شهدت أسواق بيروت في الأسبوعين الماضيين حركة غير اعتيادية وحراكاً شبابياً عامراً، فبدت العاصمة اللبنانية وكأنها لوحة سيريالية تجمع في تناقضاتها معان عديدة، وصوراً تتداخل فيما بينها، لتمثل الشارع والناس والانتفاضة الشعبية والرغبة بالتغيير والإقبال على الفرحة وعيشها في كل لحظة، حيث تتزاحم الصور لتشكل وجهاً جديداً لمنطقة وسط البلد، داون تاون بفضل سوق أبو رخوصة الذي تحددت إقامته مساء كل سبت من كل أسبوع، إلى جانب أيام الأعياد والمناسبات ليكون نقطة تلاقي اللبنانيين من كل الفئات. هذا السوق الذي أقيم لأول مرة في الفترة الأخيرة، جاء احتجاجاً على ما ورد على لسان نقولا شماس، رئيس جمعية تجار بيروت، الذي رفض في مؤتمر الهيئات الاقتصادية الأخير أن يتحول وسط بيروت إلى سوق أبو رخوصة وكأنه يشير طبقياً إلى البيئة التي ينحدر منها المتظاهرون، ويقرّ في الوقت ذاته أن منطقة وسط بيروت باتت حكراً لفئة واحدة من الأثرياء والسياسيين خصوصاً الذين يشغلون مناصب حكومية حالياً والذين قامت ضد ممارساتهم السلطوية تظاهرات شعبية في 22 أغسطس/آب. الدعوة التي أطلقها الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإقامة سوقاً عاماً وشعبياً في وسط بيروت بالتزامن مع هاشتاغ أبو رخوصة، سرعان ما تحولت إلى واقع حقيقي يتلمسه الناس على الأرض ويستفيد منه الفقراء والميسورون على حد السواء. لتصبح السوق، المولودة على شبكات العالم الافتراضي، حقيقة يلتقي فيها كل الناس من كل الفئات، خصوصاً تلك المطالبة بالتغيير، والتي تريد أن يلتحم رأس هذا البلد بجسده أي سلطته بشعبه وهو ما أكدته حملة بدنا نحاسب التي دعت اللبنانيين للاحتفال للتجمع ورأب الصدع، والاستمتاع بالمناسبات، والأهازيج والرقص والدبكة وعروض الأطفال، خصوصاً التي تقام في الأعياد داخل أبو رخوصة. وعلى الرغم من تنوع النشاطات التي شهدها السوق والسلع والبضائع من ملابس وإكسسوارات وأقراص مدمجة وكتب وألعاب وغيرها، فإن اللافتات التي رفعها المحتجون جايي التغيير، وإرادة الشعب أقوى من إرادة الزعماء وطلعت ريحتكم وسواها من الشعارات برزت في السوق ولم تغب عن بال المشاركين فيه. كذلك حضرت الأغنيات الثورية والوطنية بقوة، خصوصاً أغنية شوارع المدينة مش لحدا للفنان أحمد قعبور. سميحة مزرعاني تؤكد أن سوق أبو رخوصة في ساحة رياض الصلح أعاد وسط بيروت إلى الناس. تقول: كل شيء أصبح مجاناً أو بأسعار رمزية، وأتيح للناس الاستمتاع بكل شبر من أشبار هذه المدينة حتى ولو بالسير على الأقدام وتناول القمح المسلوق والترمس والفول والكعكة العصرونية. وتعتبر حبيبة غصن أن الهدف من السوق، ليس البيع وإنما تسجيل المواقف المعارضة لسياسات الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي همشت اللبناني وأفرغت قلب مدينته من نبضها الحقيقي. ووافقها في الرأي إيلي جبيلي، قائلاً: كل أسواق المدن في العالم لكل الناس إلاّ أسواق بيروت احتكرها الزعماء والسياسيون منذ سنوات طوال، لكن هذا لن يستمر بعد اليوم، وستكون الأسواق رمزية لتؤكد أن بيروت لكل الناس. واجتمع اللبنانيون على شيء أخيراً، وطال الأمر رجال الأمن، الذين كانوا يردعون شعبهم في تظاهرات الأمس، فوقفوا اليوم على حدود السوق لمراقبة الأحداث بفرح دون أن يمتنعوا عن تناول العصائر الطازجة ومشاركة الناس فرحتهم في سوق أبو رخوصة.
مشاركة :