تخلف المسلمين من صنع أيديهم

  • 10/16/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ صدع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً‮ ‬من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله‮.‬ خصوم الإسلام لم‮ ‬يتوقفوا‮ ‬يوماً‮ ‬عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه،‮ ‬وتشويه صورته،‮ ‬وصرف الناس عنه‮.‬ افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية،‮ ‬وقيمه الفاضلة،‮ ‬وغاياته النبيلة‮. ‬كما تكشف عن حقد دفين‮ ‬يستهدف الإساءة للدين وأهله،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم،‮ ‬وكشف زيفها‮. ‬ من تلك الشبهات والمزاعم، الادعاء بأن إصرار المسلمين على التمسك بتعاليم الإسلام، جعلهم‮ ‬يتخلفون في‮ ‬شتى مجالات الحياة،‮ ‬بينما تقدم‮ ‬غيرهم ونجح في‮ ‬بناء حضارة قوية مؤثرة في‮ ‬غيرها‮.‬ فما حقائق الإسلام التي‮ ‬تدحض تلك الشبهة،‮ ‬وتسقط ذلك الزعم،‮ ‬وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟‮‬ يؤكد الدكتور محمود حمدي‮ ‬زقزوق، وزير الأوقاف المصري‮ الأسبق ‬وعضو هيئة كبار العلماء، أن ظاهرة التخلف في‮ ‬كثير من المجتمعات المسلمة أمر واضح للعيان،‮ ‬ولا‮ ‬يحتاج إلى برهان،‮ ‬وذلك رغم القشرة الحضارية التي‮ ‬نجدها هنا وهناك‮.‬ ويجزم بأن الإسلام بريء تماماً‮ ‬من مظاهر التخلف التي تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية،‮ ‬مشيراً‮ ‬إلى أن تلك المظاهر تنسحب على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية‮.‬ انتشار الأمية ويقول‮: ‬يمكن إرجاع ذلك إلى حد كبير ‮ ‬إلى انتشار الأمية في‮ ‬العالم الإسلامي،‮ ‬والتي‮ ‬تبلغ‮ ‬في‮ ‬المتوسط‮ ‬46٪‮ ‬طبقاً‮ ‬لتقارير المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة‮ ‬إيسيسكو‮.‬ ويُلاحظ أن نسبة الأمية لدى النساء أعلى بكثير من نسبتها لدى الرجال،‮ ‬وكل ذلك‮ ‬يعوق جهود التنمية الشاملة ويؤخرها،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يجب أن تتضافر فيه جهود كل القوى البشرية في‮ ‬العالم الإسلامي‮ ‬لدفعها،‮ ‬حتى تؤتي‮ ‬ثمارها المرجوة‮.‬ ويوضح الدكتور زقزوق أنه في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬ننشغل فيه بمحو‮ ‬الأمية الأبجدية‮ ‬تنشغل الدول المتقدمة بمحو‮ ‬الأمية التكنولوجية‮ ‬لدى مواطنيها،‮ ‬وهذا‮ ‬يبرز الفارق الكبير بين مستوى التقدم في‮ ‬تلك البلاد،‮ ‬ومستواه عندنا‮.‬ ويشدد الدكتور زقزوق على أن الإسلام‮ ‬يساند العلم،‮ ‬ويدعم مسيرته،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون هناك تعارض بين الإسلام وحقائق العلم بأي‮ ‬شكل من الأشكال‮.‬ ويقول‮: ‬إن مجال العلم في‮ ‬الإسلام‮ ‬غير محدود،‮ ‬فهو‮ ‬يشمل السماء والأرض وما بينهما‮. ‬ويؤكد أنه ليست هناك قيود ولا سدود في‮ ‬الإسلام تقف في‮ ‬طريق التقدم العلمي‮ ‬مادام ذلك في‮ ‬مصلحة الإنسان،‮ ‬وهذه المصلحة تحوطها القيم الأخلاقية بسياج‮ ‬يحميها من سوء الاستغلال‮.‬ ويوضح أن كل تقدم علمي‮ ‬هو في‮ ‬الوقت نفسه دعم للدين من المنظور الإسلامي،‮ ‬لأنه‮ ‬يُبيّن قدرة الخالق سبحانه وتعالى،‮ ‬ومن أجل ذلك أكد القرآن الكريم أن العلماء هم أخشى الناس لله،‮ ‬لأنهم أقدر الناس على معرفة أسرار الخلق،‮ ‬وجمال الكون،‮ ‬وجلال الخالق‮.. ‬قال تعالى‮: ‬إِنَّمَا‮ ‬يَخْشَى اللَّهَ‮ ‬مِنْ‮ ‬عِبَادِهِ‮ ‬الْعُلَمَاءُ‮.. (‬سورة فاطر‮: ‬28‮).