كشفت دراسة جديدة عن وجود فجوة كبيرة بين الأرقام الرسمية المعلنة للوفيات المرتبطة بفيروس كورونا والأرقام الفعلية تصل إلى مليون حالة وفاة إضافية. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الأرقام التي أعلنتها الدول الاستبدادية. حتى الآن، أبلغت البرازيل رسميًا عن أكثر من 560.000 حالة وفاة بسبب وباء كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا المستجد. منذ انتشار وباء كورونا وحتى الآن، أعلنت الدول رسميا عن 4.27 مليون حالة وفاة جراء الفيروس، إلا أنه وكما يشتبه الكثيرون فإن هذه الحصيلة المعلنة لا تتسم بالدقة بشكل كبير. وقالت منظمة الصحة العالمية إن حصيلة الوفيات العالمية الرسمية "يتم احتسابها بشكل غير دقيق" لتبدو منخفضة، بمعنى أنه يتم تسجيل أرقام أقل من الأرقام الفعلية لإجمالي الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. بيد أن الأسباب وراء ذلك متباينة إذ يعتمد الأمر على الوضع السياسي أو الرغبة في نشر البيانات على الإطلاق. وقالت المنظمة في تقرير إن "العديد من الدول لا تزال تفتقد إلى أنظمة فعالة للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية التي بمقدورها العمل لتقديم بيانات دقيقة وشاملة وحسنة التوقيت بشأن الوفيات والمواليد وأسباب الوفاة". ومن أجل تسليط الضوء على الحصيلة الحقيقية لوفيات كورونا حول العالم، قام عالمان مؤخرا بنشر أكبر قاعدة بيانات للوفيات في العالم تقارن بين الأرقام المعلنة لوفيات كورونا وبيانات الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب في 103 دولة سواء البيانات الأسبوعية أو الشهرية أو الفصلية. وقام بالدراسة التي نُشرت الأسبوع الماضي رييل كارلينسكي من الجامعة العبرية بالقدس وديمتري كوباك من جامعة توبنغن جنوب ألمانيا. ووفقا لقاعدة البيانات للوفيات العالمية التي قام العالمان بنشرها، فإن هناك مليون حالة وفاة إضافية على الأقل خلال الجائحة وهذا دون احتساب البيانات الخاصة بأكثر من 100 دولة لأنها لم تكن متاحة. تعتيم في الدول الاستبدادية يشار إلى أن هناك فجوة بين معدل الوفيات المعلن عنه رسميا ومعدل الوفيات الفعلي والحقيقي على نطاق كبير في البلدان التي تديرها أنظمة استبدادية مقارنة بالإحصاءات الرسمية التي تصدرها الدول الديمقراطية. ويبدو أن دراسة كارلينسكي وكوباك تؤكد هذا الأمر إذ كشفت عن أن النمسا و بلجيكا و ألمانيا و فرنسا كانت دقيقة نسبيا في الارقام التي أعلنتها عن وفيات كورونا، ما يعني أن نسبة عدم الاحتساب بشكل دقيق وصلت إلى أقل من 1 بالمائة بين النسبة المعلنة والنسبة الفعلية. وعلى النقيض، فإن الدراسة كشفت عن نسبة عدم الاحتساب بشكل دقيق كانت أعلى في الدول غير الديمقراطية مثل طاجيكستان (100) ونيكاراغوا (51) وأوزبكستان (31) وبيلاروسيا (14) ومصر (13). ففي مصر على سبيل المثال بلغت نسبة عدم الاحتساب بشكل غير دقيق 13 إذ أُعلن رسميا عن تسجيل حوالي 6600 حالة وفاة بحلول نوفمبر / تشرين الثاني العام الماضي في حين وصل معدل الوفيات الحقيقي عند 87000. وترى ماريا جوسوا – الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية (GIGA) ومقره هامبورغ – "أن الشفافية ليست بشكل عام موضع اهتمام في الأنظمة الاستبدادية على عكس الحال في الأنظمة الديمقراطية. وذلك نظرا إلى افتقاد المساءلة". وفي مقابلة مع DW، أضافت الخبيرة "من الإنصاف أن نفترض أن الكثير من الإحصاءات التي أُجريت في الأنظمة الاستبدادية قد تم تحريفها، بغض النظر إذا كانت هذه الإحصائيات تتعلق بمعدل البطالة أو معدل الوفيات أو معدلات الوفيات الزائدة. وتعد مصر مثالا صارخا بشكل خاص فيما يتعلق بمعدل الوفيات المرتفع للغاية وعملية التستر الكبيرة على ذلك". مصر موضع شك منذ فترة وفيما يتعلق بمصر ، قال رييل كارلينسكي إن مصر "تمتلك نظامًا قويًا للتسجيل الحيوي"، مشيرا إلى أن الفارق المرتفع بين النسبة الرسمية المعلنة والنسبة الفعلية في مصر والذي وصل إلى 13 يمكن إرجاعه إلى سوء تقدير متعمد فضلا