برئاسة سمو ولي العهد رئيس الوزراء عُقد اجتماع اللجنة التنسيقية (27 يوليو 2021) واستعرضت فيه قضية «تطوير مخرجات التعليم العالي». وفي نهاية الشهر الماضي قال رئيس مجلس أمناء مجلس التعليم العالي إن «البحرين ستحافظ على ريادتها في التعليم إذا استمر نسق التحسن على الوتيرة نفسها» (أخبار الخليج 30-7-2021) غير أن الوتيرة نفسها قد لا تفي بمتطلبات التغيير الذي تمر به البحرين والمنطقة والعالم. الأرجح أن قرار اللجنة التنسيقية يأتي من إدراك حجم التغيرات التي تحدث والحاجة إلى تطوير مخرجات التعليم لمواكبتها، وهذا ما نادى به المجتمع على مدى العقدين الماضيين. ما يؤكد الحاجة إلى تطوير مخرجات التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص وهو ما تقوم به الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي من الاستعانة بالخبرات الدولية، وأعربت عنه في لقائها سفير اليابان وتطلعها إلى تعاون يرفع مستوى التعليم (أخبار الخليج 21-6-2021) أي أننا بحاجة إلى تطوير مخرجات التعليم العالي، وإن الحاجة ملحة لدعم المسار الاقتصادي والاجتماعي والفكري لتنمية مجتمع يتأهب للاستفادة من الحداثة. السؤال الآن ماذا يعني تطوير التعليم العالي لنا في البحرين وماذا نقصد بالجودة وهل هناك اتفاق بين مختلف الجهات على فهم مشترك؟ هل هو تخريج كوادر لسوق العمل بمختلف تخصصاته؟ أم تخريج مواطنين قادرين على الإضافة والارتقاء بالمجتمع في المجالات العلمية والتكنولوجية والفكرية؟ أم تخريج مواطنين يتحلون بقيم إنسانية تحترم الإنسان والعدالة والحق في إبداء الرأي واحترام الاختلاف ونبذ التعصب، أم كل هذه المتطلبات مجتمعة؟ من قانون التعليم العالي رقم 3 لسنة 2005 نستخلص أن مهام المجلس تنمية وتطوير المهارات والقدرات والبحث العلمي، وتهيئة الخريجين للنجاح في الحياة والمرونة في مواكبة تحولات المعرفة، وتنمية قدرات الطلبة على التفكير العلمي التحليلي الشمولي الناقد وحل المشكلات ابتكاريا، وتكوين قيادات مجتمعية في مختلف الأنشطة تسهم في النهوض بالمجتمع. ومن كلمة الأمين العام (موقع الإنترنت للمجلس) يتضح أن من مهامه أيضا «تولي مسؤولية وضع وإدارة خطة تنفيذ استراتيجية تطوير التعليم العالي» ما يعني ضمنيا أن هناك استراتيجية للتعليم العالي وأن مجلس الأمناء مكلف بتنفيذها بالتعاون مع الجامعات. فمن يضع الخطة الاستراتيجية وما الآلية لتفعيلها وترجمتها إلى نتائج؟ وما المعايير لمتابعة التنفيذ وتحقيق النتائج؟ الإحصائيات المتوافرة في الموقع (آخر تحديث 2014) تتحدث عن أعداد الخريجين وجنسهم وأعمارهم وتخصصاتهم وبلدهم الأصلي، من دون أن يقدم إجابات على الأسئلة التي تحيط بجودة التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. من هذا السرد يتضح أن التعليم العالي ليس امتدادا للتعليم الأساسي بل إنه تعليم يؤهل لإنتاج معرفة وخلق مجتمع المعرفة؛ ويهتم بدور البحث العلمي وتلبيته لمتطلبات التنمية ودعم الابتكار وتطور المجتمع وإسهامه في فهم قضاياه ومناقشتها ودراستها وتقديم حلول لها؛ ويهيئ خريجين يسهمون في إدارة شؤون البلاد، ومجتمع الأعمال وسوق العمل، ويقومون بخدمة المجتمع من خلال التنشيط التنظيمي والثقافي والفكري، ومن ثم فإن أمام اللجنة التنسيقية مهمة كبيرة في تطوير التعليم العالي ووضع عدد من التعريفات الضرورية للاتفاق على متطلبات التطوير وإحداث التقدم ووضع رؤية واستراتيجية واضحة تتفق مع متغيرات القرن الواحد والعشرين ومتطلبات التنمية والمجتمع. النجاح في تفعيل الرؤى والخطط الاستراتيجية سوف يعتمد أولا: على منهجية إدارة الأداء وتقييمه والمؤشرات التي تضعها الإدارة لمتابعة أدائها. ثانيا: توافر تمويل كاف للقيام بهذا الدور. ثالثا: وجود التشريعات المناسبة لدعم البحث العلمي وتمكين الجامعات من البحث والنشر. رابعا: وضع الحوافز للإنتاج العلمي وتطبيقاته في القطاع الخاص وسوق العمل وكيف يتم وضع هذه الحوافز؟ خامسا: والأهم سيعتمد على آليات المساءلة وتحديد المسؤولية على تحقيق النتائج؟ أي أن إدارة الأداء لتحقيق النتائج تحتاج إلى وسيلة لتقييمه ومتابعته ليس لمعاقبة المقصر بل لتمكين المسؤولين وتحفيزهم والتوفيق بين نظرتهم إلى جودة المخرجات ومتطلبات النجاح. هذا يعني تكريس بيئة مناسبة تقبل استخدام قياس وتقييم الأداء، كما تعني سياقا اجتماعيا وتنظيميا مواتيا تستخدمه لإدارة عملية التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. هذا يضع مسؤولية على مجلس التعليم العالي لقيادة العملية واتخاذ قرارات حول ما الجودة وكيف سيقيمها، وكيف سيفسر النتائج ونشرها وتعميمها. كما يتطلب منهجية تدعو إلى مشاركة المجتمع في الإسهام في تعريف وتطوير جودة مخرجات التعليم. وفي حالة مشاركة القطاع الخاص والمسؤولين في التنمية الاقتصادية وسوق العمل ومنظمات المجتمع المدني وأولياء الأمور والهيئات الأكاديمية، فإن الاهتمام سوف يتركز على ما هو مهم ويعبر عن تطلعات المجتمع ومتطلبات التنمية. هذه التطلعات والمتطلبات بجوانبها المختلفة (الجانب المالي، والتعليمي، والبحثي، والتدريبي، والقيمي والأخلاقي) يتم ترجمتها إلى خريطة استراتيجية متعددة الأبعاد بمؤشرات على مستوى المجلس الأعلى للتعليم تكون بمثابة الدليل للجامعات والمؤسسات التعليمية لوضع خططها وبرامجها وسبل تقييمها. السؤال هنا، ما موقف مجلس التعليم العالي من إشراك المجتمع بفعالياته المختلفة في وضع تصوراتهم عن الاحتياجات والمتطلبات، ليس فقط للبحرين ولكن لمنطقة الخليج إن كانت الرؤية تشمل استقطاب طلبة من المنطقة؟ لذلك نرى أن الجهد المطلوب من اللجنة التنسيقية لتطوير جودة التعليم العالي سيكون كبيرا ونتمنى لها التوفيق. drmekuwaiti@gmail.com
مشاركة :