يُعدّ النقش على النحاس من أقدم الحرف اليدوية التي تشتهر بها مدينة قسنطينة (430 كلم شرق الجزائر العاصمة)، بوصفه فنا يعبر عن هوية المدينة وسكانها، وتمتد جذوره للحقبة العثمانية. والنقش مهنة عريقة تقتات منها العديد من العائلات، غير أنها أصبحت مهددة بالزوال في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وتراجع الإقبال على المنتجات النحاسية، بحسب حرفيين. ويتطلب النقش على النحاس أدوات مختلفة يمكن وصفها بأنها بدائية، لكن الاستغناء عنها غير ممكن، لأنها أساس ممارسة هذه الحرفة، وتتمثل في منضدة خشبية صغيرة، ومطارق حديدية متعددة الأنواع والأحجام، وأقلام فولاذية للحفر، وبعض الأحماض المؤثرة التي تُستعمل في التعشيق (التلميع). وعلى الرغم من طغيان الأدوات المعدنية المختلفة، فإن المنتجات النحاسية التي تستخدم في الزينة وتكون مزخرفة بالنقوش، لا تزال محافظة على مكانتها وسحرها في الأسواق القديمة في مدينة قسنطينة. ففي المدينة ينتشر عدد من الحرفيين الذين رفضوا ترك المهنة، وابتدعوا طرقا جديدة لاستمالة الزبائن وتلبية رغباتهم، كالنقش حسب الطلب ووضع الصور على التحف الفنية والتعشيق وغيرها من الأساليب، وذلك من أجل الحفاظ على هذه الحرفة من الزوال. ويرى الحرفي منصف مشعاري (55 عاما) أن هذه الحرفة في طريقها للزوال، إذا لم يتم الاهتمام بها وتدعيمها، لأن قسنطينة -التي كانت تعد مركزا لذلك- بدأت تفقد بريقها، حيث إن الكثير من المحلات أغلقت أبوابها، ومئات الحرفيين تركوها، لأنها لم تعد تؤمن لهم حتى قوتهم اليومي. والأواني النحاسية لا تعكس قيمة جمالية فقط، وإنما ترمز لتاريخ وأحداث مختلفة. وفي هذا الصدد يقول مزداد عمار (68 عاما) -وهو حرفي منذ 49 عاما- إن من بين الأواني النحاسية التاريخية نجد البقراج -البُقْ هو الفم، وراج اهتزازه بغليان الماء- وهو آنية لتقديم الشاي، ويعود ظهوره إلى الدولة العثمانية، كما يعد رمزا لقواتها المسلحة والجيش الإنكشاري، حيث إن البقراج كان يأخذ في شكله ما يرمز لرداء الجندي التركي. والشيء المميز في الأواني النحاسية التي يتم إنتاجها في قسنطينة، هو النقوش الموجودة عليها التي تميزها عن غيرها في باقي المدن الجزائرية، وحتى عن الدول العربية.
مشاركة :