استيقظت ألمانيا أمس على رائحة الرشوة بعدما زعمت مجلة «در شبيغل» بأن بلادها دفعت الأموال من أجل شراء الأصوات، في سباقها لاستضافة مونديال 2006. وأوضح تقرير، على موقع المجلة بالإنترنت، الجمعة، ثم في نسختها الورقية أمس، أن هذه الأموال استخدمت في الحصول على أصوات أربعة ممثلين للقارة الآسيوية في عملية التصويت الحاسمة على حق الاستضافة. «هل تم شراء مونديال 2006؟»، هذا ما عنونته صحيفة «بيلد» الأكثر انتشارا في البلاد، متسائلة أيضا: «هل اشترينا (قصتنا الصيفية) بالفساد؟». أما صحيفة العاصمة «تاغشبيغل»، فكتبت بدورها: «قصة صيف 2006: هل تم حقا شراء كل شيء؟»، وذلك مع صورة من أيام مونديال 2006 تظهر المشجعين الألمان ووجوهم مطلية بألوان العلم الألماني. وقد اتهمت «در شبيغل» رمزا أسطوريا من رموز الكرة الألمانية بشخص نجم المنتخب ومدربه السابق «القيصر» فرانتس بكنباور إضافة إلى الرئيس الحالي للاتحاد المحلي للعبة وولفغانغ نيرسباخ بتورطهما في دفع الرشى من أجل حصول ألمانيا على حق استضافة مونديال 2006. وتحدثت المجلة الأسبوعية عن أن اللجنة المنظمة لمونديال ألمانيا 2006 أنشأت حسابا خاصا وضعت فيه مبلغ 7.6 مليون يورو بتمويل من رئيس شركة «أديداس» للوازم الرياضية الراحل روبرت لويس - دريفوس من أجل شراء أصوات آسيا الأربعة في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي (فيفا) الغارق منذ أشهر في أزمة فضائح الرشى والفساد، وآخر فصولها توقيف رئيسه المستقيل السويسري جوزيف بلاتر، ورئيس الاتحاد الأوروبي الفرنسي ميشال بلاتيني 90 يوما، بسبب دفعة تلقاها الأخير من فيفا عام 2011. وأشارت «در شبيغل» إلى أن بكنباور ونيرسباخ علما بهذا الحساب الخاص عام 2005، أي قبل عام على استضافة بلادهما لمونديال 2006. من جانبه رفض نيرسباخ الادعاءات بوجود مخصصات سرية وشراء أصوات لتأمين حصول بلاده على استضافة بطولة كأس العالم 2006. وأكد نيرسباخ، في مقابلة على موقع الاتحاد الألماني بالإنترنت أمس، «يمكنني أن أستبعد بشكل تام ومطلق» وجود مثل هذه المخصصات التي أشارت إليها مجلة «در شبيغل» والتي تم منها تقديم رشوة لأعضاء اللجنة التنفيذية بالاتحاد الدولي للعبة (فيفا). وأوضح أؤكد أنه لم تكن هناك مخصصات سرية لدى الاتحاد الألماني لكرة القدم أو لجنة الملف أو اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم 2006، مؤكدا أنه لم تكن هناك أي عملية لشراء الأصوات. أما فيدو رادمان الرجل الثاني في اللجنة المنظمة والقريب من بكنباور فقال: «اللجنة المنظمة لم تقم برشوة أي شخص، أنا على استعداد للقسم. لم نقم أبدا بشراء الأصوات». ورأت «سويدويتش زيتونغ» أنه في حال كانت هذه المزاعم صحيحة، فسيكون ذلك خطيرا على الكرة الألمانية، لأن «حكاية الصيف» هذه ما زالت حتى اليوم تشكل بالنسبة للعالم بأجمعه ذكرى لولادة ألمانيا منفتحة على العالم ومضيافة، لكنها ستصبح في المستقبل ملطخة مثل سمعة سيارة «فولكس فاغن» بمحرك ديزل، وذلك في إشارة إلى فضيحة الصانع الألماني وتلاعبه بمحركات سيارات الديزل من أجل تزوير نتائج اختبارات مكافحة التلوث. وبدورها تحدثت «تاغشبيغل» عن أهمية كأس العالم 2006 «التي كانت أجمل الأحداث التي عرفتها ألمانيا في العقود الأخيرة منذ سقوط جدار برلين»، بينما اعتبرت «بيلد» أنه «من حق المشجعين معرفة ما هو صحيح في هذه الاتهامات الثقيلة جدا». وقد اعترف الاتحاد الألماني، أول من أمس الجمعة، بأن اللجنة المنظمة لمونديال 2006 صرفت مبلغ 7.6 مليون يورو للاتحاد الدولي في أبريل (نيسان) 2005 من دون أن يكون مرتبطا بإسناد الحدث إلى ألمانيا. وأوضح الاتحاد الألماني أن هذا المبلغ ظهر بمناسبة مراجعة داخلية في الأشهر الماضية، حول إسناد تنظيم كأس العالم 2006، وفي سياق فضائح فيفا والشائعات المتكررة في وسائل الإعلام. وأضاف