‬ تكريم العلماء ولا‮ ‬يخفى على منصف أن الإسلام كرّم جميع العلماء الذين‮ ‬يفيدون بعلمهم الإنسانية كلها في‮ ‬جميع المجالات،‮ ‬وجعلهم في‮ ‬الدرجة التي‮ ‬ترتقي‮ ‬بهم إلى صف الملائكة المقربين الذين شهدوا لله سبحانه وتعالى بالوحدانية‮.. ‬قال تعالى‮: ‬شَهِدَ‮ ‬اللّهُ‮ ‬أنَّهُ‮ ‬لاَ‮ ‬إِلَهَ‮ ‬إِلاَّ‮ ‬هُوَ‮ ‬وَالْمَلاَئِكَةُ‮ ‬وَأولُو الْعِلْمِ‮ ‬قَائِماً‮ ‬بِالْقِسْطِ‮ ‬لاَ‮ ‬إِلَهَ‮ ‬إِلاَّ‮ ‬هُوَ‮ ‬الْعَزِيزُ‮ ‬الْحَكِيمُ‮.. (‬سورة آل عمران‮: ‬ 18‮ ‬)والرسول صلى الله عليه وسلم‮ ‬يقول‮:‬العلماء ورثة الأنبياء‮.‬ ومن محاسن الإسلام أنه لا‮ ‬يفصل بين العلم والأخلاق،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يوجب على أمتنا العمل لاستعادة ريادتها في‮ ‬التقدم العلمي‮ ‬لضمان توجيهه للبناء والتعمير وليس للتخريب والدمار الشامل، كما هو حادث الآن عند الأمم الأخرى‮.‬ وقد أدرك المسلمون الأوائل أهمية العلم في‮ ‬حياتهم،‮ ‬فربطوا علوم الدنيا وعلوم الدين برباط وثيق،‮ ‬كما ربطوا بين العقيدة والشريعة فدانت لهم الدنيا بقوة وعزة،‮ ‬ونشروا الحضارة الإنسانية،‮ ‬والتقدم العلمي في‮ ‬جميع الميادين‮.‬ والمؤسف أننا في‮ ‬عصرنا الحديث تخلفنا عن الركب،‮ ‬وتركنا الزمام العلمي لغيرنا،‮ ‬فتقدموا في‮ ‬علوم الدنيا،‮ ‬بينما تخلفنا نحن،‮ ‬وتراكمت مظاهر التخلف في‮ ‬كثير من مجتمعاتنا المسلمة‮.‬ ويتساءل وزير الأوقاف المصري الأسبق‮: ‬أين المسلمون من الإنجازات العلمية المتلاحقة على الأرض وفي‮ ‬الفضاء؟ ويقول‮: ‬إن العلم‮ ‬يعد سلاح العصر،‮ ‬فمن‮ ‬يملك العلم‮ ‬يملك القوة،‮ ‬ومن‮ ‬يملك القوة‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يفرض نفسه في‮ ‬عالم اليوم‮. ‬أما الدول التي‮ ‬لا تملك العلم فإنها تقنع بأن تكون تابعة ومستهلكة لمنتجات الآخرين‮.‬ ويتوقف الدكتور زقزوق أمام قضية مهمة بقوله‮: ‬إن التوجهات الفكرية والدينية في أي‮ ‬أمة لها تأثيرها البالغ‮ ‬في‮ ‬المواقف الحاسمة التي‮ ‬تتخذها الأمم والتي‮ ‬تحدد مصيرها ومكانها على خريطة العالم‮.‬ ويقول‮: ‬إذا نظرنا إلى موقف الإسلام من العلم وتطوراته، فإننا نجد ديننا الحنيف‮ ‬ينفرد بين الأديان المختلفة، بجعله العلم فريضة من فرائض الإسلام لا تقل في‮ ‬أهميتها عن فرائض الصوم والصلاة والزكاة،‮ ‬لأن العلم هو السبيل إلى إعمار الكون الذي‮ ‬يعد في‮ ‬الإسلام من الأوامر الإلهية والتي‮ ‬تنبغي‮ ‬تلبيتها على المستويين المادي‮ ‬والمعنوي،‮ ‬كما جاء في‮ ‬قوله تعالى‮: ‬هُوَ‮ ‬أنشَأكُم منَ‮ ‬الأرْضِ‮ ‬وَاسْتَعْمَرَكُمْ‮ ‬فِيهَا‮.. (‬سورة هود‮: ‬61‮).. ‬أي‮ ‬طلب منكم عمارتها‮.‬ ويختتم الدكتور زقزوق كلامه قائلاً‮: ‬إن المسلمين لا تنقصهم الإمكانات المادية والبشرية،‮ ‬وهم ليسوا أقل ذكاء من‮ ‬غيرهم،‮ ‬فالله سبحانه وتعالى قد أعطى العقل لكل الناس،‮ ‬وعلى المسلمين أن‮ ‬يقبلوا التحدي،‮ ‬ويتحركوا بخطى سريعة نحو آفاق العلم الواسعة،‮ ‬ليثبتوا وجودهم،‮ ‬ويتخلصوا من مظاهر تخلفهم،‮ ‬ويقدموا إسهامهم في‮ ‬مسيرة التقدم العلمي‮ ‬والحضارة،‮ ‬حتى‮ ‬يحتلوا المكان الذي‮ ‬يليق بهم في‮ ‬عالم اليوم‮.‬

مشاركة :