عن محاولة من السلطات لخفض حصيلة الوفيات جراء كورونا. وفي سياق متصل، قال تيموثي كالداس - الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن - "لطالما تشكك العديد من المراقبين - بما فيهم أنا – في حالة الاحتساب غير الدقيقة لمعدل الإصابات والوفيات جراء كورونا." وفي مقابلة مع DW، أضاف "تشير الوفيات الزائدة بين مايو / أيار و يوليو/ تموز العام الماضي إلى وجود احتساب غير دقيق كان على الأرجح كبيرا. ويبدو أن الحكومة المصرية غير مهتمة بإجراء إحصاء شامل للحالات، نظرا لأن الأرقام الرسمية تعكس فقط اختبارات "بي. سي. آر" للكشف عن كورونا، التى تقوم بها الحكومة وهي دائما تكون لحالات كورونا الشديدة في المستشفيات الحكومية. أما اختبارات "بي. سي. آر" في المعامل الخاصة في المراكز الصحية الخاصة فهي غير مشمولة في الإحصاء الرسمي". مراسم تشييع جنازة الممثل المصري سمير غانم الذي توفي في 20 مايو / أيار إثر إصابته بفيروس كورونا والجدير بالذكر أن العوامل الاقتصادية تلعب أيضا دورا حاسما إذ رفع صندوق النقد الدولي توقعات النمو في مصر خلال عام 2021 من 2٪ إلى 2.8٪ وذلك "استنادا جزئيا إلى الأرقام الرسمية التي تعترف الحكومة أيضا بأنها غير دقيقة"، وفقا لما ذكره كالداس. وترى ماريا جوسوا أنه لا يمكن الاستهانة بالتأثير الاقتصادي الذي قد ينجم عن الإعلان عن المزيد من الوفيات خاصة على السياحة التي تعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد. وقالت "ببساطة لا يمكن تحمل تبعات خسارة موسم سياحي آخر". مخاوف من تلاعب جديد في البيانات يشار إلى أنه عندما شرع كارلينسكي وزميلة ديمتري كوباك في جمع البيانات في عام 2020، لم يكن هناك مخزون دولي يتعلق بمعدلات الوفيات الزائدة المرتبطة بالوباء التي شمل أكثر من 100 دولة. ففي السابق، كانت هناك قواعد بيانات قليلة قارنت فقط الأرقام المعلنة من جانب عدد قليل من الدول الأوروبية ذات الدخول المرتفعة. وكما هو الحال مع أي محاولة لجمع البيانات، فإنه يجب أخذ العديد من الجوانب في الاعتبار عند مقارنة الأرقام بالسنوات السابقة. وبسبب الإغلاق، انخفض عدد حوادث السيارات المميتة إلى أدنى مستوى فيما انخفض أيضا معدل الوفيات الناجمة عن الأنفلونزا أو غيرها من أمراض الجهاز التنفسي بسبب التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل. وأشار الباحثان إلى أن عام 2020 كان عاما كبيسا، ما يعني أن إجراء مقارنة مباشرة مع عام آخر تعد بطبيعة الحال مقارنة مشوهة قليلا. وأضاف الباحثان أن هناك اختلافا بين أوقات تسجيل البيانات في كل دولة، بحسب وقت بدء تفشي الفيروس. السياحة بالغة الأهمية للاقتصاد المصري ومع ذلك، أوضح العالمان أن الخلاصة هو أنه يمكن القول بأن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم جراء وباء كورونا أكثر من الحصلية العالمية الرسمية لمنظمة الصحة العالمية. وقال كارلينسكي في مقابلة مع DW "يساورني شعور متباين بين الأمل والخوف في نفس الوقت". وأوضح حالة التباين هذه بقوله إنه يأمل في أن تأخذ الدول نتائج الدراسة على محمل الجد وتشرع في إعادة النظر في حصيلة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا. واستشهد كارلينسكي بما قامت به بيرو، إذ عملت على تحديث حصيلة الوفيات الناجمة عن وباء كورونا من 69 ألفا إلى 180 ألفا. لكنه قال إنه يخشى "في أن تبدأ الدول التي تعد إلى حد ما استبدادية وحاولت في الماضي التقليل من تفشي الوباء، في التلاعب بالبيانات التي خلصت إليها الدراسة". ويخشى أن تكون تركيا قد سلكت هذا النهج ، إذ كان من المفترض أن تنشر تركيا بياناتها الشهرية للوفيات الناجمة عن جميع الأسباب لعام 2020 في نهاية يونيو / حزيران 2021. لكن انتهى بها الأمر بتأجيل الموعد إلى أجل غير مسمى بسبب صعوبات غير مبررة، على حد قول كارلينسكي. وأضاف "أتواصل مع باحثين في تركيا وهناك بعض التقديرات عن وفيات زائدة في إسطنبول والمدن الكبرى الأخرى. وربما يكون الأمر كبيرا جدا". جينيفر هوليس / م ع
مشاركة :