في السابق، كان الاتصال التسويقي يقع ضمن مسؤولية مندوبي المبيعات وخدمة العملاء إلى أن السوق الرقمية اليوم غيرت هذا الواقع، وأصبح العمل على الاتصال التسويقي يرتبط بقنوات مختلفة، وتمت إتاحة الفرصة للأفراد لدخول هذا السوق، والمنافسة فيه، الأمر الذي تسبب بإعادة هيكلة ممارسة الاتصال التسويقي بالشكل الذي عرفناها به. أصبحت المنصّات الرقمية مثل "يوتوب" و "تيك توك" و "سناب شات" أدوات رئيسة للوصول للعملاء، يكون فيها التسويق مسؤولاً بشكل متزايد عن التفاعل مع العملاء. وأحياناً، يتم وضع المنصّات الرقمية ضمن الخطط الاستراتيجية للاتصال الهادفة لتحويل العملاء والجماهير لدعاة ومسوقين. ولعل أهم الدعاة والمسوقين في هذه المنصّات هم المشاهير والمؤثرين فيها. لطالما واجه المشاهير والمؤثرين في هذه المنصّات انتقادات واسعة لعدة أسباب، بعضها مشروعة وبعضها جدلية. أحد عوامل هذه الانتقادات هو عدم خضوع المشاهير في هذه المنصّات لنفس الكم من الضوابط التي يقع تحتها المشاهير التقليديين في الإعلام التقليدي يذكر بأن الجهات التشريعية باتت اليوم ترصد المخالفات الرقمية، وتتابعها، وتحاسب المسؤولين فيها من المشاهير وغير المشاهير. ولكن يظل بإمكاننا القول إن هناك دروسا للاستنباط من قبلنا كمتخصصين في الاتصال أو التسويق، من تجربة المشاهير اليوم في المنصّات الرقمية. أولاً، التفاعلية باستمرار! إن السبب الرئيس لنجاح مشاهير المنصّات الرقمية هو إشراكهم للجماهير، وتفاعلهم بالردود والتجاوب مع متابعيهم. إذا أتقنت أي جهة/ شخص فن إشراك الجمهور، يصبح حينها النجاح في ممارسة العمل الاتصال شبه مضمون. على الرغم من أن "يوتوب" ليس الموقع الوحيد المتاح لمشاركة مقاطع الفيديو، إلا أنه يمكن القول إنه أحد أكثر المنصّات شهرة وجماهيرية، وتملك العديد من الأدوات التفاعلية مع الجماهير. وفقًا لإحصاءات "يوتوب" فقد تجاوز عدد المستخدمين الفاعلين له أكثر من مليار مستخدم - ما يقرب من ثلث جميع الأشخاص على الإنترنت – وتشكل المرحلة العمرية إلى من 18 إلى 34 عامًا الشريحة الأهم لهذه المنصّة. نجح المشاهير عبر يوتوب في التفاعل مع متابعينهم بتوظيف الردود وأزرار الإعجاب والاشتراك وكذلك عبر دعوة بعض متابعينهم للظهور والحديث، ومن الأمثلة على ذلك استخدام بعض المشاهير السعوديين المحليين قسم التعليقات كمصدر لصناعة المحتوى. "عز الخد"، هو شاب سعودي يصنع محتوى محلي، غالباً يتكون محتواه من مقابلات في الشارع لطرح أسئلة، الملاحظ بأنه يتفاعل مع جمهوره عبر قسم التعليقات ويختار الأسئلة المطروحة وموضوع الحلقة من خلال مقترحات الجماهير. عامل الناس مثل الناس، كن أنت. ثانيًا، عند العمل على حملات اتصالية/تسويقية، فإننا نقضي الكثير من الوقت منغمسين في جداول الحملات ونمط توجيه الرسائل والأساليب التقنية المستخدمة لجذب المستخدمين بما في ذلك نمط رصد عدد المشاهدات والتنزيلات. لكن، كم سيكون النجاح مختلفا لو تمكنا من الخروج من القالب، والتفاعل مع الجمهور كأفراد، نداً لند، باتصال ذي اتجاهين، يسهم ذلك في إحداث تأثير أكثر ديمومة وقرباً.. تشير أحد مشاهير الموضة والسفر Laureen Uy إلى أن سبب جماهريتها الكبيرة هو مخاطبتها للجماهير بشكل ودي، وجعلهم يشعرون وكأنك تتحدث معهم مباشرة. وتؤكد المدوّنة الشهيرة المذكورة بأن سبب تحقيقها لجماهيرية عالمية هو كونها لا تتعامل مع الجماهير كأنهم أرقاما (هل من مزيد؟)