لبنان ينفتح على أكثر من سيناريو مع ذكرى انفجار بيروت

  • 8/2/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت - مع اقتراب الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروع ينفتح لبنان على أكثر من سيناريو في ظل تفاقم الغضب الشعبي بسبب الانهيار الاقتصادي الذي أوقع نصف اللبنانيين في براثن الفقر، على ضوء انسداد سياسي واتهامات للطبقة السياسية بالاستهتار والفساد وعرقلة التحقيق في الانفجار. ويواجه لبنان انهيارًا اقتصاديًا رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850، ودفعت الأزمة المالية إلى تردي الوضع المعيشي، وتراجعت قيمة العملة بأكثر من 90 بالمئة خلال نحو عامين، كما ساهمت الأزمة السياسية في تأجج الغضب الشعبي. ولبنان بلا حكومة منذ أغسطس/آب الماضي انفجار ميناء العاصمة في الرابع من ذلك الشهر عام 2020 والذي تسبب في مقتل 200 شخص وإصابة 6500 آخرين وسوى عشرات المباني مع الأرض وتضررت مئات المنشآت الأخرى بالإضافة إلى خسائر مادية ضخمة، ما دفع رئيس الوزراء الأسبق حسان دياب آنذاك إلى الاستقالة. وظلت حكومة دياب في تصريف الأعمال منذ ذلك الحين، لكن العملة اللبنانية في تهاو مسمتمر، وجمدت البنوك حساباتها في أسوأ أزمة تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وفاقم الانسداد السياسي وتعثر تشكيل الحكومة مرتين أزمات لبنان المتناثرة، علما وأنه لا مؤشرات إيجابية على تجاوز الأزمة السياسية في بلد يعاني الانقسامات الطائفية وتأثير حزب الله على وصول الدعم إلى البلد. والأزمة مرشحة للتفاقم مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانفجار المرفأ في ظل تفاقم الغضب الشعبي وأهالي الضحايا، فالتحقيق لا يزال متعثرا في كشف الحقيقة ، مع العلم أن المؤشرات واضحة على أن الإهمال لعب دوراً كبيرا في انفجار مواد خطرة مخزنة عشوائياً خلفت كارثة زرعت أوجاعا موغلة في أنفس اللبنانيين. وقد يعيد تعثر التحقيق في الانفجار وعدم محاسبة المسؤولين عنه إلى جانب انهيار اقتصادي يتفاقم، لبنان إلى دائرة الاحتجاجات كتلك التي اندلعت عام 2019 ضد الطبقة السياسية الحاكمة وأطاحت برئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري وتوقف العام الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا، لكنها لم تنجح في إسقاط النظام القائم على المحاصصة الطائفية. وقد يستعيد الشارع اللبناني زخمه في ذكرى الانفجار الأولي وقد يذكي ذلك مطالب إسقاط النظام ورحيل الطبقة السياسية كاملة التي لا تزال رغم فشلها تتمسك بالسلطة. ويعد التعطيل أكثر الأسباب التي تفاقم الأزمة اللبنانية وتعرقل مسار تشكيل حكومة إنقاذ بالنظر إلى النظام القائم في لبنان على المحاصصة الحزبية والطائفية، وتسعى الأحزاب السياسية والطوائف من بينها حزب الله وحلفائه لضمان تمثيل لها في الحكومة خدمة لمصالحها المشبوهة وتعمد إلى عرقلة مسار تشكيل أي حكومة لا تضم وزراء تابعين لها، بينما يشترط المانحون الدوليون حكومة مستقلة لتقديم مساعدات ملحة إلى البلد المنهار. ولم تنجح الضغوط الدولية التي مورست بقيادة فرنسا على الطبقة السياسية في تسريع عملية التأليف، رغم أن المجتمع الدولي اشترط تشكيل حكومة من اختصاصيين تقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي. في مواجهة انسداد الأفق السياسي، تحرّك المجتمع الدولي مرارا للضغط على الطبقة السياسية، لكن ذلك لكم نجح إلى الآن في حلحلة الأزمة. وأعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبل أسابيع توجّههم لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل قبل نهاية الشهر الحالي. لكن أطرافا كحزب الله وحلفائه (حركة أمل والتيار الوطني الحر)، تقف حجر عثرة أمام تشكيل حكومة مستقلة وهو ما يرفضه الداعمون الدوليون، ما يقلل فرص حصول لبنان على الدعم. وحزب الله المدعوم من إيران مصنف بجناحيه العسكري والسياسي لدى دول خليجية وغربية وأوروبية على لائحة التنظيمات الإرهابية. ويخضع تقاسم السلطة في لبنان إلى نظام المحاصصة الطائفية، حيث يشترط النظام أن يكون رئيس الوزراء سنيا ورئيس الدولة مسيحيا وأن يترأس البرلمان شيعي، فيما يحتاج لبنان إلى حكومة كفاءات مستقلة على اعتبار أن هذا النظام فشل طيلة عقود في إدارة لبنان بل دفعه إلى الانهيار، ويحمل اللبنانيون الطبقة السياسية مسؤولية الأزمة الحالية.  وفاقم انفجار بيروت معاناة اللبنانيين، فقد توقف الزمن عند يوم الرابع من أغسطس/آب 2020 بالنسبة للبناني شادي رزق، أحد الناجين من الانفجار عندما انفجرت كمية هائلة من نترات الأمونيوم في ميناء العاصمة اللبنانية قبالة مكتبه. وقال الرجل البالغ عمره 36 عاما "هذه السنة مررت بلحظات سريعة جدا، بحيث لا تشعر بأن سنة كاملة مرت، انقضت سنة من الانفجار، الزمن توقف بشكل تام. يعني كل يوم 4 أغسطس، كل يوم، كل يوم. كل يوم اتذكر الانفجار أو اتذكر ماذا حدث بذلك النهار البشع". وكان رزق في المكتب حيث يعمل بشركة لتقديم خدمة الإنترنت وكان يصور الدخان المتصاعد من انفجار أولي في الميناء حين وقع الانفجار الثاني. واحتاج علاج رزق إلى 350 غرزة في أنحاء جسده ووجهه كما أُصيب بإعاقة بصرية جزئية جراء الانفجار. وبعد أن نجا من تجربة الاقتراب من الموت، يعتبر رزق يوم 4 أغسطس/آب يوم ولادته مجددا ويريد الآن مواصلة هذا الفصل الجديد من حياته بعيدا عن لبنان. وقال "لا أشعر بأمان ببلدي، لذلك أريد الرحيل، وهذا أصعب قرار سآخذه بحياتي". وتقدم الآن بطلب للهجرة إلى كندا ويخطط ليكون هناك بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل. في ذات الوقت ما زال يعيش في منزل عائلته في إحدى ضواحي بيروت المطلة على المرفأ مما يجعله يتذكر يوميا تجربته المؤلمة. ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للانفجار يوم الأربعاء يقول رزق إن "غضبه الداخلي" يتزايد بسبب توقف التحقيق في الانفجار. وهو واحد من العديد من اللبنانيين الغاضبين من غياب المحاسبة بعد مرور عام على الواقعة. وأضاف رزق "إلى الآن لم يُلق القبض على أحد، ولا أحد استقال، ولا سجن، بعدها ما بانت الحقيقة التي وعدونا بها أنها ستظهر خلال خمسة أيام أو عشرة ". وما زال طبيب رزق يستخرج الزجاج من جسده. ورغم أن العديد من ندباته عولجت الآن فأنه ما زال يتعافى جسديا ونفسيا. وقال رزق، بينما يقف في الشارع الذي يقع به مكتبه المدمر المواجه لصوامع الميناء المحطمة، "الندوب الداخلية هي الأبشع، يعني يمكن جسديا سأصح، لكن نفسيا لا أدري أي وقت اُشفى". وقالت تاتيانا (20 عاما) إنها كانت نائمة عندما حدث الانفجار وبدا لها أن المكان الذي تشعر فيه بالأمان اختفى كما غاب والدها الذي كان يمثل لها كل حياتها. ورغم أن تاتيانا لم تُصب بأذى جسدي في الانفجار الذي خرب بيتها فقد شعرت على الفور بوطأته النفسية وسعت للحصول على دعم من أخصائي نفسي. ويقول أطباء ومعالجون نفسيون وعاملون بمنظمات أهلية إن ثمة زيادة كبيرة طرأت على أعداد اللبنانيين الذين يطلبون رعاية نفسية خلال العام الأخير إذ اجتمعت الأزمة المالية المتصاعدة التي تشهدها البلاد مع الانفجار وجائحة فيروس كورونا لتثقل كاهل اللبنانيين.

مشاركة :