الإعلام العربي ترفيه أو صناعة رأي

  • 7/29/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرًا ما يتحدث الناس عن مستوى الإعلام في العالم العربي والفجوة بينه وبين الإعلام في الدول المتقدمة او المؤثرة، ولكني صدمت مؤخرًا أن بعض المسؤولين والمعنيين عن الإعلام وخبرائه في عالمنا العربي لديهم فجوة أكبر في فهم الإعلام كأداة تستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية محددة، وتقدم ضمن محتوى إعلامي متنوع، وبين الإعلام كوسيلة ترفيه وتسلية أو وسيلة تجارية لتحقيق عوائد مجزية.  ففي لقاء مطول مع الأستاذ علي جابر (مدير قنوات mbc) -وهو يعد من أعمدة وصنّاع الإعلام العربي ويمتلك خبرة واسعة-، أجاب في برنامج «بودكاست فنجان» عن أسئلة الشاب السعودي المتمكن جدًا عبدالرحمن أبومالح، وكانت أجوبته صادمة بالنسبة لي، حيث إنها أوضحت الفجوة الكبيرة في التعاطي مع الإعلام كوسيلة تجارية هدفها صنع محتوى ترفيهي خالٍ من التوجهات والاهداف الاستراتيجية وبين ما يتوقعه، وينتظره الجمهور العربي من أعرق وأكبر وأقدر مؤسسة إعلامية، فما بالك ببقية المؤسسات الإعلامية.  النظرة القاصرة لنتفلكس مثلاً على أنها شركة بث محتوى عابر للقارات تسعى بالدرجة الأولى والأخيرة لتحقيق الأرباح التجارية، وأنها لن تعيد إنتاج أي برنامج لا يلقى القبول المجتمعي بعيدة تمامًا عن الواقع، فنتفلكس ومنذ اليوم الأول لا تخفي أن لديها خطا وأهدافا واضحة تسعى لتحقيقها لا علاقة لها بالجانب التجاري، فالترويج للمثلية الجنسية وإنتاج برامج وثائقية تروج لوجهة نظر واحدة وبشكل غير علمي من أجل ملء المجال العام بمحتوى يحقق أهدافهم أمر لا تنكره نتفلكس ولا تخطئه العين، وعلى الرغم من تعرضهم لانتقادات واسعة وتراجع أسهمها في فترة من الفترات بسبب حملات في الغرب لإظهار عدم رضاهم على خط نتفلكس، فمع ذلك لم يتغير نهجهم.  خطورة التعامل مع الإعلام على أنه وسيلة ترفيه فقط وخالٍ من الأهداف الاستراتيجية (ما عدا التجارية كتحقيق نسب مشاهدة عالية) أنه يفسد المجتمع ويجعله عبئًا على الدولة ويحوله لمجتمع تافه يسعى لتضييع الوقت لا استثماره، ولا يوجد لديه حافز يدفعه للإنتاج عبر زيادة وعيه وثقافته وتحفيزه بشكل إيجابي وواعٍ، انما هو مدلل بكثرة الخيارات التي تساعده على تضييع وقته في التسلية التافهة، وفي وقت تتعرض فيه دول الخليج والدول العربية لمهددات مصيرية هي بأمس الحاجة لأدوات القوة الناعمة التي تعينها فيها على البقاء وحماية مجتمعاتها ومساعدتها على البناء والتقدم، لا التراجع والانشغال بما لا يخدم إلا العدو.  وللتوضيح، فأنا لست ضد تقديم محتوى ترفيهي ولا ضد إنتاج مسلسلات مسلية سواء كانت كوميدية او درامية او غيرها، ولكني ضد المحتوى التافه والخالي من أي خط واضح تُنتج هذه البرامج من خلاله، فنتفلكس وقبلها هوليوود وغيرهم ينتجون هذه البرامج ويملأون المجال العام بمحتوى إعلامي يصنع الرأي العام ويحقق أهدافهم الاستراتيجية ضمن قالب درامي او كوميدي مثلا.  