هل حقا لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب؟ «1-2»

  • 10/18/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أطلق الباحث اللبناني الدكتور خالد زيادة مقولة فكرية مهمة تحددت بقوله: (لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب)، التي جاءت عنوانا لكتابه الصادر سنة 2013م، وفي طبعته الجديدة سنة 2015م، هذا العنوان الجاذب واللافت للانتباه يصلح أن نعطيه صفة المقولة، ونتعامل معه بهذا الوصف، وهي المقولة التي ستعرف بالمؤلف لاحقا، وسيعرف بها كذلك، وذلك لأهميتها وطرافتها وإثارتها للدهشة، علما أن المؤلف لم يعط عنوان كتابه هذه الصفة، ولم يتعامل معه بهذا الوصف. إعطاء العنوان صفة المقولة لكونه أقرب من ناحيتي المبنى والمعنى إلى صفة المقولة، ولسعة حقله الدلالي، ولجعله في دائرة الفحص والتحليل، ولإعطائه فرصة الجدل والنقاش، ومن أجل النظر في صدقيته، والتثبت من حقيقته، وباعتبار أن أفق المقولة أكثر سعة من أفق العنوان. لكن الملاحظ أن الدكتور زيادة لم يتعامل مع هذه المقولة بهذا الأفق، ولم يعطها هذا القدر من الدهشة، بل ولم يتوقف عندها كثيرا، كما هي تستحق، ولم يأت على ذكرها في جميع مداخل وفصول الكتاب، وأشار إليها في خاتمة الكتاب فقط، بطريقة عابرة لا تلفت الانتباه، وكأنه لم يكن بصدد تسليط الضوء عليها، ولو لم ترد في عنوان الكتاب لكان من الصعب التنبه إليها، ولأصبح مصيرها إلى الطمس والإهمال والنسيان. أما المفارقة التي بحاجة إلى توقف، هي أن الكتاب من المقدمة إلى ما قبل الخاتمة جاء في سياق فكري وتحليل تاريخي مختلف، لا يقدم إثباتا على هذه المقولة ولا يبرهن عليها، وإنما يقدم إثباتا وبرهانا عكسيا عليها، فبنية الكتاب بفصوله الثمانية تتناول الحديث عن تاريخ العرب الحديث والمعاصر من جهة العلاقة بأوروبا بوصفها مصدر تأثير من جهة، ومصدر استلهام من جهة ثانية، ومصدر تهديد من جهة ثالثة. وتأكيدا لهذا الرأي اعتبر الدكتور زيارة أن كل التطورات التي شهدها العالم العربي منذ بداية القرن التاسع عشر هي نتيجة للعلاقة المتوترة مع أوروبا، لهذا فإن العلاقة مع الغرب حسب قوله، ظلت تواكب هذا الكتاب في كل فصوله، طالما أن التطورات التي شهدها العالم العربي كانت بتأثير هذه العلاقة. علما أن الدكتور زيادة كان مدركا لهذه المفارقة، ومتنبها لها، وبانيا ومرتبا عليها أثرا له علاقة بطبيعة المقولة التي توصل إليها، فقد أراد القول بأننا نحن العرب قد ربطتنا علاقات طويلة بأوروبا، واعتمدنا عليها وأخذنا منها كثيرا، وحان الوقت الذي نغير فيه المسلك والمسار، والاتجاه نحو الاعتماد على أنفسنا، والنظر إلى ذاتنا بعيدا عن سحر أوروبا والارتهان والتبعية لها. من جانب آخر، إن هذه المقولة لو جاءت من شخص في غير منزلة الدكتور زيادة لكان من الممكن التغافل عن هذه المقولة، وعدم الاكتراث بها، لكن أن تأتي من الدكتور زيادة فإن شأنها سيكون مختلفا، وذلك لكونه صاحب دراية ومعرفة وخبرة في هذا الشأن. وقد كشفت عن ذلك أعماله ومؤلفاته التي جاءت وتتابعت واتصلت بهذا المنحى، منذ رسالته للدكتوراه التي ناقشها في جامعة السوربون الفرنسية سنة 1980م، وكانت بعنوان: (المؤثرات الفرنسية على العثمانيين في القرن الثامن عشر)، وصدرت لاحقا في كتاب سنة 1981م بعنوان: (اكتشاف التقدم الأوروبي)، وفي سنة 2010م صدر الكتاب في القاهرة بعنوان آخر هو (المسلمون والحداثة الأوروبية). وفي سنة 1983م أصدر الدكتور زيادة كتابا له طابع الرصد والتتبع والتوثيق، حمل عنوان: (تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا)، وهذا الكتاب الجديد (لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب)، يتصل بهذا المنحى من الاهتمام، وينتمي إلى هذا الحقل البحثي، وجاء معبرا عن حصيلة وتراكم هذه الدراية والمعرفة والخبرة، وكاشفا عن تطور الرؤية عند الدكتور زيادة، ولعل المقولة المذكورة تمثل إحدى أبرز خلاصات القول عنده في هذا الموضوع.

مشاركة :