تعهّدت الدول المشاركة في مؤتمر الدعم الدولي، الذي نظمته فرنسا والأمم المتحدة عبر الإنترنت الأربعاء، بتقديم نحو 370 مليون دولار كمساعدات للبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، داعية الى تشكيل حكومة تنكب على "إنقاذ" البلاد من مأزقها الراهن. والمؤتمر، الذي شارك فيه ممثلون عن أربعين دولة ومنظمة دولية، وخُصص لتقديم مساعدات إنسانية للبنان، هو الثالث منذ انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من آب/أغسطس 2020، الذي نتج عن تخزين كميات من مادة نيترات الأمونيوم من دون اجراءات وقائية، وتسبّب بمقتل 214 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين. وخلف الانفجار أضراراً هائلة في المرفأ ومحيطه وعدد من أحياء العاصمة. وتخطت قيمة المساعدات التي تعهد المؤتمرون بتقديمها الأربعاء والبالغة 370 مليون دولار قيمة الاحتياجات التي كانت الأمم المتحدة قد حددتها بـ 350 مليون دولار، في مجالات المواد الغذائية والصحة والتعليم وتنقية المياه، في وقت تتراجع فيه قدرة المرافق العامة على توفير الخدمات الأساسية. وكرر المشاركون في المؤتمر دعوة القادة اللبنانيين الى تشكيل حكومة، تنكبّ على اجراء اصلاحات بنيوية، يشترطها المجتمع الدولي منذ عام مقابل تقديم دعم مادي، لوضع حدّ لانهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850. وشدد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال المؤتمر على أنّه "لن تكون أي مساعدة خارجية كافية إذا لم يلتزم قادة لبنان بإنجاز العمل الصعب إنما الضروري القاضي بإصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد"، مضيفا "هذا أساسي، يجب البدء الآن". وندد نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ترأس الاجتماع، في كلمة عبر تقنية الفيديو من المقر الصيفي للرؤساء الفرنسيين في جنوب فرنسا، بما وصفه بـ"اختلالات غير مبررة" في أداء الطبقة السياسية. دفع انفجار المرفأ حكومة حسان دياب الى الاستقالة بعد أيام منه. ولم تتمكن القوى السياسية منذ عام من تشكيل حكومة. وكلّف رئيس الجمهورية ميشال عون في 26 تموز/يوليو الملياردير ورئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، تشكيل حكومة، ليكون بذلك ثالث شخصية توكل اليها هذه المهمة الصعبة، من دون أن يُحرز تقدماً بعد. واعتبر ماكرون الذي زار بيروت مرتين منذ الانفجار أن "المسؤولين اللبنانيين يراهنون على ما يبدو على اهتراء"، متهماً الطبقة السياسية "مجتمعة" بأنها "استمرت في تعميق (الأزمة) من خلال إعطاء الأولوية لمصالحها الشخصية وأنصارها قبل مصالح الشعب اللبناني". "لا شيك على بياض" منذ عام، يشترط المجتمع الدولي تشكيل حكومة تضم اختصاصيين وتقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم دعم مالي يحتاجه لبنان بقيمة تتخطى 11 مليار دولار. ويكتفي في الانتظار بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، رغم تكرار السلطات مناشدتها الجهات المانحة عدم ربط دعمها للبنان بتشكيل حكومة. وجمع مؤتمران سابقان مساعدات بقيمة 280 مليون يورو. وتعهّدت باريس بتقديم مساعدات عاجلة بقيمة نحو مئة مليون يورو في الأشهر الـ12 المقبلة، بعد 85 مليون يورو قدّمتها عام 2020، للاستجابة الى الحاجات المباشرة للسكان. كما سترسل نصف مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في الأسابيع المقبلة. وأعلن بايدن عن تقديم نحو مئة مليون دولار من المساعدات الإنسانية، تضاف إلى 560 مليون دولار قدمتها بلاده خلال السنتين الماضيتين. وأعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بدوره عن التزامات تصل إلى 40 مليون يورو، بما في ذلك للاجئين السوريين، بعد 24 مليون يورو قدمتها بلاده العام الماضي. وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 5,5 مليون يورو من أجل التصدي لوباء كوفيد-19. وتذهب المساعدات مباشرة الى السكان عبر منظمات المجتمع المدني برعاية الأمم المتحدة، من دون المرور بقنوات أو مؤسسات رسمية، لضمان وصول المساعدات الى مستحقيها وللحؤول دون شبهات فساد، تلاحق أداء الطبقة السياسية، التي يحمل اللبنانيون عليها فشلها في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة. وأعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا خلال المؤتمر أن لبنان سيستفيد من 860 مليون دولار من مخصّصات حقوق السحب الخاصة التي ستُمنح للدول الأعضاء، داعية إلى استخدامها "بطريقة مسؤولة وحكيمة". وكرر ماكرون التأكيد على أنّ "مؤتمر اليوم هو مؤتمر إنساني لدعم الشعب وهو غير مشروط، لكن لن نعطي شيكا على بياض للنظام السياسي اللبناني لأنه منذ بداية الأزمة وقبلها حتى كان معتلا". عقوبات وقال ماكرون "لقد فوتوا كل الفرص ولم يحترموا أي التزام" مضيفاً "يستحق لبنان ألا يستمر بالعيش معتمدا إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي". ولوّحت فرنسا، التي فرضت في نيسان/أبريل قيوداً على دخول شخصيات لبنانية، تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد، إلى أراضيها، مجدداً بالعقوبات بما فيها على مستوى الاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون "على القادة اللبنانيين ألا يشكوا ولو لثانية واحدة بتصميمنا". وصادق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الجمعة على إطار قانوني يتيح "إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسؤولة عن التعرّض للديموقراطية أو لسيادة القانون في لبنان". ويتعين أن تحظى قائمة من ستشملهم العقوبات بموافقة أعضاء الاتحاد الـ27 بالإجماع. وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال "نأمل ألا نضطر الى الوصول الى هناك"، فيما أكّد ماس أنه "ليس هناك وقت لنضيّعه". يغرق لبنان منذ صيف عام 2019 في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فاقمتها تدابير التصدي لكوفيد-19 وانفجار المرفأ. وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة. ويتزامن عقد المؤتمر مع مرور عام على انفجار المرفأ الذي يثير نقمة اللبنانيين، وخشيتهم من تمييع التحقيق بفعل تدخلات سياسية من أطراف عدّة، في بلد مرت فيه عشرات جرائم الاغتيال والتفجير من دون محاسبة. وأكد ماكرون أن "المسؤولين اللبنانيين مدينون لشعبهم بالحقيقة والشفافية" مضيفا "تعاونت فرنسا ودول أخرى لتوفير كل المعلومات المتاحة لدينا ونحن مستعدون لأي تعاون فني" لا يزال ضروريا في إطار التحقيق "الذي يترقب كل الشعب اللبناني" نتائجه.
مشاركة :