العلماء، يتعين خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 50 في المائة بحلول 2030 وأن تنتهي تماما بحلول 2050 لتبقى درجة حرارة الأرض ضمن نطاق 1.5 درجة مئوية. وقالت إسبينوزا "إن الحقيقة هي أننا لسنا على مسار تحقيق أهداف اتفاق باريس للحد من الاحترار المناخي، بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن". وأشارت إلى أن الاتجاهات الحالية سترفع درجة الحرارة أكثر من ضعف ذلك. كما أن العلم نفسه شهد تغييرات في الأعوام السبعة الأخيرة. وقال روبرت فاوتارد خبير المناخ، الكاتب البارز أيضا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومدير معهد بيار-سيمون لابلاس، "لدينا اليوم نماذج أفضل للتوقعات المناخية وعمليات رصد أطول مع مؤشر أوضح بكثير إلى التغير المناخي". ولعل الاختراق الأكبر هو ما يعرف بدراسات الإسناد التي تسمح لأول مرة للعلماء بتحديد سريع لمدى تكثيف التغير المناخي حدثا شديدا في الطقس أو إمكان حصوله. على سبيل المثال، تمكن تجمع "إسناد الأحوال الجوية العالمية" بعد أيام قليلة من موجة الحر الشديدة التي اجتاحت كندا وغرب الولايات المتحدة الشهر الماضي، من التوصل حسابيا إلى أن حدوثها كان أمرا مستحيلا تقريبا لولا الاحترار الذي تسبب فيه الإنسان. وبدءا من أمس، سينقح ممثلو 195 دولة بمساعدة علماء "ملخصا لصناع القرارات" مكونا من نحو 20 إلى 30 صفحة، سطرا سطرا وكلمة كلمة. سيستغرق الاجتماع الافتراضي المخصص للجزء الأول "المعني بالعلوم الفيزيائية" من التقرير المكون من ثلاثة أجزاء، أسبوعين بدلا من أسبوع كما جرت العادة، فيما يتوقع نشر الوثيقة في التاسع من آب (أغسطس). ويغطي الجزء الثاني من التقرير الذي سيتم نشره في شباط (فبراير) 2022 التداعيات. وحذرت مسودة تم تسريبها من أن التغير المناخي سيعيد تشكيل الحياة على الأرض في العقود المقبلة وإن تمت السيطرة على التلوث الكربوني المسبب للاحترار، ودعت إلى "تغيير جذري" لتجنيب الأجيال القادمة مواجهة وضع أسوأ بكثير. أما الجزء الثالث، الذي سيكشف عنه الشهر التالي، فيدرس الحلول لخفض الانبعاثات. وبناء على أبحاث منشورة، قد يتوقع التقرير الذي تجري مراجعته الأسبوع الحالي حتى وفق السيناريوهات المتفائلة "تجاوزا" مؤقتا لهدف 1.5 درجة مئوية. كما سيكون هناك تركيز على أحداث بـ"احتمال ضئيل وخطر كبير" مثل ذوبان الصفائح الجليدية التي قد ترفع منسوب مياه البحار بأمتار وتآكل التربة الصقيعية المحملة بغازات الدفيئة. وقال مدير معهد الأنظمة العالمية في جامعة إكستر تيم لنتون "إن التفاعلات التي تضخم التغيير أقوى مما اعتقدنا ولربما نقترب من نقطة تحول ما".
مشاركة :