أسفر «المؤتمر الدولي الثالث لدعم الشعب اللبناني» الذي دعت إليه فرنسا ورعته الأمم المتحدة عبر تقنية «الفيديو كونفرنس» عن توفير وعود بمساعدات للبنان بلغت قيمتها 370 مليون دولار، وهي تتخطى الاحتياجات التي قدرتها المنظمة الدولية بـ357 مليون دولار. ونجح الرئيس إيمانويل ماكرون في «تعبئة دولية واسعة» من أجل لبنان، ضمت 40 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، وحققت الأهداف التي حددتها الأمم المتحدة وفرنسا. وحرص البيان الختامي للمؤتمر على الإشارة إلى أن المشاركين شددوا على طبيعة المساعدة «الإضافية» التي «لا تشكل الحل الدائم للصعوبات التي يواجهها لبنان؛ بل فقط لإنقاذ حياة الأشخاص المعرضين» للخطر. وعدّ البيان أن «المسؤولية تقع على عاتق القادة السياسيين في لبنان الذين عجزوا (حتى اليوم) عن تشكيل حكومة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة لتشكيل حكومة»، وتضمن البيان ترحيباً بتكليف الرئيس نجيب ميقاتي «لغرض إنقاذ البلاد» بحيث تكون «مهمة الحكومة المباشرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتحضير للانتخابات التي يتعين أن تجرى في موعدها وأن تحدث بشكل شفاف وحيادي». وشكل المؤتمر «مضبطة اتهام» للطبقة السياسية اللبنانية. وهاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسؤولين والسياسيين. وأعلن وقوف فرنسا الدائم إلى جانب اللبنانيين وتوفير 100 مليون يورو للأشهر الـ12 المقبلة، إضافة إلى تقديم 500 ألف لقاح ضد «كوفيد19». إلا إنه أكد على أن المساعدة ستذهب مباشرة إلى الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وفق الآلية التي أقرتها الأمم المتحدة. وأكد ماكرون على ضرورة توفير «الشفافية» وهي الكلمة التي استخدمها 10 مرات. وقال: «نحن مستمرون على السهر كي يذهب دعمنا مباشرة إلى الشعب اللبناني بشكل شفاف ويمكن التأكد منه وفق آلية متابعة كافية». وفي السياق عينه، شدد ماكرون على ضرورة التزام «الشفافية والحياد» في سبل استخدام قرض الـ246 مليون دولار الذي يمكن أن يحصل عليه لبنان من البنك الدولي لبناء شبكة «أمان اجتماعي» في ظل غياب الدولة... «والأمر نفسه يتعين أن ينسحب على استخدام الـ860 مليون دولار التي سيحصل عليها من صندوق النقد الدولي من خلال ما تسمى (حقوق السحب الخاصة)». وأصر ماكرون على أن يتم استخدامها تماشياً مع «توجهات مجموعتي (السبع) و(العشرين)» دون توفير مزيد من الإيضاحات. ودعت مديرة صندوق النقد، كريستالينا جيورجيفا، إلى استخدام هذا المبلغ الذي «لا يستهان به» بـ«شكل مسؤول وحصيف»، فيما يمر لبنان بمرحلة «حرجة». وتوجه ماكرون إلى الرئيس ميشال عون وعبره إلى كل المسؤولين لتقريعهم والتأكيد على أن أزمة لبنان «ليست قضاءً وقدراً؛ إنما إفلاس فردي وجماعي وتعطيل (للمؤسسات) لا يمكن تبريره، وتهرّؤ نموذج (للحكم) أشاح بوجهه عن خدمة الشأن العام». واستطرد ماكرون قائلاً إن «مجمل الطبقة السياسية ساهم في تعميق الأزمة من خلال تقديم مصالحه الفردية والحزبية على مصالح الشعب اللبناني» ليصل إلى اتهام السياسيين بـ«المراهنة على تهرّؤ الوضع»، ووصف ذلك بـ«الخطأ التاريخي والأخلاقي». وكما في كل مرة؛ حث الرئيس الفرنسي الطبقة السياسية على تشكيل الحكومة الموعودة فهو «أولوية الأولويات» من أجل القيام بالإصلاحات المطلوبة التي «ستتيح للأسرة الدولية أن تدعم لبنان بشكل أوسع». واتهم السياسيين بالإخلال بالتزاماتهم وبتبديد فرصة الاستفادة مما قرره مؤتمر «سيدر» والمليارات الـ11 التي وعدت بها بيروت مقابل الإصلاحات، عادّاً أن لبنان «يستحق وضعاً أفضل من الذي يعيش فيه معولاً على تضامن الأسرة الدولية». ونبه ماكرون «المسؤولين اللبنانيين» إلى أن باريس ومعها العواصم الأوروبية وغير الأوروبية (الأميركية) ستكون «حازمة» في التعاطي معهم، مذكراً بأنها فرضت عقوبات على سياسيين فيما الاتحاد الأوروبي أقر «نظام عقوبات خاصاً بلبنان». ونوه ماكرون بأن فرنسا والدول الأخرى «وفرت ما تمتلكه من معلومات، وهي جاهزة لتقديم أي مساعدة تقنية»، وبأن «من حق الشعب اللبناني أن يعرف حقيقة ما حدث بكل شفافية». ورسالته الأخرى للسياسيين أن النظام السياسي اللبناني «لن يعطى أي شيك