، وتعمد لمحاولة أنسنة تواصلها معهم، ومنحه الطابع الشخصي بشكل أكثر. مخاطبة الجماهير بتواضع تزيد من موثوقيتك كناقل للرسالة الاتصالية، وتزيد من جماهيرتها. ثالثاً، كن استراتيجيا في استخدامك للمنصّات الرقمية. معظم الناس يستخدم المنصّات الرقمية طوال اليوم، غالبا لا يكون هدفهم الشراء، مجرّد التصفح ومتابعة المستجدات وهكذا. لذلك، من المهم التعامل معهم بشكل استراتيجي في جميع الأوقات. يعد التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي استراتيجية متعددة الأوجه، قد ينجح كثير من المشاهير والمدونين في إتقانها بدون وعي أو قصد منهم. كيف؟ ينشر هؤلاء المشاهير كثير من المحتوى العادي، العام، وربما الشخصي، ويتخلل ذلك بعض المحتوى الدعائي/ التسويقي. هذه الممارسة تزيد من فعالية دعايتهم مقارنة بالحسابات التي لا تنشر أي محتوى عدا الدعاية. هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها دمج وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات التسويقية، وإذا قل التفاعل أو انعدم في قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بك، فقم بإحيائها واحدة تلو الأخرى عبر وضع مزيد من المحتوى غير الدعائي، المثري أو العلمي أو الإنساني أو غيره. رابعاً، جودة المحتوى سواء كان المحتوى المرسل مقاطع فيديو أو كتب إلكترونية (أو مدونات أو رسائل بريد إلكتروني أو إعلانات أو غيره (فإن الجودة تتفوق على الكمية - لا سيما في عالم اليوم حيث هيمنت الرقمنة والأتمتة على كل شيء وبات النشر أسهل للجميع، كما يضمن لك الإنترنت بقاء محتواك عليه، للأبد! يمكن أن تستمر بعض الرسائل الجيدة في بناء الثقة في علامتك التجارية بمرور الوقت، ولكن تكرر إطلاق الرسائل الفاشلة والسريعة يمكن أن تدمر سمعتك. ما يمكن تعلمه من مشاهير المنصّات الرقمية في هذه الناحية هو أن الجودة ليست فقط محصورة بتقنيات التصوير والإضاءة والصوت. الجودة تتجاوز الأدوات الفنية والتقنية وصولا للجودة في المحتوى ونمط التواصل.. من الجودة في المحتوى مراعاة الذائقة الجماهيرية، والذاكرة.. الجودة تتمثل أيضاً في دراسة وضع الجماهير وصناعة محتوى يفوق توقعاتهم. أحد عوامل نجاح بعض المشاهير رغم أنهم يستخدمون كاميرا جوال عادية هو كونهم يعمدون على صناعة محتويات ذات بُعد إنساني، وكذلك كون محتوياتهم مختصرة وسريعة وموجزة في صلب الموضوع.. ولعل عدد من المشاهير الواعين بدؤوا بدراسة وضعهم حملة بعد حملة، لتحليل نتائجهم وصقل ما استجاب له المتلقين وما لم يستجيبوا له. باختصار، حقل الاتصال هو حقل متنوع، متجدد باستمرار، هناك ما يمكن تطويره وتحديثه على الدوام. ورغم كل الانتقادات العلمية والعملية التي واجهها مشاهير المنصّات الرقمية إلا أن جماهيريتهم المتصاعدة، وعوائدهم المالية من الدعاية والإعلان، جميع ذلك، يجعلنا نحلل أسباب هذا النجاح، والنظر في إمكانية استنساخه في حملات الاتصال التسويقي التي تقوم بها شركات وجهات أو غير ذلك من الأطراف الرسمية/ غير الرسمية.
مشاركة :