هناك اهتمام عالمي متصاعد حول بلورة وتطبيق مفاهيم جودة الحياة بوصفها أساسًا للتنمية المستديمة، وخصوصًا ما يتعلق ببعد المشاركة المجتمعية في مختلف جوانب التنمية؛ لكونها الضامن الإنساني لها، فإغفال البعد الإنساني يفرغ الحياة وجودتها من العنصر الأساس فيها. فالصحة ضمن هذا السياق على سبيل المثال لم يعد ينظر إليها في غياب الأمراض فقط؛ بل في الاكتمال البدني والذهني والاجتماعي، أي من خلال تشكل عناصر مركبة ومتكاملة تشكل أبعادًا مختلفة لدور الإنسان فيها. استخدم مصطلح جودة الحياة بداية للتعبير عن كفاية المسكن والعمل والصحة والبيئة، وشمل ذلك بُعْدين رئيسيْنِ هما: البعد الذاتي، ويتضمن الرفاهية الشخصية العامة والرضا عن الحياة والسعادة الشخصية، والبعد الموضوعي ويعني تلبية الاحتياجات الأساسية والاجتماعية، كأوضاع العمل، ومستوى الدخل، والمكانة الاجتماعية والاقتصادية، ويتميز بمجموعة من المؤشرات القابلة للملاحظة والقياس المباشر. وتُعَرِّف منظمة الصحة العالمية جودة الحياة بأنها «إدراك الفرد لوضعه في الحياة في سياق الثقافة وأنساق القيم التي يعيش فيها، ومدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع: أهدافه، وتوقعاته، وقيمه، واهتماماته المتعلقة بصحته البدنية، وحالته النفسية، ومستوى استقلاليته، وعلاقاته الاجتماعية، واعتقاداته الشخصية، وعلاقته بالبيئة عامة، وبالتالي فإن جودة الحياة بهذا المعنى تشير إلى تقييمات الفرد الذاتية لظروف حياته». (WHOQOL Group 1995). يلعب الإنسان (الفرد والجماعة) دورًا محوريًّا في قياس جودة الحياة، إذ تركز جميع المؤشرات التي ترصد ذلك كونها تتعلق بالنواحي الأكثر أهمية في حياة الفرد، ومن ثم قياس مستوى الرضا عنها من حيث إن الحياة بالنسبة للإنسان هي ما يدركه من محيطه، وبالتالي فهي تعبير ذاتي عن جودة ما يدرك من الحياة. وهناك مجموعة مؤشرات عالمية معروفة لقياس جودة الحياة من أبرزها: أولًا– التصنيف العالمي لقابلية العيش: وهو مؤشر سنوي يصنف المدن في 140 دولة حسب جودة الحياة الحضرية فيها بناء عوامل، من بينها الاستقرار والرعاية الصحية والثقافة والبيئة والتعليم والرياضة والبنية التحتية. ثانيًا– مسح ميرسر (Mercer) لجودة الحياة الذي يصنف 231 مدينة بناءً على النقل، والبيئات السياسية والاجتماعية والثقافية، والخدمات العامة، والصحة، والبيئة وغيرها من العوامل. ثالثًا– قائمة مجلة مونوكل (Monocle) لنمط الحياة، وهي قائمة سنوية تصنف 25 من أفضل المدن للمعيشة في العالم. رابعًا– مؤشر السعادة العالمي ويصنف 155 دولة وفقًا لمستويات السعادة فيها، وذلك بناءً على حالة الفساد، وحرية الاختيار، ومتوسط العمر المتوقع، وإجمالي الناتج المحلي للفرد، والدعم الاجتماعي. خامسًا– مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لجودة الحياة، وهو مؤشر يقارن جودة الحياة بين البلدان بناءً على 11 جانبًا أساسيًّا: الأمن، والصحة، والدخل، والوظائف، والتوازن بين الحياة والعمل، والتعليم، ومستوى الرضا، والسكن، والبيئة، والمجتمع، والمشاركة المدنية. سادسًا- مؤشر ARRP لجودة المعيشة، وهي مبادرة متميزة من معهد السياسات العامة لقياس جودة الحياة في المجتمعات الأميركية، بناءً على النقل والصحة والاقتصاد والتعليم والإسكان والأحياء السكنية والبيئة والمشاركة المجتمعية والتساوي في الفرص. ولعرض سريع لمجمل المؤشرات نرى أن البعد الذاتي يشمل الاتجاه النفسي؛ كالاتصال العالمي، وبيئة الثقافة، والاستجمام، والأمان، والرضا، والسعادة والحريات، كما يشمل في الاتجاه الفلسفي التساوي في الفرص، والدعم الاجتماعي والعطاء، والاستقرار والدعم النفسي. ويندرج في مجال البعد الموضوعي الاتجاه السياسي؛ كالبيئة السياسية والأمن، والاتجاه الاجتماعي كالبيئة الاجتماعية والسكن، والجودة المعمارية والتصميم الحضري، والبنية التحتية، والتعليم. أما في الاتجاه الاقتصادي فيشمل البيئة الاقتصادية والسلع الاستهلاكية وفرص العمل، والاتجاه الطبي يشتمل على الصحة، والخدمات الطبية، والرياضات، والبيئة الطبيعية، ومكافحة التلوث. من هنا نرى أن مؤشرات جودة الحياة تشمل مختلف العناصر التي تتشكل منها حياة الفرد، ولا يمكن اختزالها في جوانب محددة، وذلك من أجل أن تتكامل أبعاد جودة الحياة؛ كي يحقق الإنسان مستوى متقدمًا من جودة حياته، وأرى أنه من المهم الاستناد إلى مؤشرات القياس هذه، ووضعها كمعايير لنجاح أي مشروع في تحسين جودة الحياة. جعفر الشايب – كاتب سعودي مجلة الفيصل ١-٥-٢٠٢١
مشاركة :