قامت الدنيا ولم تقعد مع إعلان روسيا دخول أتون الحرب الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات، وإن كان الكثيرون قد أخذتهم مفاجأة قرار موسكو بمواجهة حاسمة ضد تنظيم داعش، وهو الباب الخلفي لنيتها الحقيقية والتي تتعلق بالدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد. فالتدخل الروسي لم يقتصر على الضربات الجوية كما أعلنت موسكو في البداية، لأننا اكتشفنا لاحقا أن قوات برية روسية مدعومة بأسلحة وذخيرة ضخمة تشارك في الحرب، حتي تمكنت قوات الأسد على فترة زمنية قصيرة من تحقيق انتصارات سريعة واستعادت مواقع استرايتجية استعصت عليها في وقت سابق. سبب هذه البداية، هو محاولة لتحليل تصريحات ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كسينجر مستشار الأمن الأسبق ووزير خارجية ريتشارد نيكسون، الذي ما أن يتحدث أو يتفوه بتصريحات حتى ينقلب العالم، في محاولة لتحليل ما يقوله أو يطرحه كموقف سياسي. الثعلب الأمريكي العجوز توقع قبل فترة في تصريحات تداولتها معظم صحف العالم، اندلاع الحرب العالمية الثالثة بين قوتين رئيسيتين..الأولى روسيا والصين، والثانية الولايات المتحدة بدعم سواء محدود أو قوي من الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.. إذن السياسي المخضرم تحدث عن حرب، وهي تندلع بالفعل في منطقة الشرق الأوسط. ولنستكمل معاً حديث كينسجر الذي قال إن الإدارة الأمريكية طلبت من البنتاجون أن يجهز قوات الجيش لاحتلال 7 دول شرق أوسطية لتتمكن أمريكا من السيطرة على العالم، بعد الحرب الشرسة التي ستدور بين الجبهة الأولى المكونة من الدب الروسي والتنين الصيني، والجبهة الثانية وهي الأمريكية. ومن ضمن أسباب الحرب كما يتوقعها عراب تطبيع العلاقات الصينية الأمريكية عام 1972 وسنعود لهذه المسألة لاحقاً، أن روسيا والصين تتمتعان بقوة عسكرية متضخمة ويجب زوالها والقضاء عليها حتى يتسنى لأمريكا أن تكون القوة العالمية الوحيدة، ويجب اسقاط هاتين الدولتين للأبد حتى لا تقوم لهما قائمة لاحقا. ومن ضمن أهداف كيسنجر أيضا هو إفساح المجال لإسرائيل معشوقته الأبدية لتسيطر على الدول العربية وتكسر شوكة إيران عسكرياً واقتصادياً. ومن أجل تحقيق هذا المخطط الجهنمي، كشف الثعلب الأمريكي التعليمات الصادرة لجنرالات الولايات المتحدة باحتلال 7 دول شرق أوسطية، واستغلال مواردها النفطية والغاز تمهيداً للقضاء على هذه الدول، فالسيطرة على منابع النفظ والغاز تساعد فى القضاء على الحكومات والأنظمة، والخطوة الثانية هي السيطرة على الغذاء، لأن هذا هو السبيل للسيطرة على الشعوب. الثعلب التسعيني العجوز الذي يحتفظ بذاكرة حديدية، يرى أن العسكريين الأمريكيين كادوا يحققون هذا الهدف المبدئي، ثم تكون الخطوة الثانية وهي اشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران لتكون الغلبة فيها للطرف الأول، وقبل إعلان النتيجة النهائية لهذه الحرب ستهب روسيا والصين لمناصرة إيران ولدعم موقع نفوذ لهما بالمنطقة، وبالطبع لن يقفا مكتوفي الأيدي ليتخذا قرارا بالمشاركة في الحرب العالمية الثالثة، التي لن يخرج منها سوى منتصر وحيد هو الولايات المتحدة. فأمريكا تركت روسيا تتعافى من الإرث السوفيتي السابق، ومنحت الصين الوقت لتعزز من قدراتها العسكرية، مما أعاد الهيبة لهاتين القوتين، وهذه الهيبة وتضخم الذات لدى موسكو وبكين سيكونان ذريعة للولايات المتحدة في سرعة زوال كل منهما ومعهما إيران التي يعتبر سقوطها هدفا ذات أولوية عند إسرائيل.. ويتوقع