أنه من خلال العمل التحقيقي «علم الاتحاد الألماني أن مبلغ 7.6 مليون يورو قد صرف إلى فيفا في أبريل 2005، وهو مبلغ قد يكون استخدم في غير غرضه الأصلي (البرنامج الثقافي لفيفا)». وأكد أن المبلغ لم يكن مرتبطا بالإسناد (مونديال 2006) الحاصل قبل سنوات، موضحا أن التحقيق الداخلي لم يظهر أي دليل بوقوع مخالفات. وفي بيانه، أوضح الاتحاد الألماني أن رئيسه أمر بفتح هذا التحقيق الداخلي مع استخدام محامين خارجيين لمعرفة ما إذا كان ممكنا استرداد الأموال. وختم «نتيجة نهائية ليست متاحة بعد لأن الإجراءات مستمرة» وينبغي أن «تتفحصها لجنة المراقبة». وتفوقت ألمانيا على جنوب أفريقيا في سباق استضافة مونديال 2006 بواقع 12 صوتا مقابل 11 للبلد الأفريقي الذي استضاف النهائيات التالية عام 2010، وقد غاب ممثل نيوزيلندا في اللجنة التنفيذية تشارلز ديمبسي عن عملية التصويت وعاد إلى بلاده لأنه اشتبه بأن هناك شيئا مريبا في عملية التصويت، وهو توفي عام 2008. وكان مونديال 2010 بجنوب أفريقيا أيضا هدفا لبعض الجدل وسط ادعاءات الفساد التي تحيط بالفيفا. وتجري السلطات الأميركية تحقيقا بشأن تحويل عشرة ملايين دولار دفعتها الفيفا نيابة عن المنظمين في جنوب أفريقيا. كما تجري السلطات السويسرية تحقيقا بشأن ادعاءات أخرى بوجود فساد في عملية منح حق استضافة بطولتي كأس العالم 2018 و2022 إلى روسيا وقطر على الترتيب. كما ثارت ادعاءات لعدة سنوات بشأن عملية منح حق استضافة مونديال 1998 لفرنسا. ولا يقتصر الأمر حاليا على الادعاءات بوجود فساد في عملية منح هذه البطولات، بل إن الادعاءات الخاصة بمونديال 2006 قد تقود نيرسباخ، في حال ثبوت صحتها، إلى نفس المصير الذي يعانيه بلاتر وبلاتيني، حيث فرضت عليهما لجنة القيم بالفيفا عقوبة إيقاف لمدة 90 يوما عن ممارسة أي أنشطة تتعلق بكرة القدم. وأضعفت هذه العقوبة من فرص بلاتيني في خلافة بلاتر كرئيس للفيفا وقد تبددت فرص نيرسباخ أيضا رغم تزايد أسهمه في الفترة الماضية بتولي رئاسة اليويفا أو الفيفا، علما بأنه لم يترشح رسميا في الانتخابات على رئاسة الفيفا. وكان الكوري الجنوبي تشونغ - مونغ - جون الذي أوقفته لجنة الأخلاقيات في فيفا قبل أيام معدودة لمدة ستة أعوام، من بين الرباعي الآسيوي المصوت في اللجنة التنفيذية لفيفا خلال اختيار البلد المضيف لمونديال 2006، وهو رد على تشكيك «در شبيغل» بمصداقيته في عملية التصويت تلك بالقول، إن «ما ذكرته المجلة الألمانية لا يستحق عناء تفسيره». وفي ظل هذه الادعاءات من المجلة، قرر فيفا توسيع مروحة تحقيقاته لأنه رأى بما كشفته «مزاعم خطيرة للغاية وسيتم النظر بها كجزء من التحقيق الداخلي المستقل...». ودعا سياسيون ألمان أمس، إلى إجراء تحقيق عاجل وشامل في الادعاءات بشأن شراء ألمانيا لأصوات من أجل الفوز بحق استضافة بطولة كأس العالم 2006 بألمانيا، ولم يستبعدوا إجراء تحقيقات جنائية بهذا الشأن. وصرحت داغمار فرايتاغ رئيسة لجنة الرياضة بالبرلمان الألماني، لإذاعة «آر بي بي»، بأن إجراء تحقيق داخلي من قبل الاتحاد الألماني للعبة، ليس أمرا كافيا، وأنه من الضروري أن يحقق خبراء مستقلون في هذه الادعاءات الخطيرة. وأوضحت أنها تشك في أن الرياضة تستطيع إصلاح نفسها. وقالت «رأيي الشخصي أن التحقيقات الداخلية التي أجراها الاتحاد الألماني للعبة ليست مقياسا لكل الأمور.. وأعتقد أن مكتب الادعاء قد يهتم أيضا بهذه الأمور». وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أمس إنه «يتعين على الاتحاد الألماني لكرة القدم إجراء تحقيق عاجل وشامل في هذه الادعاءات». وأوضح شتاينماير أنه يستطيع فقط اقتراح إجراء تحقيق بأسرع وقت ممكن، لتوضيح الأمر بشأن الأسئلة المطروحة.. لمصلحة الرياضة وكرة القدم. ولكن لمصلحتنا أيضا ألا يتبقى شيء من الجدل بهذا الشأن.
مشاركة :