منذ صدع الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوة الإسلام قبل نحو خمسة عشر قرناً من الزمان لم تنقطع الشبهات والمزاعم المغرضة ضد الإسلام ورسوله. خصوم الإسلام لم يتوقفوا يوماً عن إثارة الشبهات المغرضة والمزاعم الكاذبة ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وتشويه صورته، وصرف الناس عنه. افتراءات هؤلاء الخصوم تكشف عن جهل شديد بتعاليم الإسلام السامية، وقيمه الفاضلة، وغاياته النبيلة. كما تكشف عن حقد دفين يستهدف الإساءة للدين وأهله، الأمر الذي يستوجب مواجهة تلك الشبهات والمزاعم، وكشف زيفها. من تلك الشبهات والمزاعم، الادعاء بأن إصرار المسلمين على التمسك بتعاليم الإسلام، جعلهم يتخلفون في شتى مجالات الحياة، بينما تقدم غيرهم ونجح في بناء حضارة قوية مؤثرة في غيرها. فما حقائق الإسلام التي تدحض تلك الشبهة، وتسقط ذلك الزعم، وتكشف مغالطات خصوم الإسلام وافتراءاتهم؟ يؤكد الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، أن ظاهرة التخلف في كثير من المجتمعات المسلمة أمر واضح للعيان، ولا يحتاج إلى برهان، وذلك رغم القشرة الحضارية التي نجدها هنا وهناك. ويجزم بأن الإسلام بريء تماماً من مظاهر التخلف التي تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية، مشيراً إلى أن تلك المظاهر تنسحب على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. انتشار الأمية ويقول: يمكن إرجاع ذلك إلى حد كبير إلى انتشار الأمية في العالم الإسلامي، والتي تبلغ في المتوسط 46٪ طبقاً لتقارير المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو. ويُلاحظ أن نسبة الأمية لدى النساء أعلى بكثير من نسبتها لدى الرجال، وكل ذلك يعوق جهود التنمية الشاملة ويؤخرها، في الوقت الذي يجب أن تتضافر فيه جهود كل القوى البشرية في العالم الإسلامي لدفعها، حتى تؤتي ثمارها المرجوة. ويوضح الدكتور زقزوق أنه في الوقت الذي ننشغل فيه بمحو الأمية الأبجدية تنشغل الدول المتقدمة بمحو الأمية التكنولوجية لدى مواطنيها، وهذا يبرز الفارق الكبير بين مستوى التقدم في تلك البلاد، ومستواه عندنا. ويشدد الدكتور زقزوق على أن الإسلام يساند العلم، ويدعم مسيرته، ولا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الإسلام وحقائق العلم بأي شكل من الأشكال. ويقول: إن مجال العلم في الإسلام غير محدود، فهو يشمل السماء والأرض وما بينهما. ويؤكد أنه ليست هناك قيود ولا سدود في الإسلام تقف في طريق التقدم العلمي مادام ذلك في مصلحة الإنسان، وهذه المصلحة تحوطها القيم الأخلاقية بسياج يحميها من سوء الاستغلال. ويوضح أن كل تقدم علمي هو في الوقت نفسه دعم للدين من المنظور الإسلامي، لأنه يُبيّن قدرة الخالق سبحانه وتعالى، ومن أجل ذلك أكد القرآن الكريم أن العلماء هم أخشى الناس لله، لأنهم أقدر الناس على معرفة أسرار الخلق، وجمال الكون، وجلال الخالق.. قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.. (سورة فاطر: 28). تكريم العلماء ولا يخفى على منصف أن الإسلام كرّم جميع العلماء الذين يفيدون بعلمهم الإنسانية كلها في جميع المجالات، وجعلهم في الدرجة التي ترتقي بهم إلى صف الملائكة المقربين الذين شهدوا لله سبحانه وتعالى بالوحدانية.. قال تعالى: شَهِدَ اللّهُ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.. (سورة آل عمران: 18 )والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:العلماء ورثة الأنبياء. ومن محاسن الإسلام أنه لا يفصل بين العلم والأخلاق، الأمر الذي يوجب على أمتنا العمل لاستعادة ريادتها في التقدم العلمي لضمان توجيهه للبناء والتعمير وليس للتخريب والدمار الشامل، كما هو حادث الآن عند الأمم الأخرى. وقد أدرك المسلمون الأوائل أهمية العلم في حياتهم، فربطوا علوم الدنيا وعلوم الدين برباط وثيق، كما ربطوا بين العقيدة والشريعة فدانت لهم الدنيا بقوة وعزة، ونشروا الحضارة الإنسانية، والتقدم العلمي في جميع الميادين. والمؤسف أننا في عصرنا الحديث تخلفنا عن الركب، وتركنا الزمام العلمي لغيرنا، فتقدموا في علوم الدنيا، بينما تخلفنا نحن، وتراكمت مظاهر التخلف في كثير من مجتمعاتنا المسلمة. ويتساءل وزير الأوقاف المصري الأسبق: أين المسلمون من الإنجازات العلمية المتلاحقة على الأرض وفي الفضاء؟ ويقول: إن العلم يعد سلاح العصر، فمن يملك العلم يملك القوة، ومن يملك القوة يستطيع أن يفرض نفسه في عالم اليوم. أما الدول التي لا تملك العلم فإنها تقنع بأن تكون تابعة ومستهلكة لمنتجات الآخرين. ويتوقف الدكتور زقزوق أمام قضية مهمة بقوله: إن التوجهات الفكرية والدينية في أي أمة لها تأثيرها البالغ في المواقف الحاسمة التي تتخذها الأمم والتي تحدد مصيرها ومكانها على خريطة العالم. ويقول: إذا نظرنا إلى موقف الإسلام من العلم وتطوراته، فإننا نجد ديننا الحنيف ينفرد بين الأديان المختلفة، بجعله العلم فريضة من فرائض الإسلام لا تقل في أهميتها عن فرائض الصوم والصلاة والزكاة، لأن العلم هو السبيل إلى إعمار الكون الذي يعد في الإسلام من الأوامر الإلهية والتي تنبغي تلبيتها على المستويين المادي والمعنوي، كما جاء في قوله تعالى: هُوَ أنشَأكُم منَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا.. (سورة هود: 61).. أي طلب منكم عمارتها. ويختتم الدكتور زقزوق كلامه قائلاً: إن المسلمين لا تنقصهم الإمكانات المادية والبشرية، وهم ليسوا أقل ذكاء من غيرهم، فالله سبحانه وتعالى قد أعطى العقل لكل الناس، وعلى المسلمين أن يقبلوا التحدي، ويتحركوا بخطى سريعة نحو آفاق العلم الواسعة، ليثبتوا وجودهم، ويتخلصوا من مظاهر تخلفهم، ويقدموا إسهامهم في مسيرة التقدم العلمي والحضارة، حتى يحتلوا المكان الذي يليق بهم في عالم اليوم.
مشاركة :