مقولة (في أحد الأيام، ستتنازل مجبرًا عن بعض أحلامك، حتى تعيش واقعك) جبران خليل جبران. الواقع يعجبك حيناً وقد لا يعجبك حيناً آخر، فالحياة جميلة في واقعها، لكن الإنسان يراها من زوايا مختلفة حسب واقعه. ثبت علميًا أن الجلد هو مركز الإحساس في جسم الإنسان وربما المخ كما أكد ذلك الباحثون في علم الأعصاب، أو ربما هناك مركز آخر في جسم الإنسان. نشعر بالألم حين تصاب أجسامنا ونشعر بالألم حين نتنازل لكن ألم الجسم يُشفي وألم التنازل يصعب شفاؤه وإن طال الزمن إلا في حالات نادرة أو قليلة. هناك من يظُنْ أنّ الحياة بأكملها له وأنها ستمنحه معظم ما يريد، كيفما يريد ووقتما يشاء وهذا ظن خاطئ، ظن بعيد عن واقع الحياة. التنازل بين الناس أساسه الاختلافات في الرأي وهذا من اختلاف الطباع بين البشر، والتنازل الذي لا يُهدِر الكرامة ولا يمس القيم الإنسانية ويجعل الحياة أكثر إشرقاً مرحباً به وهو جزء من تفاصيل الحياة. اقتبس (أكبر تنازل تقدمه في حياتك هو أن تتأقلم) محمود درويش. التأقلم بعد التنازل لمنْ يستحق أن تتنازل من أجله دليل التسامح، والتسامح هي صفة الإنسان القوي الذين يملك مشاعرة ويضبط نفسه في المواقف الصعبة. التنازل فن يجهله الكثيرون من الناس. التنازل بلسم رضا الوالدين، الأم والأب كيف لا والحياة تعطينا من رضاهم ودعائهم وتربيتهم في الصغر، كيف لا وهم قرة العين وصفاء القلب وتاج الحب. كيف لا وما نقوم به جزء بسيط من رد الجميل. كيف لا وهم يسامحونني في كل مرة أخطئ فيها في حقهم. صور كثيرة تحدث هنا وهناك في مجتمعنا، صور تُدمع العين، صور عقوق الأبناء الذين تجاوزوا حدود رضاهم والعطف والحنان. الجميل إنّ هناك من يتنازل عن قناعات شخصية في سبيل إبقاء العلاقات الإنسانية في أوج جمالها ولا يخدشها بالتعنت الذي يصل به إلى سور عظيم لا يمكن تجاوزه. تنازل بين الزوجين ما لم تمس الثوابت شيء لا بد منه، إذا كان سيصل بالأسرة إلى بر الأمان، ويساعد في بناء أسرة متحابة، التنازل بين الأخوة في سبيل إبقاء العلاقات والمحبة، التنازل بين الصغير والكبير من أجل المودة والعطف. صور التنازل كثيرة إذا كانت صوراً إيجابية. شخصياً أعتقد أن التنازل بحد ذاته فن فبعض التنازلات غير المحسوبة قد تفقد المرء جزءا من كرامته أو شخصيته أو حتى احترامه لذاته وهذا غير مقبول حين تأخذ نفسه إلى دهاليز مظلمة. للأسف هناك من يتنازل بثمن هل هذا تنازل؟ وما عساي أن اسميه؟ إنه التنازل مدفوع الثمن وهذا ليس تنازلاً بل قتل القيم الإنسانية تحت شعار التنازل الكاذب. كثرة التنازلات في البداية تجعلك لا تملك شيئاً في النهاية فليس كل إنسان في حياتك يستحق أن تعطي كل ما في قلبك له وقد يصدمك بواقع يجعلك تتحسر على ما قدمت من أجله خصوصا بين الزوجين وعادة الزوجة تقدم التنازلات لزوجها على طبق من ذهب، للأسف أصبح بعض الأزواج من الأنانية وحب الذات لدرجة أن يفرضوا على زوجاتهم تقديم كل التنازلات لينعموا هم دون غيرهم بكل الحقوق والمميزات وشعار بعض الزوجات من أجل حبنا وحياتنا لعل الزوج يدرك خطى السير في الاتجاه الذي يوصل إلى حافة الهاوية. من أقوالي: (التنازل الذي يعقبه تأقلم ألم يُدمي القلب).