الجواد الجامح

  • 7/29/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بالتأكيد أنت مثلي لم تتسنم جوادا جامحا، بل ولا رابضا. أما الذين سعدوا بلقب الفروسية فهم يميزون جيدا الجواد الجامح الذي يكاد أن يفلت من الجاذبية وذاك الذي يمشي على سكينة ووقار وكأنه أحد الفلاسفة. الجواد الذي أعنيه ليس من خيول الشعراء القدماء (مكر مفر مقبل مدبر معا) ولا من خيول أمل دنقل التي أصبحت للزينة ونسيت غبار المعارك، بل هو اللغة. نعم. هو هذه التي نمتطيها جميعا، من دون أن نعرف أنها جامح. من أقوال جورج برنادشو الباسقة (عندما تقول: نصف المجتمع سيء سيسخط الجميع، بينما لو قلت: نصف المجتمع جيد فسيحتفون بك) العبارتان تؤديان نفس المعنى، ولكن إيقاعهما على السمع هو المختلف. فما بالك لو كان السامع طفلا تنغرس فيه الكلمات انغراسا تلقائيا؟ قرأت قصة خيالية، يصور كاتبها طفلا له أبوان اثنان، وبالطبع أم واحدة، سمع واحدا منهما يقول: (ليس بوسعي القيام بذلك) ومن الآخر قوله: (كيف لي القيام بذلك؟) الكلمات الأولى تدفع العقل إلى التوقف عن التفكير فى العمل، وتقود الإرادة إلى اليأس، أما الثانية فهي استفهام عن الطريق إلى العمل، وشحذ الإرادة لقطعه وإلى قطف ثمار الوصول إلى الهدف. الطفل تنغرس فيه الكلمات الأسبق، ولكن الكلمة الثانية تبقى تطن في سمعه، وتتسرب إلى لا وعيه، فينشأ متعثر الخطى، متلعثم الاتجاه. وتلك هي الازدواجية أو العاهة المضمرة. حين قرأت هذا نفرت الدموع من عيني، واحتشدت مآتم الرثاء في قلبي، وتساءلت: كم حملنا من أوزار أخطائنا وجهلنا وغبائنا النفسي، وجفافنا العاطفي؟ أقولها لي ولك ولكل جيلنا الذي ألف الظلام، وتنفس عليه الصبح بعد فوات الأوان. هل تود ما يبكيك أكثر؟ إذن استمع إلى عماد رشاد، وهو يقول في كتابه (أبي الذي أكره): (صار الحزن هو اللغة التي أفهمها من المشاعر، وحتى هذه اللحظة لا أظن أني أتقن التعامل مع الفرح، أو أني أتمكن من استقبال مشاعر كالامتنان أو البهجة. سرق مني أبي الحق في التساؤل والحق في الشك و.. و..) هل نحن، وأعني جيلي كله، هل نحن لصوص سرقنا من أبنائنا ما سرقه آباؤنا منا؟ أتمنى ذلك، فاللص يسرق بإرادته، ويعرف خطأه، أما نحن فلم نميز بين الخطأ والصواب.

مشاركة :