رحبت كابل بقرار واشنطن بإبقاء آلاف الجنود في أفغانستان إلى ما بعد 2016، لدعمها في مواجهة حركة طالبان التي تتوعد الأميركيين بحرب استنزاف لا ترحم مكلفة وميؤوس منها. وقرر الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من أمس الإبقاء على 5500 جندي على الأقل هناك حتى العام 2017، مما يؤكد عدم قدرة القوات الأفغانية على الدفاع وحدها عن بلادها رغم الدعم العسكري والمالي الضخم من الدول الغربية. وقال أوباما الذي انتخب في 2008 واعدا بإنهاء الحروب في أفغانستان والعراق: «لن أسمح باستخدام أفغانستان ملاذا للإرهابيين من أجل مهاجمة بلدنا مرة أخرى». وبالتالي، لن يرى أوباما قواته تغادر الأراضي الأفغانية قبل انتهاء ولايته في يناير (كانون الثاني) 2017. وأعربت الحكومة الأفغانية عن ارتياحها إزاء قرار أوباما، مؤكدة في بيان أنها «سترد على التخويف والترهيب بكل ما لديها من قوة»، معلنة في الوقت ذاته أنها «تترك الباب مواربا أمام السلام» مع أعدائها المستعدين لإلقاء السلاح. كما رحب الرئيس أشرف غني، الوثيق الصلة بالغربيين، بالقرار، وكتب على «تويتر» أن بلاده «لا تزال مصممة أكثر من أي وقت مضى» للعمل من أجل الاستقرار والتنمية في البلاد و«تعزيز العلاقات في مكافحة الإرهاب». ويبحث مسؤولون عسكريون وبالإدارة الأميركية إبطاء الجدول الزمني لسحب القوات منذ زيارة مارس (آذار) التي قام بها للبيت الأبيض الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله. وقال أوباما إنه تحدث إلى الزعماء الأربعاء. والرئيس غني أكثر تأييدًا للوجود الأميركي من سلفه حميد كرزاي الذي ترك المنصب في العام الماضي. وأكد أوباما أنه يرى أن لواشنطن شريكًا قويًا في شخص الرئيس الأفغاني. وأشاد غني بقرار أوباما قائلا إن هذه المساعدات ستساعد القوات الحكومية في قتال «عدو شرس وماكر». وقال الرئيس الجمهوري لمجلس النواب جون بينر إن المجلس سيراجع القرار، لكنه قال إن أوباما على صواب في التخلي عن المواعيد النهائية السياسية التعسفية لسحب القوات. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج إن القرار «يمهد الطريق لوجود دائم للحلف». ويوجد أكثر من 6000 جندي غير أميركي في إطار المهمة. وحتى قبل الإعلان عن قرار أوباما، أكد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد لوكالة الصحافة الفرنسية أن المتمردين «سيواصلون هجماتهم (حتى طرد آخر الغزاة). وقد أظهرت الهجمات الأخيرة لحركة طالبان بدءا من سيطرتهم لبضعة أيام على مدينة قندوز، أبرز انتصار عسكري لها منذ عام، أن القوات الأفغانية لا يمكنها دائما السيطرة ميدانيا بمفردها رغم مبلغ 60 مليار دولار أنفقتها واشنطن طوال 14 عاما لتجهيزها وتدريبها». وبدعم من الجنود الأميركيين وحلف شمال الأطلسي، تمكنت القوات الأفغانية بشق الأنفس من استعادة السيطرة على قندوز. والثلاثاء، بعد أسبوعين من سيطرتها على المدينة، أعلنت حركة طالبان أنها أصدرت تعليمات إلى مقاتليها بالانسحاب والتراجع إلى المناطق الريفية المحيطة بها «لتعزيز خط الدفاع والاحتفاظ بقوتهم لعمليات في المستقبل» في إشارة إلى احتمال أن تكون فترة الانكفاء قصيرة الأجل. بالإضافة إلى قندوز، شنت طالبان في الأسابيع الأخيرة هجمات متفرقة ضد القوات الأفغانية في الكثير من المحافظات المجاورة، مما أثار المخاوف على الاستقرار في الشمال بأكمله، رغم أنه ليس أحد المعاقل الرئيسية للحركة. وفي الوقت نفسه، فإن طالبان وحلفاءهم لا يزالون يشكلون تهديدا في الجنوب، لا سيما حول قندهار، معقل التمرد الأفغاني. والأسبوع الحالي، أعلن التحالف العسكري لحلف شمال الأطلسي بقيادة الأميركيين، أن القوات الأميركية والأفغانية شنت عمليات ضد تنظيم القاعدة في المنطقة. يُذكر أن الولايات المتحدة أطاحت بطالبان من السلطة أواخر عام 2001 بعد أن رفضت تسليمها أسامة بن لادن، لكن الحركة تعزز قواها، خصوصا السيطرة المذهلة على قندوز، متوعدة الأميركيين بحرب استنزاف لن يكون لهم بديل في نهايتها سوى التراجع. وأضاف ذبيح الله مجاهد أول من أمس: «عندما يجد الغزاة أن الهجمات ضدهم تتصاعد ولم يعد لديهم المزيد من المال لصرفها في هذه الحرب العبثية، فسيضطرون إلى التخلي عن سياسة الاضطهاد التي ينتهجونها». وقد أعلن الجيش الأميركي الإبقاء على 9800 جندي موجود في أفغانستان حتى عام 2016 بشكل أساسي. واعتبارا من عام 2017، سيتم الاحتفاظ بـ5500 جندي في عدد قليل من القواعد بما في ذلك باغرام، قرب كابل، وجلال آباد (شرق) وقندهار (جنوب). وقبل الإعلان أول من أمس، كان الأميركيون يأملون في مغادرة البلاد في نهاية 2016 والإبقاء على نحو ألف عسكري على الأكثر. وتأمل واشنطن التي فقدت طوال 14 عامًا من النزاع أكثر من ألفي جندي، ناهيك بعشرات آلاف الجرحى والمصابين بصدمات نفسية، أن تبقي الدول الأخرى في بعثة حلف شمال الأطلسي التي تضم حاليا 12500 عسكري بعض الجنود إلى ما بعد عام 2016.
مشاركة :