تذكرت سهير البابلى فى (مدرسة المشاغبين) وهى تسأل مرسى الزناتى (سعيد صالح): تعرف إيه عن المنطق يا مرسى؟ بالضبط عندما سأل مذيع قناة (العربية) عمرو خالد عن رأيه فى تصنيف مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية لتنظيم الإخوان باعتباره جماعة إرهابية، فقال له: أخ خالد- يقصد مقدم برنامج (سؤال مباشر) خالد مدخلى- لا تأخذنى إلى أبعاد السياسة، وأنا بكلمك عن الروحانيات، ونحن فى العشر الأوائل من ذى الحجة، وأضاف أنا ح أتكلم عن الإحسان، أنا ماليش علاقة بالإخوان. أراد أو تصور أنه طالما لم يؤيد قرارات الدول الثلاث فهو ضمن ألا تغضب منه الجماعة، أو المتعاطفون والمتعاونون مع الجماعة. أستطيع أن أقول بضمير مستريح إن عمرو خالد يعيش حاليًا فى مرحلة أفول إعلامى، لم يعد له هذا التواجد الطاغى الذى كان يضعه بين أكثر الشخصيات تأثيرًا فى العالم، أكرر فى العالم أجمع وليس فقط عالمنا العربى، وهى استفتاءات موثقة، الرجل بلغ ذروة الحضور وهو يرتدى البدلة وملابس الكاجوال، وكان قد مضى على رحيل الشيخ الشعراوى سنوات قلائل، فكان لابد من ملء الفراغ بمواصفات أخرى، والتى بدأت فى مطلع عام 2000، تأثير ساحر، نبرة صوته التى تقف بين الرجولة والأنوثة- وهذا مجرد توصيف لنبرة- تحمل ملمحًا أنثويًا وذكوريًا، والمراهقات تحديدًا يجدن فى هذا الصوت قدرًا من الارتياح والأُلفة تعرف مباشرة طريقها إلى قلوبهم، ذروة نجاح عمرو وصلت فى السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة، حيث كان يتشكل جيل أطلقوا عليه (زد) هو جيل رقمى وُلد فى السنوات الخمس الأخيرة من الألفية الثانية، وكان خالد عصريًا فى مفرداته، وعلى نفس الموجة فى التعامل مع (زد) وظهر له تلاميذ مثل معز مسعود ومصطفى حسنى. عمرو لديه قدرة على الأداء، إلا أنه يبالغ فى التعبير، ولكن حتى ما أراه أنا أو غيرى مبالغة يجد صدى إيجابيًا لدى قطاع لا يمكن إنكاره، خاصة بين المراهقين، وفى توقيت قريب حتى عشر سنوات خلت كان عدد كبير من الكتاب والإعلاميين الكبار اللامعين شديدى الارتباط بعمرو، وله دائرة متسعة، كثيرًا ما تورطوا فى معارك من أجل الدفاع عنه. الحضور الجماهيرى تقلص مع الزمن، بل إعلان (الفرخة) اشتغل عليه (جيل زد) فصار يتلقى منهم ضربات قاتلة بقدر ما هى ساخرة. اعترف ولو على استحياء بهذا الخفوت، إلا أنه مثل أغلب النجوم، عندما تتقلص نجوميتهم لا يواجهون الحقيقة، وإذا اعترفوا مع أنفسهم، يذكرون فقط أسبابًا خارجة عن إرادتهم، مثل محاصرة الدول لهم أو اصطدامهم أمنيًا، أو منعهم من وسائل الإعلام وغيرها، ولكن يبقى أهم سبب وهو أن الوهج انطفأ، حتى دائرة الإعلاميين التى كانت تحيط به تقلصت تمامًا. يقول إنه داعية ولن يتكلم سوى عن الإحسان، ولا أدرى بالضبط أى إحسان يقصد، لو رجعت إلى الأرشيف تجد مثلًا أن عمرو أديب سأله فى (القاهرة اليوم) عندما كان مذيعًا فى (الأوربيت): هل ترشح نفسك لرئاسة الجمهورية؟ جاءت إجابته: ليس الآن، ولكن ممكن مع الأيام. بينما الآن يخشى أن يقول رأيه فى الإخوان، أراد أن يظل حتى اللحظة الأخيرة محتفظًا برضاء الجميع، ولا أظنه قد أرضى أحدًا ولا حتى نفسه. أن تقول رأيك الصريح أراه هو بالضبط الإحسان، الذى امتنع عن فعله عمرو خالد.
مشاركة :