كيسنجر أن يستيقظ الدب الروسي والتنين الصيني في وقت تكون فيه إسرائيل احتلت نصف الشرق الأوسط على الأقل، وهنا ستصبح المهمة ملقاة على عاتق الجيش الأمريكي ومعه العسكريون الأوروبيون في الدخول في أتون الحرب العالمية الثالثة، والقضاء على المنافسين الروس والصينيين. ويبدو أن الصلف والغرور لا يزالان يتملكان من هذا الرجل كينسجر - الذي تولى إعادة تطبيع العلاقات بين بكين وواشنطن بعد قطيعة لعشرات السنوات عبر سياسة ما عرف آنذاك بدبلوماسية تنس الطاولة أو البنج بونج وكتبت وقتذاك باسم هنري كينسجر، ثم يعود في الوقت الراهن لينذرنا بحرب عالمية ثالثة تضيع فيها 7 دول شرق أوسطية وتدمير القوتين العالميتين اللتين تتمسك بهما بعض بلدان المنطقة كخط دفاع ضد الأطماع الأمريكية والإسرائيلية. من ركام الحرب، سيتم بناء قوة عظمى وحيدة قوية صلبة منتصرة هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم، ولا تنسوا أن الولايات المتحدة تملك أكبر ترسانة سلاح في العالم، لا يعرف عنها الآخرون شيئا، وسوف نقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب.. كان هذا هو ختام حديث هنري كينسجر الذي بشر به العالم، أي أن الولايات المتحدة ستكون سيد أو سيدة العالم، لا يهمنا موقف التذكير أو التأنيث، وإنما ما يهمنا هو شكل العالم أحادي القوى حينذاك، وكيف نعيش نحن في ظل هذا العالم مرة أخرى بعد ما عانينا الأمرين من فترة غياب الاتحاد السوفيتي. لقد صدق كينسجر حقاً، فمن لم يسمع طبول الحرب وهي تدق في المنطقة أصم بالتأكيد، فالجنود الأمريكيون ووفقاً لما ذكره الثعلب الصهيوني يتلقون تدريبات متقدمة للغاية في القتال خلال العقد الماضي وينتظرون لحظة إعلان الحرب ليحولوا منطقتنا الى رماد ولتسقط روسيا والصين ويتم إعلان الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة، أو الحكومة العالمية السوبر باور وهو ما يحلم به اليمينيون الأمريكيون، وقد حانت لهم الفرصة علي طبق من ذهب، فجاء ما يسمونه بـ الربيع العربي ليكون نواة الحرب العالمية الثالثة وسيطرة أمريكا على العالم أجمع بلا منازع، ولنقع نحن في شرور الصلف والغرور الصهيوني اليميني الذي طالما عانينا منه لسنوات مضت، وسيكون هذا حالنا إذا ما تحققت هذه النبوءة الكيسنجرية. ربما إذا أردنا تحليل مضمون تصريحات كيسنجر، فلن نحتاج الكثير من البراهين على صدق نبوءاته، فما يحدث في المنطقة حاليا هو مشروع تقسيم حقيقي لبلدانها، ففلسطين تم تقسيمها بين العرب واليهود، ثم عادت إسرائيل لتستقطع أجزاء جديدة من المنطقة العربية في حرب 1967، ثم تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قطع أوصال المناطق الفلسطينية بالجدار الفاصل وتوسيع المستوطنات، ولم يكن لبنان بأفضل حال، ثم العراق الذي تقطع أوصاله بين أطيافه حتى كادت الأراضي الكردية تنفصل عنه تماما، وسوريا لم تعد سوريا حاليا حيث تفتت ما بين مناطق نظام ومعارضة وداعش والنصرة والقاعدة، وليبيا ذهبت مع الريح وكذلك اليمن لولا التدخل العربي هناك لكان هو الآخر عبارة عن قطع موزاييك، والمغرب العربي يئن، ومصر تحارب الإرهاب الذي يريد تفتيت قواها لينفرد الأرهابيون بها. وبعد كل هذا، لا زلنا نسمع أصواتاً انهزامية تريد العودة بنا الى الوراء وتعيد بلداننا وتحديدا الخليجية الى عصور الظلام، ويستغلون في هذا سلاح فاشل وهو سلاح الطائفية ويلعبون بالنار التي تشعلها أطراف خارجية وستكون هذه الأطراف بإذن الله أول ما يطاله حريقها. كاتب ومحلل سياسي بحريني
مشاركة :