حوار: جمال سالم أكد الداعية والفقيه، الدكتور أسامة السيد الأزهري أستاذ الحديث بجامعة الأزهر عضو المجلس التخصصي برئاسة الجمهورية في مصر - أن الإسلام مظلوم من أتباعه قبل أعدائه، ولهذا لا بد من تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وحذر في حواره مع الخليج من مزاعم من يطلقون على أنفسهم التنويريون الإسلاميون لأنهم يرددون مزاعم المستشرقين المعادين للإسلام.. وهاجم القائلين بأن الإسلام أباح الفحش من القول في التعامل مع الخصوم.. وانتقد من أساؤوا عرض الشريعة الإسلامية حتى جعلوا الناس تنفر منها.. وفيما يلي نص حوارنا معه: } الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية أصبحت أمراً مرعباً لدى البعض ممن هم في حاجة إلى طمأنينة في ظل حالات القتل والذبح والتخريب باسم الشريعة.. فما السبب؟ هذا يعود إلى سوء فهم وعرض البعض لشريعتنا التي نشرت التسامح والرحمة بين الناس ولهذا أقول: سامح الله تعالى من ضيّق الشريعة في وجوه الناس واختزلها في بعض العقوبات، وأغفل أصولها وجوهرها حتى ظنها الناس رعباً وظلاماً وغوغائية وتكفيراً، فأدى هذا إلى تنفير الناس منها لعجز المتكلمين عن الشرع الشريف عن تصويره على ما هو عليه، حيث آفاقه الرحبة وأبعاده الأخلاقية ومناهجه التشريعية والقانونية، التي تهدف إلى ربط الإنسان بربه، وكذلك توفير الرخاء والرفاهية له في الدنيا والآخرة، وللأسف تم تشويه الشريعة وجعلها منزوعة الروح، فما كان من المتلقي إلا أن نفر منها ولم يتقبلها عقله، ولهذا فإن اللوم على من أساء عرض وتقديم الشريعة بالأقوال والأفعال قبل أن نلقي اللوم على المرعوب منها. } هل هذا ما جعلكم تؤكدون في أكثر من برنامج فضائي أن الإسلام مظلوم من أتباعه قبل أعدائه؟ ما جعلني أقول ذلك كثرة الجهلاء الذين نصبوا أنفسهم متحدثين حصرياً باسم الإسلام، وراحوا يسيئون إليه بأفعالهم وأقوالهم، حتى وصل الأمر إلى جعل دين الرحمة حتى بالحيوانات ديناً يبرر ذبح البشر وإزهاق أرواح المخالفين في الدين والمذهب، بل والتوجه السياسي، وللأسف فإن الإعلام المعادي يظهر هؤلاء على أنهم يمثلون الإسلام، ما جعل نظرة العالم اليوم للإسلام على أنه مصدر للقلق والرعب بعد أن تحول بعض المسلمين إلى قطاع طرق باسم الدين. فهم مغلوط } اعترضتم بشدة على بعض الإسلاميين الذين قالوا: إن الإسلام أباح القبح والبذاءة والفحش في الحديث مع المخالفين.. فما سبب اعتراضك الشديد؟ هذا من أغرب الأقوال التي سمعتها، حيث افتروا على الإسلام بأنه يبيح للناس في أوقات التظالم والاختلاف أن يجهر بعضهم لبعض بأقبح الألفاظ وأشدها فحشاً، مع أن من يتأمل تعاليم الإسلام سيجد أمر الله تعالى أمراً عاماً بإحسان القول وطهارة اللسان، ولم ترد أي حالة استثنائية تتيح للإنسان أن ينفلت من الأخلاق، ألم يقرأ هؤلاء الأوامر الإلهية في قوله تعالى: وقولوا للناس حسناً، وقوله: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، ووصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ورسالته إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. لغة الاختلاف } ألا ترى أن كثيراً منا لا يجيد لغة الاختلاف ويعادي ويخون من يخالفه الرأي؟ للأسف الشديد هذا واقع سببه الجهل بالدين وسوء التربية وتراجع ثقافة المجتمع وإعجاب كل ذي رأي برأيه، مع أن الإسلام أمرنا بأن نترفع عن التهديدات والاتهامات المتبادلة وأن نبتعد عن حملات التشويه والاغتيال المعنوي وترويج الشائعات المهينة من كل طرف عن الطرف الآخر، ولهذا فإن الحل أن يرفع الجميع بإخلاص وصدق شعاراً عنوانه قول الله سبحانه وتعالى إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، أي أن تكون لديه إرادة الإصلاح الحقيقي وعدم اختلاط الإصلاح بالأمور الذاتية أو مزج الإصلاح بالانتصار للذات. }ألا ترى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحاكَم بجرائم بعض أتباعه رغم أنه يرفضها؟ للأسف هذه حقيقة، فكم من الجرائم عبر التاريخ ارتكبها أتباع الأديان السماوية والوضعية ومع هذا لم تنسب هذه الجرائم التي وصلت حد المذابح والإبادة الجماعية إلى الدين الذين يتبعه هؤلاء المجرمون، أما فيما يتعلق بالإسلام فإنه يتم الكيل بمكاييل أخرى، إذ ينسب كل ما هو سيئ من أفعال وأقوال بعض المتأسلمين المنتسبين ظلماً للإسلام إلى الدين ذاته، وكأنه أمرهم بهذا، وتلعب الآلة الإعلامية العالمية دورها في الترويج لهذه المعادلة الظالمة وقلب الحقائق وتزييفها لتشويه صورة الدين الحنيف الذي كله رحمة وتسامح وتعايش سلمي، وكل ما فيه مصالح البلاد والعباد وتعمير الكون والمحافظة على الأرواح البريئة. نظرة أحادية } هناك نظرة أحادية إلى التراث الإسلامي ما بين قبوله كله وإعطائه مسحة القداسة والعصمة وبين من يرفضه كله باعتباره لا يصلح لزماننا.. فما رؤيتكم لأصحاب هاتين النظرتين للتراث؟ أصحاب هاتين النظرتين للتراث على خطأ، ويتصفان بالتعصب المرفوض شرعاً وعقلاً لأنه يتنافى مع الموضوعية والاعتدال اللذين ينبغي أن يتصف بهما الإنسان المنصف الفاهم لعصره والمعتز بتراثه، ولهذا فإن القائلين بقبول التراث كله على خطأ، وكذلك القائلين برفضه كاملاً على خطأ وليسوا منصفين، والصحيح أن ننتقي من التراث ما يجب انتقاؤه بوعي، وأن يقوم بذلك المتخصصون المنصفون، وليس من قرأ كتاباً أو كتابين أو من لديه موقف مسبق من التراث ويتصف بنظرة أحادية مرفوضة شرعاً وعقلاً، لأن الشرع جاء للعقلية الناقدة التي تستطيع بناء حضارة ولم يأت لعقلية الجمود والتحجر التام أو الانفلات التام بلا ضوابط لتحقيق أهواء ومآرب شخصية. أدعياء التجديد } تصديتم لبعض من يدعون أنفسهم باحثين ومجددين إسلاميين.. فما رؤيتكم لأقوال هؤلاء الأدعياء؟ هؤلاء - مع احترامي لأشخاصهم - لديهم أطروحات مضطربة مندفعة مرتبكة تفتقد المنهجية والأخلاقية، ولهذا يسهل الرد عليها مهما كان قائلها، بشرط أن يقوم بالرد والتفنيد أهل العلم والاختصاص في العلوم الشرعية. } بعض المنتسبين للتيار الإسلامي المتعصب أباحوا دماء هؤلاء بعد أن كفروهم.. فما رأيكم في مثل هذه التصرفات؟ مع تقديرنا لغيرة هؤلاء على الدين وما يتعرض له من هجوم ظالم إلا أن هذا ليس الرد المناسب، وإلا فإن الإعلام سيتخذ من هذه الأقوال وسيلة للإساءة للإسلام ذاته وأنه دين يكفر ويبيح القتل، ولهذا واجبنا أن نزداد حلماً ورفقاً بالمخالف، بل إنني أطالب بأن يكون هذا الحلم والرفق أضعاف ما نبذله من الحلم وحسن الخلق مع الموافق، لأن الإسلام أمرنا بذلك في قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. بل إن التاريخ لا يحتفظ إلا بما كان متقناً مهذباً منهجياً ويذوب فيه ما كان مشوشاً، ولهذا لا بد من عودة الاحترام للعلم وقواعده وفتح باب النقد العلمي النزيه، فهذا ما يحرك العقول ويصنع العلم، أما محترفو اللعن وفحش القول فعملهم هذا غير مقبول بالمرة. } لا يوجد مصطلح تم الحديث عنه منذ سنوات بعيدة مثل تجديد الخطاب الديني فما معناه بإيجاز من وجهة نظركم؟ بإيجاز شديد ومن دون تعقيدات، معناه: إزالة كل ما يتم إلصاقه بالشرع الشريف من مفاهيم مغلوطة أو تأويلات منحرفة، وكذلك الرد والتفنيد العلمي الموضوعي للاتهامات القبيحة التي تصف تراثه ومناهجه وعلومه بالعفن والقمامة، ويجب أن يتم هذا التجديد عن طريق العلماء والمفكرين الإسلاميين المؤهلين، وأن نعيد صناعة العلماء المتمكنين وإنتاج الفقه والفكر المنير الذي يحافظ على مناهج الفهم ويحقق مقاصد الشريعة ويبني منظومة الأخلاق ويحفظ الوطن ويحقق العمران ويكرم الإنسان، فهذا هو التجديد الديني المبسط الذي يحق الحق ويبطل الباطل في كل زمان ومكان بعيداً عن المساس بالعقيدة. مقولات باطلة } بعض من يسمون أنفسهم التنويريين الإسلاميين يرون التجديد انفلاتاً من كل ما له علاقة بالماضي؟ مقولاتهم ظاهرها الحق والرحمة وباطنها الباطل والعذاب، لأنه لا يوجد دين احترم حرية الفكر وإعمال العقل وتشجيع الإبداع بكل ألوانه المفيدة للبشرية مثل الإسلام، ولهذا تمكن المسلمون الأوائل - من خلال تعاليم دينهم - من بناء العلم والمعرفة بل وصناعة أرقى حضارة إنسانية جمعت ثلاثية الدين والأخلاق والعلم. ولهذا فهو دين يرفض المنع والقمع والمقاضاة لأي أطروحة فكرية مهما كانت، بل إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر وصراع العقول المتفتحة مهما اختلفت مفيد على كل حال لأنه هو الذي يولد الحضارة. } يرفع أدعياء التجديد والتنوير الإسلامي - كما يحبون أن يطلق عليهم - شعار نحن رجال وهم رجال لنقد الأئمة ووصل الأمر إلى التطاول على الصحابة والتابعين.. فما قولكم بإيجاز؟ هؤلاء يلبسون الحق بالباطل وهم يعلمون، لأنه من البديهيات في الإسلام أنه لا عصمة إلا للأنبياء والرسل، أما غيرهم فلا تقديس للأشخاص ولا لمناهجهم ولا لكتب العلماء وإبداعاتهم وأفكارهم في كل العصور، لأنهم بشر غير معصومين وبالتالي فهم يصيبون ويخطئون، وإذا كنا نقول لا تقديس للأشخاص فإننا نرفض بالقوة نفسها التطاول عليهم وتسفيه أعمالهم والسخرية منهم وتدنيس كل ما اجتهدوا فيه حسب معطيات الزمان والمكان والبيئة التي كانوا يعيشون فيها، وبالتالي فإن هناك فارقاً شاسعاً بين من يقدم نقداً علمياً نزيها، وبين من يعتدي على من سبق، حتى وصل الأمر ببعض هؤلاء الأدعياء إلى وصف الأطروحات الفكرية للعلماء القدامى بأنها صندوق قمامة عفن ولا بد من حرق التراث لأنه سبب التخلف، فهل هذا إعمال للعقل أو نقد علمي أم أنه تدمير ممنهج يوصلنا للفوضى الخلاقة؟ } هل ترى علاقة بين ما يردده أدعياء التنوير وبين سموم المستشرقين عبر التاريخ ضد الإسلام؟ بالتأكيد، بل إنني أؤكد أن كل ما يقوله أدعياء التنوير الآن ما هو إلا مشاريع مستنسخة من شبهات المستشرقين وسبق إثارتها من قبل ويرددها المعاصرون من خلال الاعتماد على استراتيجية محددة تقوم على الاجتزاء والقفز من مسألة لمسألة والضجيج والتشغيب الفكري.
مشاركة :