أجوبة الأستاذ علي جابر أن mbc ومعها شاهد تحقق نسب مشاهدة واشتراكات عالية وفي ازدياد لا يعني أنها تحقق أهداف الدولة الاستراتيجية، فهي في الأول والأخير أُنشئت لتحقيق أهداف محددة ولتسير وفق خط محدد مع الأسف لم تحقق منه غير الترفيه والتسلية وفي كثير منها تسلية فارغة، فإن كان هدف المجموعة الإعلامية هو الحصول على إعلانات وأرباح عالية فقط فقد تكون نجحت في ذلك، ليس بسبب قيمة ما تقدمه بل بسبب غياب المنافسة والبديل مقارنة بما توفر للمجموعة من دعم مادي وغير مادي، ولكن أثر ما تقدمه على المجتمعات العربية معدوم إن لم يكن سلبيا بسبب احتوائه لثقافة تضييع الوقت والتسلية الفارغة.  إنتاج مسلسلات وبرامج عربية بجودة عالمية لم تكن تُنتج من قبل وبتنوع واسع بين الدراما والرعب والكوميديا أمر جميل ويوفر بيئة رائعة للمبدعين العرب، ولكن الإشكالية في محتوى ما يقدم ضمن هذه القوالب الإعلامية، فإن لم يقدم ضمن رسالة إعلامية محددة وخط واضح وأهداف استراتيجية تسعى لتحقيقها عبر هذه الأداة فهو كمن تذهب جهوده وأمواله هباءً منثورًا، ومصداقًا لقوله تعالى «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض»، وبالإمكان للمقارنة الرجوع للأرشيف بحسب كل حقبه زمنية ومعرفة خط وتوجه كل إنتاج إعلامي وما هي الأهداف التي تسعى لتحقيقها من خلال المحتوى، ففي حقبة الحرب الباردة كان الإنتاج الغربي (أغلبه عبر هوليوود) مليء بالترويج لمشاريع الغرب من انفتاح وحريات وتفوق النظام الرأسمالي وتحفيز المواطنين على دراسة تخصصات علمية صعبة من باب الوطنية والمساهمة في تقدم دولها على سبيل المثال لا الحصر. لذلك ما لم يرتبط الأعلام بأهداف استراتيجية واضحة فهو مضيعة للمال والوقت وضرره غير المباشر -إن أحسنا النية- على المجتمع أكبر من منفعته لأنه يخدر المجتمع ويجعله عبئًا على الدولة، لا يسهم في تقدمها ولا يوظف ما توفره له الدولة من إمكانات لنهضتها وممكن بكل سهولة أن يتأثر بمشاريع عابرة للحدود تقدم ضمن قوالب إعلامية لمؤسسات إعلامية لديها أهداف وخط واضح تسعى لتحقيقه، بينما نحن غافلون ومنشغلون بإعلام ينتج محتوى ترفيهي مسلٍ في أحسن أحواله خالٍ من أي أهداف استراتيجية.  أرجو أن أكون مخطئًا في حكمي على ما طرحه الأستاذ علي جابر وأنه مجرد لقاء لم يوفق فيه للتعبير عن آرائه وأفكاره، بالذات انه شخص يتمتع بتاريخ طويل في مجال الإعلام وبخبرة واسعة، ولكن عندما أقارن ما طرحه وما تقدمه قنوات mbc من غير أن نغفل عن ما قدم لها من دعم مادي وغير مادي أصيب بإحباط شديد، حيث إن ما توافر لمجموعة الـmbc كان ممكنًا أن يجعلها أهم أدوات القوى الناعمة التي تخدم مصالح المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وكذلك الدول العربية، وتجعلهم يمتلكون أدوات بالغة التأثير (الإيجابي) في مجتمعاتهم أولاً وفي المجتمعات الإقليمية وحتى الغربية، ولكنها مع الأسف الفجوة في فهم الإعلام كاداة تأثير وصنع الرأي العام للمجتمع وملء المجال العام بمحتوى يحقق الأهداف وبين الإعلام كوسيلة ترفيه وتضييع للوقت والتسلية، مهما كابر وحاور وبرر او ترفع عن التبرير القائمين على صناعة الإعلام.

مشاركة :