على بياض» مما يعني ضمناً تأكيد اتهامات الفساد واستغلال المال العام. وترأس الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، وفد المملكة المشارك في المؤتمر عبر الاتصال المرئي، بمشاركة المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة. وعبر الأمير فيصل بن فرحان عن تضامن السعودية المستمر مع الشعب اللبناني في أوقات الأزمات والتحديات، مؤكداً محافظة المملكة على مساهماتها المستمرة لإعادة إعمار لبنان وتنميته. وقال وزير الخارجية السعودي: «المملكة من أوائل الدول التي استجابت لتقديم المساعدات الإنسانية للبنان بعد الانفجار المروع الذي وقع قبل عام تحديداً، في مرفأ بيروت، من خلال (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)، الذي يواصل تنفيذ برامجه في بيروت حتى يومنا هذا». وأوضح أن إصرار «حزب الله» على فرض هيمنته على الدولة اللبنانية هو السبب الرئيسي لمشكلات لبنان، وحث السياسيين اللبنانيين من جميع الأطراف على «تأدية واجبهم الوطني لمواجهة هذا السلوك، تحقيقاً لإرادة الشعب اللبناني في مكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات اللازمة». وجدد تأكيد المملكة على أن أي مساعدة تقدم إلى الحكومة اللبنانية الحالية أو المستقبلية «تعتمد على قيامها بإصلاحات جادة وملموسة، مع ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتجنب أي آلية تمكن الفاسدين من السيطرة على مصير لبنان». وأضاف: «يقلقنا أن التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت لم تسفر بعد عن أي نتائج ملموسة». وشارك الرئيس الأميركي جو بايدن عبر تسجيل فيديو نبه فيه إلى أن «كل هذه المساعدات الخارجية لن تكون كافية إذا لم يلتزم القادة اللبنانيون بالقيام بالعمل الصعب؛ إنما الضروري، لإجراء الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد». وشدد بايدن على ضرورة «قيام حكومة بشكل سريع، للعمل على أولوية وضع لبنان على طريق النهوض، وإذا اختار القادة اللبنانيون هذا الخيار، فسيجدون الولايات المتحدة إلى جانبهم في كل خطوة لبناء مستقبل واعد أقوى، وليس هناك وقت لإضاعته. ونحن هنا لمساعدتكم إذا التزمتم بتعهداتكم». وأعلن بايدن عن تقديم مساعدة بـ100 مليون دولار للبنان تضاف إلى الـ560 مليون دولار التي سبق لواشنطن أن قدمتها. ولم تعرف المدة الزمنية التي يغطيها المبلغ المذكور. وكرر الرئيس ميشال عون التزامه بأن «يذهب القضاء إلى النهاية في التحقيق والمحاكمات حتى تبيان الحقائق وتحقيق العدالة المنشودة». وعدّ عون أن لبنان «لم يعد بإمكانه انتظار الحلول الإقليمية ولا الكبرى». وفي إشارته إلى الأزمة الحكومية، قال عون إن «البلاد غرقت لأشهر خلت في أزمة سياسية طغت فيها للأسف تفاصيل التشكيل على المشروع الإنقاذي للحكومة». ورداً على تحذيرات ماكرون وجيورجيفا، سعى إلى الطمأنة لجهة كيفية استخدام المبلغ العائد للبنان من حقوق السحب الخاصة، واعداً بتوظيفه بـ«أفضل طريقة لمواجهة الانهيار وبدء الإصلاحات». وحذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأنه «لا يمكن لنا الانتظار ورؤية اللبنانيين يقتربون من الهاوية، ويجب أن نقدم المساعدات الإنسانية والصحية والغذائية، ولا يجب أن ننسى أيضاً أن اللبنانيين يستضيفون أيضاً لاجئين يعيشون بدورهم في ظروف صعبة». كذلك شدد على أهمية المؤسسات اللبنانية من أجل توفير الاستقرار ودعم القوى الأمنية، لافتاً إلى الحاجة لـ«مساعدة دولية منسقة تتخطى الحدود الجغرافية للبنان لتصل إلى المنطقة بأكملها». وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «أيادي مصر ممدودة إلى المجتمع الدولي للتكاتف وتسخير كافة إمكاناتنا لدعم لبنان، وبناء مستقبل أفضل لشعبه». وأضاف أن «لبنان ما زال قادراً بعزيمة أبنائه على النهوض من الكبوة الحالية». وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، أمس، إن «الرئيس السيسي وجّه رسالة للشعب اللبناني بأن لبنان الذي كان دائماً منارة للثقافة والفن والفكر، ورافداً مهماً من روافد الإبداع العربي، ما زال قادراً بعزيمة أبنائه على النهوض من الكبوة الحالية، والعودة مجدداً ليكون مزدهراً وفريداً كما نحب أن نراه».
مشاركة :